الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

طارق حجي.. ظاهرة استثنائية بين أبناء جيله نظرة جديدة على كتاباته.. كان استشرافيًا عند تحذيره من تقلص مفهوم السماحة فى التفكير المعاصر

طارق حجي
طارق حجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«نقد العقل العربي» كشف عن عيوب تفكيرنا المعاصر.. وقدم نقدًا ذاتيًا للأفكار المعاصرة والمفاهيم الخاطئة وضحالة الفكر الثقافي وفقره

 

 حذر من ظاهرة الانحدار اللفظي على شبكات التواصل الاجتماعي والأعمال الدرامية

 

نحتاج لإنقاذ إنسانيتنا وسط غوغاء التواصل الاجتماعي.. و«السوشيال ميديا» وشبح الذكاء الاصطناعي

من الصعب الاشتباك مع أفكار المفكر والأديب طارق حجي، فهو بلا أدنى شك، كما قال عنه الدكتور ثروت أباظة في كتابه الأصنام الأربعة: «إن طارق حجي: كاتب ومفكر وأديب يشكل ظاهرة استثنائية بين أبناء جيله»، ذلك لما قدمه من أعمال فكرية وإبداعية اهتمت بنقد العقل الإنساني، وكما قال كانط:«إن النقد هو أهم أداة بناء ابتدعها العقل الإنساني»، ومن هذا المفهوم تحدث طارق حجي في كتابه «نقد العقل العربي» عن عيوب تفكيرنا المعاصر، والذي يتضمن تشريحًا لعدد من عيوب تفكيرنا المعاصر التي أصبحت تجسد الوجه السلبي لعقلنا المعاصر، برغم أنها ليست من سماتنا العرقية ولكنها ثمار طبيعية للظروف التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. وهو ما يعني أن التعامل معها وعلاجها أمر ممكن عن طريق القدوة ومناهج التعليم والمناخ الثقافي والإعلامي العام. 

فهذا الكتاب يقف في مواجهة طوفان مدح الذات والتفاخر الشديد التي أصبحت من معالم الجو الثقافي العام.

واهتم طارق حجي في فترة مبكرة من حياته بالمشكلات العامة والقضايا الوطنية التي ينبغي أن يهتم بها أولو الرأي، كما اشتهر بقول رأيه بجرأة وعن وعي وعن دراسة حقيقية ومتعمقة.

ولطارق حجي عدد كبير من المؤلفات التي اهتمت بمناقشة القضايا المحورية الهامة ومنها كتاب "أفكار ماركسية في الميزان.. في نقد الفكر السياسي الماركسي" وكتب "تجربتي مع الماركسية، والشيوعية والأديان، ومصر بين زلزالين، وثالوث الدمار، والأصنام الأربعة وفصول في السياسة والحياة، والثقافة أولًا وأخيرًا، وكتاب نقد العقل العربي، وكتاب كتابات في العقل المصري، وكتاب العقل العربي الفلسفة والمنطق، وكتاب التحول المصيري، وكتاب الطاعون، وكتاب الغدارة والواقع العربي، وكتاب تأملات في العقل المصري، وثقافتنا بين الوهم والواقع، وسجون العقل العربي، وكتاب قيم التقدم، ومؤخرًا أعادت دار النخبة إصدار الأعمال الكاملة لـ المفكر الدكتور طارق حجي، وتشمل المجموعة ٧ مؤلفات هي: (سجون العقل العربي، الصدمة، الطاعون- دانات، الإدارة الحديثة، نظرات فى الواقع المصري، أفكار ماركسية فى الميزان).

عمق الصلة بين الناقد وما ينقده

ويقول حجي عن العملية النقدية: «إن النقد سواءً اتخذ شكل نقد الإنسان لذاته أو لذويه أو لمجتمعه أو لأمته هو دليل قاطع على عمق وشائج الصلة والإخلاص والمحبة بين الناقد وما ينقده». 

هكذا كان يرى حجي العملية النقدية وأنها علاقة محبة بين الناقد والأمر الذي يقوم بنقده أو الحديث عنه ولهذا الحب والعمق أثره الكبير في كتاباته التي توجهت بالأساس إلى العقلية العربية وما يشوبها من تغيرات سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية.

كما يرى حجي أنه في كتابه «نقد العقل العربي» يمارس ما أسماه هو النقد الذاتي للأفكار المعاصرة، والذي وجدت أن هذا الفكر المعاصر يعاني من بعض المفاهيم الخاطئة وضحالة الفكر الثقافي وفقره في الوقت ذاته ويقول حجي:«إنني في هذا الكتاب الصغير أمارس ضربًا من النقد الذاتي لطرائق وأساليب تفكيرنا المعاصرة، فرغم أننا شعب يمكن أن يكون ذا شأن كبير على سطح الكرة الأرضية، إلا أننا وبفعل عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية وحضارية وثقافية مختلفة- أصبحنا نعاني من مفاهيم عديدة خاطئة، وكل هذه المفاهيم يصح أن توصف بأنها "مفاهيم ثقافية خاطئة: وأعني أن ضحالة الثقافة وفقرها في واقعنا هما اللذان أديا بنا – أو أعداد كبيرة منا- للتشبع بهذه الأفكار والمفاهيم "الثقافية" الخاطئة، ورغم أنني قلت إن النقد الذاتي الذي يحتويه هذا الكتاب إنما هو موجه لأساليب التفكير العربي المعاصر بشكل شبه كامل». 

وهنا نطرح عدة تساؤلات أهمها ماذا لو أعيد كتابة هذا الكتاب في وقتنا الراهن أي بعد مرور أكثر من ٢٦ عامًا على صدوره، فقد صدر الكتاب في عام ١٩٩٨، بعد ما شهدته الألفية الجديدة من تطورات على المستوى العالمي وبروز التطورات التكنولوجية الهائلة وبعد مرور ثورات ما تسمى بالربيع العربي والتي أعادت تشكيل خريطة العالم العربي وفقًا لتلك المتغيرات، والتساؤل هنا هل كان طارق حجي استشرافيًّا حينما بدأ بعملية نقد العقل العربي على الرغم من اختلاف البعض منهم على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي؟ هنا سنحاول ماذا قدم حجي من تصورات واقتراحات ونقد ذاتي، حسب وصفه لهذا العقل العربي؟

وقد نجد جزءا أو بعضا من إجابة السؤال السابق فيما طرحه "حجي" نفسه في مقدمة كتابه إذا قال: "وأنا لا أزعم أنني أحطت بكل المفاهيم الثقافية أو أنماط التفكير الخاطئة التي شاعت وذاعت في واقعنا المصري والعربي المعاصر، وإنما أزعم أنني انتقيت بعضا منها وسلطت عليه الضوء، ومن الضروري أن أذكر هنا أنني ما شرعت في كتابة فصول هذا الكتاب الصغير إلا وأنا موقن أن سيثير الكثير من ردود الفعل العاطفية، وهو دليل قاطع على صحة الكثير مما يتضمنه هذا الكتاب من نقد".

ويتابع حجي قائلًا: "ولكني على ثقة، أن روح الإخلاص العميقة القابعة في وجدان كل عبارة من عبارات هذا الكتاب تنضح بأن دافع وروح وغاية هذا العمل هو الأمل العميق في مستقبل (لهذا الوطن) أكثر إشراقًا وازدهارًا من حاضرها".

والأغرب في واقع الأمر أن حجي تطرق لأحد المفاهيم التي باتت صعبة المنال في وقتنا الراهن والتي بدأ بها فصول كتابه والذي يؤكد على استشرافه للمستقبل إذا تنبه حجي لموضوع "تقلص مفهوم السماحة في التفكير المعاصر"، والتساؤل هنا ماذا كان سيكتب حجي لو عرف حينها أن هذا المفهوم قد قارب عن الاندثار؟ 

وهنا نعود بالقارئ إلى الاشتباك مع ما طرحه حجي لعلنا نستطيع أن نلحق ببعض من إنسانيتنا وثقافتنا التي تكاد أن تمحى وسط كل غوغاء مواقع التواصل الاجتماعي و"السوشيال ميديا" والآفة الكبرى التي قد تحيل بيننا وبين أبنائنا من شبح الذكاء الاصطناعي ChatGPT  (شات جي بي تي) هذا الشبح الجديد الذي يلجأ إليه الأبناء ليتحدثون معه ليصبحوا أكثر عزلة عن ثقافتهم وهويتهم، فانت الآن تستطيع أن تخلق لك صديق غير موجود، فمن أين تأتي تلك السماحة التي يتحدث عنها "حجي"؟

السماحة وقبول الآخر 

والغريب أن "حجي" قد تناول خلال الفصل موضوع تقبل الآخر على اختلاف شاكلتهم ليبدأ الفصل بالآية الكريمة "لكم دينكم ولي دين" متحدثّا عن كيف يمكن أن يكون الاختلاف بين البشر سببا في الصراعات والحروب لمجرد أن الآخر مختلف عنك سواء في العرق أو الأصل أو الدين، وربما يكون استخدم الآية الكريمة ليدل على سماحة الدين الإسلامي وأن يترك كل منا الآخر حرصا فيما يعتقد أو يؤمن، ويقول حجي:" أن تاريخ الإنسانية قد شهد تحولات إيجابية في نمو ظاهرة قبول الإنسان لون هذه الاختلافات من الأمور الطبيعية والملازمة لحياة البشر على الأرض، بمعني أن الإنسان أصبح عبر القرون أقل رفضًا وغضبًا من تك الاختلافات وأكثر قبولا للتعايش معها، ومع تطور الحياة المدنية، نما شعور بان لوم الآخرين لمجرد كونهم مختلفين، هو موقف غير إنساني، وقد يبلغ حد أن يكون همجيًّا" 

أي أن طارق حجي يعتبر من المفكرين الذين تنبهوا إلى فكرة التسامح والتعايش مع الآخر بالرغم من الاختلافات والتي كانت بداية اشتعال الأزمات والصراعات والحروب وما يتبع ذلك من أرهصات. 

التعليم والثقافة والتسامح 

وبدأ حجي حديثه عن التسامح في العصور الوسطى والذي برز فيها سمو الحضارة الإسلامية وقدرتها عن التسامح وكيف كان المسلمون أكثر تسامحًا في تلك الفترة، وكيف كان يتم التعامل مع اليهود والمسيحين حياة طيبة في ظل الفترة العباسية وحتى العثمانية، وكيف تغير هذا الأمر بعد خروج المسلمين من الأندلس، حيث تم التعامل مع اليهود في حارات ضيقة وكأنهم أمراض خبيثة، فإذا أخذتك قدميك وسرت بأحد شوارع مدينة طرطوشة وهي إحدى مدن منطقة قطالونية في إسبانيا، سترى بنفسك كيف كانوا يعيش اليهود في أماكن ضيقة وبيوت منعزلة عن باقي المدينة، مكان مهجور لا يوجد به أحد ولا يعيش به أحد وكانك عدت عشرات ومئات السنوات لتشتم رائحة سكان تلك المنازل لازالت تعلق بها. 

وبالعودة للعصر الحديث يؤكد حجي أن التسامح هو قبول الآخرين مهما اختلفوا في العرق أو الدين أو العادات والمقدسات والتقاليد وأن هذا القبول يعود في المقام الأول على أنه ظاهرة ثقافية في المقام الأول – وفق تعبيره- وأنه كلما تشبع المجتمع بالتعليم والثقافة كلما كان أبناؤه أكثر تسامحًا مع الآخرين وأكثر قبولا لفكرة أن الاختلاف بين الناس أمر طبيعي ويجب أن نعيش معه في هدوء وسكينة.

كما أكد أهمية البدء بعملية التصحيح الثقافي لبعض العيوب التي ظهرت بالمجتمع وأصبحت آفة من آفات التفكير المعاصر والتي من أهمها أننا أصبحنا أقل تسامحًا وأكثر تعصبا لمعتقداتنا عن الحد الذي يسمح بقبول وجود الآخر بجوارنا، وأننا أصبحنا لا نتعامل بموضوعية وعلمية وأن مثل تلك العيوب سيؤدي بالطبع إلى اتساع الهوة بيننا وبين العالم.

لافتا إلى أهمية مؤسسات التعليم ووسائل الإعلام بأنها هي المنابر ذات القدرة على التعامل العلمي والموضوعي مع هذا العيب الفتاك من عيوب تفكير السواد الأعظم في واقعنا، قائلا: «للأسف الشديد أن إحراز نجاح وتقدم كبيرين في هذا المجال أمر بالغ الصعوب، إذ إن آثار وثمار نجاح برنامج إصلاحي فعال في هذا المجال من خلال مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة هي من قبيل الاستثمار طويل الأجل». 

وهنا ينتقل حجي إلى موضوع آخر وهو المغالاة في مدح الذات وهو أحد عيوب العقل العربي والتي بدأت في الظهور بشكل فج في الصحف والمجلات في الربع الأخير من القرن العشرين، ويقول حجي في هذا الشأن:" واليوم، فلا تكاد جريدة أو مجلة تخلو من موضوع أو مواضيع تتضمن إطراء الذات والاشادة بتميزنا وتفوقنا وانجازاتنا، وكثيرًا ما تكون عبارات إطراء الذات منسوبة لمصدر خارجي، وهو ما يؤكد اعتقادنا بان المصدر الخارجي يُضفي مزيدًا من القيمة، على عبارات الإطراء المذكورة"، وهو ما حذر منه حجي بشدة من خلال هذا الجزء على أن المغالاة في مدح الذات ترتبط ارتباطًا وثيقا بمجموعة أخرى من القيم السلبية التي شاعت في حياتنا، والتي قد تؤدي إلى ترك الأفعال والذهاب إلى الاقوال والتي حولتنا ما إلى ما أسماه حجي بالواقع الخطابي أكثر من كونها واقعًا عمليًّا. 

في هذا التشريح الذي قدمه حجي في نقد العقل العربي والذي يمكن التعويل عليه بشكل كبير إذ رصد الكثير والكثير من السلبيات والتي أدت إلى الأوضاع على ما هو عليه الآن كثرة الثرثرة والأحاديث المغالاة في مدح الذات بعيدًا عن وجود أفعال حقيقة ومنجز حقيقي.. ولعل كل تلك السلبيات التي رصدها حجي في كتابه نقد العقل العربي والتي قد تجعلنا في حاجة ماسة إلى العودة إلى تلك الإصدارات التي من شانها الوصول بالمجتمع إلى مكانه أفضل مجتمع المعرفة والعلم ويسود به التسامح ويكثر فيه العمل والإنتاج والتقدم. 

في الاشتباك المستمر الذي يقدمه طارق حجي سواء من خلال كتاباته أو مقالته أو الخواطر التي يقدمها بشكل مستمر عبر المنافذ الإعلامية المختلفة قد يكون فيها حلولًا أو خارطة طريق للنجاة من هذا الوضع الذي نعيش فيه. 

 

ظاهرة الانحدار اللفظي في مِصْرَ الآنية

وهنا طارق حجي استطاع بكلمات بسيطة إلى التطرق لأخطر مشكلات العصر وهو التطاول عبر صفحات السوشيال ميديا لاسيما فيما يتعلق بالتطاول اللفظي ويقول حجي في هذا الشأن: «بوسعِ أيّ متابعٍ لشبكاتِ التواصلِ الإجتماعي (السوشيال ميديا) وللأعمالِ الدرامية أن يُلاحظ ظاهرةَ الإنحدارِ اللفظي فى مِصْرَ اليوم. وأقصدُ شيوع ألفاظٍ ومفرداتٍ ونعوتٍ تحقيريةٍ هابطةٍ. وهو ما كان نادرًا فى الأفلامِ والمسرحياتِ والأعمالِ التلفزيونية والإذاعية فى مِصْرَ التى أذكرُها جيدًا أي مصر الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات». 

ويتابع حجي:"ويشترك فى إستعمالِ هذه الألفاظِ والمفرداتِ والنعوتِ الأثرياءُ وشاغلو المناصب/المواقع العليا وحملةُ أعلى الشهادات مع باقي رقائقِ السلم المجتمعي/الطبقي. ولهذه الظاهرة الرديئة أسباب منها تراجع وهبوط المستويات التعليمية والثقافية وحلول الأثرياء وشاغلي المناصب/المواقع العليا محل الطبقات العليا بالمعنى المعروف سوسيولوجيا (أي وفق مفاهيم علم الإجتماع)، وأنا هنا لا أقصد بالإنحدارِ اللفظي استعمال مفردات ونعوت خارجة (بعضها ذات طابع جنسي)، وإنما أقصد استعمال مفردات ونعوت من نوعيةِ: حمار، جحش، نطع، غبي، مغفل، عبيط، أهبل.... إلخ. وهذه الظاهرة صادمة لي على أُفقين أو مستويين: الأول، شخصي صرف، حيث لا أستعملُ هذا المفردات والنعوت على الإطلاق. كما أنني نشأتُ فى مناخٍ لا تستعمل فيه. والثاني، ثقافي بحت إذ أرى منابت هذه الظاهرة وأقلقُ شديدَ القلق منها ومن معانيها ودلالاتها وعواقبها. وللأسف، فكما أن وجود َمثل هذه الظاهرة يستغرق وقتًا طويلًا، فإن تراجعَها (بفرض توفر أسباب هذا التراجع) يحتاج أيضًا لوقتٍ غير قصيرٍ.

ولعل هذه الخاطرة التي كتبها طارق حجي وتم نشرها في الحوار المتمدن، قد تطرق إليها من قبل في كتاباته التي نبه إليها في نقد العقل العربي وربما أيضا تطرق إليها في كتابه "الثقافة أولا وأخيرًا".

 

الثقافة أولًا وأخيرًا

ويقول حجي في مقدمه كتابه الثقافة أولًا وأخيرًا: "هذا الكتاب يمثل جزءا صغيرا من مشروعي الثقافي. ولكنه يتناغم مع باقي فسيفساء هذا المشروع. ومشروعي الثقافي الذى قدمته فى أكثر من ثلاثين كتابًا وما لايقل عن ٥٠٠ مقال وروجتُ له فى ما يزيد على ٢٥٠ حوارًا تليفزيونيا وإذاعيا وصحفيا وعشرات المحاضرات العامة، يمكن تلخيصه في: نشر مجموعة من القيّم سميتها قيم التعايش المشترك والحداثة. وأهم هذه القيّم هى: التعددية، الغيرية/قبول الآخر، التعايش المشترك، حقوق المرأة، وحقوق الأقليات، والتفكير العلمي، ونسبية الأحكام، ومدنية الدولة، والدين شأن شخصي".

ويتابع حجي:" ومعروف أن لمشروعي الثقافي هذا عدة أعداء فى المجتمعات الناطقة بالعربية، لذلك كان لزامًا عليّ أن أكافح أكبر أعداء هذه القيم وهى الأصولية الدينية والتى أفردتُ لنقدها ولنقضها أكثر من كتاب. وكاتب هذه الكلمات يُؤْمِن أن الأصولية الدينية كثيرًا ما تقف فى نفس الخندق/الخنادق مع غيرها من القوى المعادية للإنسانية وللحداثة.

"وقد استلزم مشروعي الثقافي هذا أن أقف بقوةٍ من مجموعتين فى مجتمعي وفى سائر المجتمعات الناطقة بالعربية وهما: النساء والأقليات الدينية وغير الدينية، فأيّ مجتمع لا تسود فيه الأنساق القيمية التى روّجت لها فى كل أنشطتي الثقافية هو بالضرورة مجتمع غير منصف للمرأة وللأقليات الدينية، وإن تفاوتت أشكال اللاإنصاف من مجتمع لآخر. ولكن تبقى المرأة فى أية بيئة لا تسود فيها هذه القيّم ككائن ناقص الحقوق، وهو ما ينطبق حرفيًا على أفراد الأقليات".

مصر بين زلزالين 

في هذا الكتاب "مصر بين زلزالين فصول سياسية" والذي صدرت الطبعة الأولى منه في عام ١٩٩١، يحاول طارق حجي أن يقدم حلول شاملة وكاملة لمعضلات الواقع المصري المعاصر، ويقول حجي في مقدمة كتابه: "هذا كتاب جديد يتضمن جهدًا آخر ضمن محاولة البحث عن حلول شاملة وكاملة لمعضلات الواقع المصري المعاصر فمنذ بداية سنة ١٩٨٥ وحتى لحظة صدور هذا الكتاب فإن كتاباتنا باللغة العربية تنحصر في هذا المجال وتتوجه كلها إلى غاية واحدة وهي تقديم مشروع متكامل ليس فقط لفهم مشاكل واقعنا وإنما بدرجة أكبر لحل هذه المشاكل حلا، يضمن من الناحية الاقتصادية درجة عليا من الإزدهار ويحقق من الناحية السياسية درجة كبيرة من الاستقرار". 

التنوير 

ولعل أبرز ما قدمه حجي في هذا الكتاب هو القسم السادس والتي يتطرق فيه لموضوع غاية في الأهمية والتي جاء تحت عنوان "حاجتنا للثقافة والتنوير" وهو الأمر الذي نحن في أشد الحاجة إليه في الوقت الراهن، ووفقا لما قاله "حجي":"نحن في حاجة كبير لحركة تثقيف وتنوير هائلة». وأبرز حجي أهمية الطبقة الوسطى باعتبارها أكثر الشرائح المجتمعية تنويرًا وثقافة وانفتاحًا على إنجازات العصر أدبيا واجتماعيا واقتصاديا وعلميا. 

ويقول حجي في هذا الأمر:«إن مجتمعنا أشد ما يكون اليوم حاجة للثقافة بمعني جديد، فالثقافة التي ننشدها ليست الثقافة بمعنى تخزين المعلومات والمعارف، وإنما نحن نعني بالثقافة مزيدًا وتوسيعًا لفهمنا للحياة ومعرفتنا بها، فكل معرفة تزيد معرفتنا بالماضي والحاضر والمستقبل وتعمل على تحسين الحياة هي ما نعنيه بالثقافة، وهنا تكون علوم جديدة كعلوم الإدارة والموارد البشرية والاقتصاد على رأس ما نعنيه بالثقافة والتنوير، وهنا يجب الإشارة إلى حقيقة أن تاريخ البشريبة لم يعرف أي شكل من أشكال النهضة إى والإنسان يلتقط خيط من سبقوه ويقتفي أثرهم.. أما أولئك الذي نادوا – مرارًا – بهجر خيط الحضارة وبدء تجارب جديدة، فإن التاريخ لا يحمل لنا دليلا واحدًا على نجاح تجربة من هذا النوع». 

وهنا يلفت حجي النظر على أهمية وضرورة الاستفادة من التجارب السابقة وأن نبني عليها حتى نستطيع التقدم وهو ما وصفه بـ «ضرورة اقتفاء أثر السابقين» لكن ما يحدث هو إعادة اختراع العجلة من جديد ولهذا نعود إلى نقطة البداية دون إحراز أي تقدم حقيقي.