السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

يخوض حربًا شرسة| طارق حجي.. الفائز في معركة تكسير العظام

طارق حجي
طارق حجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"أنا أحب وأعشق ما أعمل، وأعطيه كل كياني. عندما أقرأ، أعطي حياتي للقراءة، وأيضا عندما أكتب أعطي حياتي للكتابة. في البداية دخلت شركة بترول وتعليمي لا علاقة له بالبترول، أصبحت رئيسا لهذه الشركة مع أن دراستي كانت العلوم الاجتماعية، وزملائي كانوا من حملة الدكتوراه في الهندسة والفيزياء.
في نفس الوقت، لا أعرف أن هذا من حسن حظي أو من سوء حظي، أن معظم الناس مشغولة بالمال، إنما أنا لا يشكل المال بالنسبة لي حتى جزءا من اهتماماتي. اهتماماتي هي بما أعمل، همي هو أن أجيد ما أعمل".
في عام 2004، كان المفكر الكبير طارق حجي، عضوًا في المجلس الأعلى للتعليم في أبوظبي، وواحدا ممن وضعوا فلسفة وسياسة تعليمية للإمارة. وقتها، قابل حجي الشيخ محمد بن زايد -ولي العهد آنذاك- في قصر البحر. قدم وزير التعليم في أبوظبي طارق حجي للشيخ باعتبار "أكثر البشر كراهية للإخوان". لكن بن زايد أجاب: "لا، بل ثاني أكثر البشر كراهية لهم". وعندما سأله حجي عن الأول، أجاب الشيخ: "أنا".


كان اللقاء بعد 54 عاما كانت عمر المفكر الكبير وقتها، وقد أنفق حجي جُل عمره في صراع مع طيور الظلام. وبالفعل، حتى الآن، كلفهم خسائر فادحة في معركة "تكسير عِظام"، كما يُقال. حيث نذر قلمه ومؤلفاته لهدم البناية الفكرية للجماعات الإرهابية، وإجهاض مخططاتها الظلامية للسيطرة على العقول، وبث الفرقة في نفوس أبناء البيت والوطن الواحد. بينما ركز على نقد المرجعية الإسلامية للسياسة في المجتمعات العربية، وتوعية العالم المتقدم باستحالة الجمع بين هذه المرجعية والديمقراطية. ووصف ما حدث في 30 يونيو 2013، بأنه "أصاب المشروع الأنجلو ساكسوني في المنطقة بذبحة صدرية".
حقا، هي حياة حافلة انطلق قطارها من بورسعيد في 12 أكتوبر عام 1950، بدأت عندما كان طارق في عمر العاشرة، عندما دخلت أمه إلى غرفته ووجدته يقرأ في مجلة للأطفال، وتمسك في يدها كتاب «عودة الروح» لتوفيق الحكيم. يومها قالت له -وهي العالمة بابنها وتعرف كيف تستفزه بإيجابية- «يادوبك على قدك»؛ متحديا، أخذ كتابها وقرأه كاملا في ليلة واحدة "ومن يومها وأنا في حالة زواج مع الكتب"، كما قال في واحد من حواراته.
تخرج الشاب فى كلية الحقوق بجامعة عين شمس، وهي نفسها التي حصل منها على درجة الماجستير، ثم سافر ليحصل على الدكتوراه من جامعة جينيف بسويسرا. وقتها، بدأ حجي حياته المهنية بالعمل الأكاديمي؛ حيث عمل كمدرس للاتفاقيات الدولية بكلية الحقوق بجامعة فاس المغربية عام 1971. ثم انتقل للعمل كخبير في شئون الطاقة في الشرق الأوسط بالمكتب الرئيسي لشركة شل العالمية للبترول في هولندا وبريطانيا، حتى أصبح رئيسًا لشركات شل العالمية للبترول عام 1986. كان وصوله لهذا المنصب في منتصف الثلاثينيات من عمره، كان دليلا دامغا على عبقرية ومثابرة ذلك الشاب، والذي كان له وجها تنويريا آخر بعيدا عن تميزه في عالم المال والنفط.
لكن وجود حجي في ذلك العالم دفع إليه بمصادفة كبيرة غير متوقعة، عندما صادق لفترة طويلة "سامي مبارك" شقيق الرئيس الراحل، والذي كان يعمل في ألمانيا ومتزوجا من هناك. وعلى مدار عشرين عاما، جمع حجي الكثير من الحكايات الخاصة بالرئيس الأطول حكما في تاريخ الجمهورية المصرية؛ لكنه، كما قال في وقت سابق، أودعها بالعربية والإنجليزية لدى محاميه، وأوصاه بعدم نشرها إلا بعد عشر سنوات من "سفره" -حسب تعبيره- لأنه يعلم مدى الزوابع التي سوف تُثيرها تلك الحكايات.
كان حجي يتنقل كأحد أبرز المنظرين الليبراليين المعاصرين في كثير من جامعات العالم. منها: أكسفورد، طوكيو، ميلبورن، سيدني، برينستون، كولومبيا، كينجز كولدج، كولورادوا، معهد هايك بفيينا، إيراسموس بهولندا، الجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ وغيرها من الجامعات العلمية والمراكز البحثية. يدعو في كتبه ومقالاته ومحاضراته وحواراته التليفزيونية لقيم الحداثة والتقدم، ويكتب كثيرا عن التعددية، وقبول الآخر، والنسبية، وحقوق المرأة، والأقليات، والدولة المدنية العصرية التي تؤسس مرجعاتها على قواعد دستورية وقانونية مدنية، والتعليم العصري القائم على تفعيل دور العقل النقدي والإبداع.
وبينما شارك حجي في تأسيس قسم الدراسات القبطية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ونظرًا لاهتماماته الواسعة ومحاضراته العديدة في مجال مقارنة الأديان والتاريخ الديني واللاهوت المسيحي قامت جامعة تورنتو الكندية بتأسيس منحة دراسية للدراسات العليا باسمه، هي "منحة طارق حجي للدراسات العليا في أبحاث الأديان المقارنة".
وخلال ما يزيد على نصف قرن من النجاح، تم اختياره لعضويةِ مجالس إدارات ومجالس أمناء أكثر من ثلاثين جمعية وكلية وجامعة ومؤسسة؛ من بينها عضويته بلجنة العلوم الإدارية بالمجلس الأعلى للثقافة، ومجلس أمناء الجمعية العربية للإدارة، ومجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ومجلس أمناء جامعة العلوم الحديثة والآداب، ومجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الثقافية والاجتماعية، ومجلس إدارة جمعية النهضة بالتعليم، ومجلس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.. وغيرها.


بطبيعته، يميل طارق حجي إلى التفاؤل القائم على الحسابات، ومن وجهة نظره، تبقى الاحتمالات أن يكون المستقبل مستنيرا أكبر من العكس "ولكن علينا أن نقوم بواجبنا في عدة مجالات؛ أولها التعليم، وثانيًا الثقافة، وثالثًا الإعلام، هذه هي الأدوات التي تشكل وعى المواطن المصري"، وفق قوله. ويوضح حجي في كتاباته، التي بلغت 34 كتابا صدرت باللغاتِ العربيةِ والإنجليزيةِ والفرنسيةِ والإيطاليةِ، أنه من نكبات المجتمعات التي ابتليت بسرطان الإخوان وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي أن "محاربة الإسلاميين" حظيت بجل الاهتمام؛ اهتمام الدولة، واهتمام الأجهزة، واهتمام الدوائر الثقافية والإعلامية. أما "محاربة فكر الإسلاميين"، فلم تحظ بأيّ اهتمام، أو حظيت باهتمام هامشي على المستويات التعليمية والثقافية والإعلامية، وعلى مستوى الخطاب الديني.
ويرى حجي أن سبب هذه الظاهرة هو أن "محاربة الإسلاميين" هو أمر أسهل بكثير من "محاربة فكر الإسلاميين". وأن توظيف قوة الدولة المادية -العسكرية والأمنية- رغم أهميته هو أقل تعقيدًا من العمل الممنهج لمحاربة فكر الإسلاميين من خلال المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، وبنفس الأهمية من خلال مؤسسات ومنابر الخطاب الديني. وأن ذلك يتطلب توفر رؤية موثقة تنبع منها سياسات استراتيجية محددة، تترجم هذه الرؤية، وتحوّلها لسياسات وبرامج تعليمية وثقافية وإعلامية، مع سياسات وبرامج مماثلة للخطاب الدينى.
في عام 2015 ظهر تصريح مثير للجدل على لسان حجي، قال فيه "إن ما يسمى إسلام حاليا هو مجرد تراث". بعيدا عن موجات الغضب، فسر حجي قوله بأن "الجزء الديني الروحاني في الإسلام ليس محط اهتمام الإسلاميين، ولكنهم يهتمون كثيرا بالجوانب المتعلقة بالأمة الإسلامية وتطبيق الشريعة، هذه الأمور أساسها نصوص تراثية أكثر منها نصوص دينية، وهذه النصوص التراثية تحتاج إلى مراجعة". وأن المشكلة -وفق رؤيته- هي أن المؤسسات الدينية في معظم البلاد الإسلامية، تلونت، وصارت صاحبة نفوذ سياسي.
الآن يواجه حجي معركة جديدة نؤازره فيها جميعا، بعد أن تسلل إلى جسده سرطان العظام، وصار يومه مشغولا -إلى جانب نشاطه الذي لا ينضب- بقادم ثقيل الظل لن يُفارقه بسهولة. لكن طارق حجي، الذي فاز في كل معركة خاضها، لن يستسلم بسهولة إلى القادم الجديد.
يميل طارق حجي إلى التفاؤل القائم على الحسابات، ومن وجهة نظره، تبقى الاحتمالات أن يكون المستقبل مستنيرا أكبر من العكس "ولكن علينا أن نقوم بواجبنا في عدة مجالات.