الغباء هو ضعف في الذكاء، والفهم، والتعلم، والشعور أو الإحساس، وربما يكون السبب فطريا أو مكتسبا أو مُفتعلا، ويُعرف الغبي في اللغة العربية بعدة ألقاب كالأحمق والمعتوه والأبله والمغفل.
هناك فارق واسع بين الحماقة والغباء، رغم تقارب التأويل، لكن في الحقيقة لهما معانٍ مختلفة، أدعوك أن تخوض رحلة البحث عنها بنفسك لتكتشف تفاصيلها وتستمتع بطريقك نحو الوصول، لكن هنا نبحث عن إجابة عن سؤال واحد «مجتمع ذكي وأفراد أغبياء» أفضل أم «مجتمع غبي وأفراد أذكياء»؟.
أما بعد، فقد قادتني الصدفة للتعرف على صديق من إحدى الدول التي تحتل الصدارة في مؤشر السعادة العالمي، ولا أعرف ما المتعة في الحياة بسعادة؟!.. وقد خلقنا فيها لنشقى، ما الفائدة بأن يوفر لك المجتمع فرص العمل والتعليم والصحة والسكن وغيرها؟!، أين الإثارة في الحياة إذا كان هناك تكافؤ فرص واعتماد على الكفاءات؟!، لماذا يضعون الرجل المناسب في المكان المناسب؟!
أعتقد أن مثل تلك المجتمعات هي عنصرية بامتياز، أين يذهب عندهم الأغبياء والفشلة؟!، في أي مجال يعملون؟!، ما معنى أن أذهب إلى «مدام عنايات» للحصول على خدمة حكومية دون التعرض لأي مضايقات أو ابتزاز أو إجبار على دفع الرشاوى؟!
أعتقد ولا تصدقني، أن هذه الدقة في التفاصيل التي تتحلى بها بعض المجتمعات المتقدمة، خلقت مجتمعا ذكيا وأفراد أغبياء، ليس لديهم مهارات متعددة لكنها متخصصة أكثر في مجالات بعينها دون الأخرى، على النقيض تماما تجد المجتمعات الغبية تخلق أفراد أذكياء بفعل الخوف والقلق وعدم الثقة أحيانا والكراهية الطبقية أحيانا أخرى.
في المجتمعات الغبية لا يثق الأفراد في المدارس، فتجدهم يتجمعون أمام الأبواب خاصة أوقات الامتحانات، وترى في عيونهم لهفة مبالغ فيها انتظارا لخروجهم، عكس المجتمعات الذكية الذي يذهب فيها الأطفال للمدارس وأولياء الأمور لأعمالهم، ويقوم المعلمون أيضا بدورهم ليصنعوا جيلا جديدا يستكمل رحلة المجتمع مع الحياة.
في المجتمعات الغبية، «الفهلوة» و«الرشوة» مهارة يجب أن تعرفها لتنجز كل مصالحك بعيدا عن المعاناة و«الفرهدة»، فإما أن تنجز المهمة بالمعارف أو المصالح المتبادلة أو المال، أو «فوت علينا بكرة.. الأوراق غير مكتملة».
المجتمعات الغبية لم تخلق سوى أذكياء انتهازيين يبحثون عن النفوذ والمال على حساب المصلحة العامة، قد يتاجرون في صحة المجتمع عبر الأغذية والأدوية الفاسدة، أو التجارة المحرمة، أو استغلال استبدادي للنفوذ، فالكمائن تواجه أفرادها في كل مكان، وكل يوم وكل لحظة.
يقول الكاتب والمؤلرخ محمد عرموش: «في المجتمعات الغبية تكون المنازل نظيفة أما الشوارع والطرقات والميادين بها تلال من القمامة.. فالكل يحاول أن يدفع عربة المجتمع في الاتجاه الذي يوافق مصلحته فقط، فمنهم من يدفعها من الخلف ومنهم من يدفعها من الأمام، بل إن هناك من يدفع العربة من الأجناب متصورا أنها ستتحرك في الاتجاه الذي يرغب فيه، لكن النتيجة الحتمية أن العربة لن تتحرك أبدا في أي اتجاه!».
من الوهم أن يتصور الشخص أن ذكاءه الفردي وأمواله ونفوذه وعلاقاته ستصبح في أمان داخل مجتمع الغباء الجماعي، لا بد أنه سيقع يوما ما، إما عن طريق قطعة غيار غير صالحة تم تركيبها في سيارته، أو دواء فاسد، أو خطأ هندسي في منزله وغيرها من الأسباب.
فالأذكياء الذين يظنون أن مخالفة القانون مهارة لا يلومون إلا أنفسهم عندما يخالف غيرهم قوانين أخرى، فكل قوي هناك من هو أقوى منه، وكل ذكي هناك من هو أذكى منه.
وعندما تغيب المبادئ والقيم الأخلاقية يصبح الممنوع مسموحا، والمحظور مباحا، وتصبح العلاقات الإنسانية تحكمها المصالح وسيطرة القوى، وما إن يدب الخلاف بين الأذكياء حتى نرى معارك نووية بين أصحاب النفوذ والعلاقات والمصالح، وينتصر الأقوى، لكن يخسر المجتمع.