أصبح الحفاظ على كيان دولة النيجر وانتشال شعبها من الفقر معادلة صعبة في ظل التوترات المصاحبة للتطورات الأخيرة وما قامت به الزمرة المتمردة في هذا البلد الإفريقي المهم، وما بين ظروف معيشية صعبة يواجهها أبناء شعب النيجري تتعاظم المصالح الغربية فيما تمتلكه من مخزونات ضخمة من اليورانيوم.
لم تتح تلك الاعتبارات مجالًا أمام قادة دول غرب إفريقيا للتهاون مع ما جرى والتعامل معه باعتباره "مهددًا لكيان الدولة في النيجر" الذي يجب الحفاظ عليه بمنع انزلاق الأوضاع هناك إلى عنف مسلح قد تتسع دائرته وأن تطال شظاياه دول جوارها في غرب إفريقيا، ومن ثم كان تلويح قادة إيكواس في قمتهم أمس بالتدخل العسكري إذا لزم الأمر مع إعطاء مهلة حاسمة لا تتعدى 7 أيام لاستعادة السلطة الدستورية في النيجر، بينما كانت مهلة مجلس السلم والأمن الإفريقي أكثر سخاء (14 يومًا) بدأت من يوم الخميس الماضي.
وتحذر مصادر أمريكية وغربية وإفريقية من مخاطر تصاعد الأحداث واتساع دائرة التداعيات الأمنية لتلك التطورات إلى دول جوار النيجر، وتؤكد تقديرات الموقف لخبراء الأمن ومكافحة الإرهاب أن تفكك الدولة لن يكون خطرًا عليها في حذ ذاته بقدر ما سيكون تهديدا لباقي دول إقليم الساحل والصحراء وغرب إفريقيا لأنه سيقوي شوكة كافة الحركات المتطرفة في هذا الجزء من العالم.
وتعد جمهورية النيجر إحدى أفقر بلدان العالم ويعيش 41% من سكانها- البالغ عددهم 20 مليونًا- على دخل أقل من دولار واحد يوميًا، وتعتمد النيجر على المساعدات التي تعد جارتها الشمالية نيجيريا أكبر مقدم لها، فخلال العام الماضي 2022 قدم رئيس نيجيريا السابق محمدو بوهاري مساعدات قدرها 4ر1 مليار نيرة نيجيرية في صورة مركبات قتالية أمنية لدعم صمود النيجر في مواجهة الإرهاب.
وعلى صعيد المصالح الغربية.. تعد النيجر أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية من بين دول إقليم الساحل الإفريقي، ففي مطلع العام 2021 قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية للنيجر لدعم صمودها في مواجهة الإرهاب بلغ إجماليها 500 مليون دولار أمريكي وذلك في إطار برامج تدريب مشتركة بدأت منذ العام 2012، وفي وقت سابق من العام الجاري أقر الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات عسكرية وتدريبية على مكافحة الإرهاب للنيجر بقيمة 27 مليون يورو (30 مليون دولار أمريكي) فضلًا عن الاستثمارات الأوروبية اقتصاديًا وبشريًا.
وتقع في شمال النيجر مراكز القيادة والسيطرة الأمريكية على عمليات الطيران المُسير الأمريكي في منطقة الساحل الإفريقي لمكافحة الإرهاب، ويدرس العسكريون الأمريكيون الآن مصير تلك المراكز على ضوء التطورات الأخيرة في النيجر، ومن جانبه قال جون ميلي قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا /أفريكوم/ إن للأفريكوم قوات قوامها 1200 عسكري أمريكي على أراضي النيجر في مهام لمكافحة الإرهاب والاستطلاع.
وتعد منطقة الساحل الإفريقي -التي تعد جمهورية النيجر أكبرها مساحة- إحدى مناطق العالم الأشد سخونة على صعيد التطرف والإرهاب، فخلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري شهد الإقليم 1800 هجمة إرهابية أسفرت عن مصرع 4600 شخص وقع غالبيتها في بوركينا فاسو ومالي وكان نصيب النيجر منها 66 عملية هجومية للإرهابيين، وأبدى قادة غرب إفريقيا في قمتهم أمس خلال قمة /إيكواس/ تخوفا من تحفيز أي انفلات الأوضاع في جمهورية النيجر لتيار العنف في منطقة الساحل على التمدد صوب دول أخرى في غرب إفريقيا مثل غانا وساحل العاج، وتزاد خطورة ذلك بالنظر إلى انسحاب مقرر لنحو 15 ألفا من قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام من جمهورية مالي التي طلبت حكومتها من الأمم المتحدة رسميًا سحبها الشهر الماضي.
وكغيرها من بلدان إفريقيا تمتلك النيجر ثروات تعدينية كالأملاح والذهب والجبس والفحم وقليل من النفط، إلا أن أهم ما تتمتع النيجر بمخزونات كبيرة منه هو خام اليورانيوم (نحو ثلث احتياطيات العالم)، ولكون اليورانيوم ضروريًا لتشغيل المفاعلات النووية كان اهتمام الغرب بالنيجر واستقرارها وعدم وقوعها في براثن الفوضى أو الإرهاب المسلح، إذ تحتل النيجر المركز الرابع عالميا في إنتاج اليورانيوم، فالنيجر تضيء فرنسا باليورانيوم، إذ تغطي 35% من الاحتياجات الفرنسية من هذه المادة، وتساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء.
وركّزت باريس، بعد انسحاب قواتها من مالي، استراتيجيتها الجديدة تجاه إفريقيا على النيجر، وذلك بهدف تنفيذ أهدافها الجيوسياسية غرب إفريقيا، وفي إطار مواجهة التنظيمات الجهادية المسلحة في منطقة الساحل.
كما أن هناك قواعد عسكرية فرنسية في الأراضي النيجرية، إذ تملك باريس نحو 1500 جندي فرنسي في النيجر، إلى جانب أنها تعَد قاعدة مركزية لقوات حلف "الناتو" في منطقة الساحل. ووفق المراقبين، فإن استقرار النيجر وموقعها الجغرافي، يساعدان الجيش الفرنسي على مراقبة الحدود مع ليبيا، ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
وتعد النيجر- مستعمرة فرنسية سابقة استقلت عام 1960- شريكا قويا للولايات المتحدة في منطقة الغرب الإفريقي الفرانكفوني في الحرب على التطرف حيث تمتد حدود النيجر مع مالي ونيجيريا -اللتان تخوضان بالتعاون مع الغرب- حربًا ضارية ضد حركات متطرفة مسلحة عالية الخطورة بعضها متحالف مع القاعدة كتنظيم بوكو حرام الذي تنشط خلاياه في شمال نيجيريا وجنوب النيجر، وكذلك داعش في غرب إفريقيا المتمركز في جنوب مالي وشمال النيجر.
وتكتسب النيجر أهميتها الكبرى من تماسها الحدودي مع مالي وبوركينا فاسو بعد خروج القوات الفرنسية من أراضيهما وإعادة تمركز بعض القوات على أراضي النيجر بقوام يصل إلى 1500 مقاتل.
وأكدت مصادر في القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" وجود أكثر من ألف من العسكريين الأمريكيين على أراضي النيجر منذ سنوات عدة في إطار جهود واشنطن لدعم الاستقرار والديمقراطية الوليدة في هذا البلد الإفريقي المهم ومساعدتها في التصدي -كحليف للولايات المتحدة- في الحرب على التطرف في دول جوارها غرب إفريقيا.
كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد زار نيامي عاصمة النيجر مارس الماضي وقدم لحكومتها 150 مليون دولار أمريكي كمساعدات مباشرة لدعم استقرارها، وهي الدولة التي لا يتعدى حجم إنفاقها العسكري 202 مليون دولار أمريكي في عام 2021.
وفي عام 2017 تعرضت القوات الأمريكية العاملة في النيجر لهجوم شرس نفذه مسلحون متشددون أوقع أربعة قتلى من القوات الأمريكية وآثار في حينه نقاشات لا تزال مفتوحة حتى الآن في أروقة مراكز الأبحاث الأمريكية عن جدوى استمرار انخراط الولايات المتحدة في المناطق الساخنة في إفريقيا.