تغلق جميع الورش اليدوية أبوابها خلال العيد، ومنهم من يشد الرحاّل صوب بيت عائلته في القرى الريفية، إلا أن علي البديع الرجل الخمسيني مازال غارقًا في عمله ولم يهيئ نفسه للرحيل، فتلك الظروف القاسية التي يمر بها جعلته يُخرج إجازة العيد من حساباته ويظل يعمل طوال الوقت ليجني قوت يومه، ويوفر الدخل الجيد لأبنائه.
في شارع عتيق يحمل بين طياته ملامح العمارة الفاطمية، في قلب قاهرة المعز، يعمل علي البديع منذ أكثر من ثلاثين عامًا في تصنيع علب القطيفة التي تستخدم في حفظ المصحف الشريف، والتي يلجأ لشرائها أيضا العاملون في تصنيع المشغولات الذهبية، لكي يبيعوا فيها منتجاتهم، فهو على مقربة من سوق الصاغة الذي يقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي.
في تمام التاسعة صباحًا يفارق البديع أبناءه وزوجته في المنزل قاصدًا ورشته الصغيرة التي أفنى فيها ما يقرب من نصف حياته، فقد تعلم هذه الصنعة وهو في العاشرة من عمره، حينما كان يرافق والده الذي ترك له هذا الإرث العظيم من وجهة نظره، وينتهي به الحال في العاشرة مساء أو ربما يزيد الوقت بعض الشيء على حسب العمل الذي يريد إنجازه.
الرجل الخمسيني صار مشهورًا بتصنيع هذه المنتجات التي تصنع من الكرتون والخشب، حيث يشتري. الخامات من الخشب ويقطعها إلى مقاسات معينة، ومن ثم يكسوها بالقطيفة التي تضفي عليها شيئًا من الجمال، وتزيد الهدية المقدمة بداخلها أناقة، فيقول علي إن هذه العلب تستخدم في حفظ النياشين والمصاحب والدروع والميداليات والذهب، ولربما لا تحظى بشهرة واسعة ولكن لها أهمية كبيرة للغاية.
على عكس جميع المهن اليدوية فكان دخول الآلات والماكينات لم يحدث تأثيرًا على المهنة بل أضاف لها شيئًا من الازدهار والتميز، حيث جعلت العاملين بها يتفنون بالمنتجات وزيادة الإنتاج في أوقات أقل.
وعلى الرغم من الاختلاف في هذه المهنة عن غيرها، إلا أنها تعاني أيضا من قلة الإقبال عليها، فالرجل الخمسيني يعمل بالطلب وليس لديه إمكانية لضخ العديد من المنتج وبيعه دفعة واحدة، وهذا يرجع للارتفاع الشديد في المنتجات خلال الفترة الماضية، والذي نتج عن الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم خلال الفترة الماضية.
كما أنها تعاني من قلة إقبال الشباب على التعلم من هذه المهنة الفريدة التي بدأت تفقد رونقها خلال السنوات الماضية، ولم تعد تحظى بمكانة قوية بين المهنة الثانية.