في العام ١٩٩٢م،كان الدكتور مجدي يعقوب، المولود في ١٦نوفمبر ١٩٣٥مبمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، على موعد مع القدر، ليقف أمام أعظم ملوك العالم ليتلقى تكريمه الأول من قصر باكينجهام مقر حكم المملكة المُتحدة، وذلك حينما منحته ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية، وسام "فارس الإمبراطورية"،ليُصبح اسمه مسبوقًا بكلمة "سير"، وخلال مسيرته العلمية الممتد كرّمته ملكة بريطانيا مرة ثانية في العام ٢٠٠٧بالحصول على جائزة "فخر بريطانيا" والتي تمنح للأشخاص الذين ساهموا بأشكال مختلفة من الشجاعة والعطاء أو ممن أسهموا في التنمية الاجتماعية والمحلية، وتوّجت تكريمات قصر باكينجهام للسير مجدي يعقوب في يونيو ٢٠١٤،حينما منحته الملكة إليزابيث الثانية، وسام الاستحقاق الرفيع تقديرًا لجهوده المستمرة في خدمة العلم والإنسانية، وتكريمًا له على ما قدمه من خدمات جليلة للطب، وهو التكريم الثالث في سلسلة التكريمات التي حصل عليها من ملكة بريطانيا، التي لقبه شعبها بـ"ملك القلوب".
كانت البداية حينما سافر السير مجدي يعقوب عام ١٩٦٢م،إلى إنجلترا بعد حصوله على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة، سعيًا وراء حلمه القديم الذي لازمه منذ طفولته وخلال سنوات دراسته، بأن يكون جراحًا، متخذًا من والده طبيب الجراحة العامة نموذجًا يُحتذى، لذلك قرر أن يكون طبيبًا متخصصًا في جراحة القلب والرئة.
تدرج "ملك القلوب" خلال مشواره العلمي في العديد من المناصب، وحصل على العديد من الدرجات العلمية، حيث حصل على درجة الزمالة الملكية في الجراحة من ثلاث جامعات بريطانية هي لندن، وأدنبرة، وجلاسكو، وعمل باحثًا في جامعة شيكاغو الأمريكية عام ١٩٦٩م، ولمهارته ترأس قسم جراحة القلب عام ١٩٧٢م، ثم عمل أستاذا لجراحة القلب في مستشفى برومتون في لندن عام ١٩٨٦م،ثم رئيسًا لمؤسسة زراعة القلب في بريطانيا عام ١٩٨٧م،وأخيرًا استقر في عمله كأستاذ لجراحة القلب والصدر في جامعة لندن، كما شغل منصب مدير البحوث والتعليم الطبي ومستشارًا فخريًا لكلية الملك إدوار الطبية في لاهور في باكستان، إضافة إلى رئاسة مؤسسة زراعة القلب والرئتين البريطانية، كما قدّم العديد من الأساليب الجراحية الجديدة لعلاج أمراض القلب وخاصة الأمراض الوراثية.
يعد الدكتور مجدي يعقوب أحد أشهر جراحين القلب في العالم، والطبيب الثاني على مستوى العالم الذي أجرى عمليات زراعة القلب بعد البروفيسور كريستيان برنارد عام ١٩٦٧م،حيث أجرى أول عملية زراعة قلب عام ١٩٨٠م،للمريض دريك موريس، والذى أصبح أطول مريض نقل قلب أوروبي على قيد الحياة، حتى وفاته في ٢٠٠٥م. أجرى الدكتور مجدي يعقوب بعد ذلك أكثر من ٢٥٠٠عملية زراعة قلب في إنجلترا، بالإضافة لعمليات زراعة الرئتين في المركز البريطاني الذي كان أكبر مراكز زراعة القلب والرئتين على مستوى العالم آن ذاك.
لم تقتصر اسهامات القديس، في بريطانيا على ما أجراه من عمليات جراحية، حيث ساهم في تطوير مركز هارفيلد لأبحاث أمراض القلب ببريطانيا، واستحداثه أساليب مبتكرة للعلاج الجراحي لحالات هبوط القلب الحاد، كما عمل على تأسيس البرنامج العالمي لزراعة القلب والرئة، وأصدر العديد من الأبحاث العالمية المتميزة والتي فاقت الأربعمائة بحث متخصص في جراحة القلب والصدر، كما ابتكر جراحة "الدومينو"،التي تتضمن زراعة قلب ورئتين في مريض يعاني من فشل الرئة، وفي الوقت نفسه، يؤخذ القلب السليم من المريض عينه ليزرع في مريض ثان، واهتم خلال هذا المشوار بتدريب الأطباء على مستوى العالم كله، مؤكدًا أنه بهذا ينقذ مريضًا قد لا يتحمل الانتظار حتي يأتي بنفسه لإجراء العملية. ونظرًالجهوده غير المسبوقة واسهاماته العظيمة في جراحة القلب والرئة، وعمله على ابتكار أساليب جديدة تساعد وتنمي مهارات الجراحيين بالشكل الذي يجعل جراحات القلب أكثر سهولة من السابق.
وكذلك، لم تتوقف إسهامات أسطورة جراحة القلب على ما قدمه من خدمات جليلة للطب في بريطانيا وحسب، بل امتد علمه وعمله ليفيض على مختلف بقاع الأرض، حيث أسهم في إنشاء مؤسسة "سلاسل الأمل" للأعمال الخيرية عام ١٩٩٥م،التي تقدم خدمات إنسانية متنوعة لمرضى القلب من الأطفال في العديد من الدول النامية، كما أجرى العمليات الجراحية مجانًا أثناء زياراته لمصر، خلال فترة إقامته خارجها، حيث أجرى عمليات القلب المفتوح بالمجان للأطفال الذين لا يستطيع أهلهم تحمل نفقات الجراحة والعلاج، وقد تبنت "مؤسسة مجدي يعقوب" الخيرية بالتعاون مع "مكتبة الإسكندرية" برنامجًا لأمراض القلب الوراثية على المستوى القومي بدءا بمحافظات أسوان والقاهرة والإسكندرية والمنوفية أسهم حتى يناير٢٠١١ في متابعة حالات أكثر من "١٦٠٠" من الأسر المصرية، وعمل على إنشاء وحدة رعاية متكاملة بمستشفى قصر العيني بمصر لعلاج التشوهات الخلقية في القلب، كما أنشأ في "أسوان" مركزا لجراحات القلب لعلاج الحالات الحرجة لغير القادرين، كما شرع في إنشاء مركز آخر لدراسات وأبحاث أمراض القلب، وذلك لتكوين كوادر مُدرّبة ومؤهلة من الأطباء، إلى جانب الاهتمام بالبحث العلمي لوضع مصر على الخريطة العالمية في مجال علاج أمراض القلب وجراحات القلب المفتوح.
اعترفت بريطانيا واعترف معها العَالَم، بفضل العالِم الجليل وقدّرت وقدّر العالم ما قدّمه من خدمات عظيمة، فكرّمته المملكة المُتحدة أكثر من مرة، حيث حصل على لقب "بروفسير" في جراحة القلب عام ١٩٨٥م،ومنحته الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، وسام فارس في عام ١٩٩٢م،كما فاز بجائزة الشعب عام ٢٠٠٠موالتي قامت بتنظيمها هيئة الإذاعة البريطانية BBC،كما انتُخب من قِبَل الشعب البريطاني ليفوز بجائزة الإنجازات المتميزة في المملكة المتحدة، وفي هذه الجائزة يتم ترشيح الفائزين من قِبَل الشعب البريطاني والذي يقوم بالتصويت على الفائزين أيضًا، وحصل على ألقاب ودرجات شرفية من كل من جامعة برونيل، وجامعة كارديف، وجامعة لوفبورا، وجامعة ميدلساكس، "جامعات بريطانية"،وكذلك من جامعة لوند بالسويد، وحصل على درجة شرفية من جامعة سيينا بإيطاليا.
مُنِح السير مجدي يعقوب جائزة فخر بريطانيا في أكتوبر ٢٠٠٧م،والمقدمة على الهواء مباشرة من قناة "اي تي في" البريطانية بحضور رئيس الوزراء جوردن براون، وتُمنح هذه الجائزة للأشخاص الذين أسهموا بأشكال مختلفة من الشجاعة والعطاء أو ممن ساهم في التنمية الاجتماعية والمحلية، كما دخل السير مجدى يعقوب "موسوعة جينيس" للأرقام القياسية، وذلك لقيامه بإجراء ١٠٠عملية قلب في عام واحد، ويقول الدكتور مجدي يعقوب أن عدد العمليات في ذلك الوقت كان يصل إلى ١٢٠عملية في العام ما بين زراعة إما قلب أو قلب ورئتين، كما منحت الكلية الملكية في لندن الدكتور مجدى يعقوب وسام الباحث الملكي.
ورغم تعدد التكريمات وغزارتها، والحصول على الأنواط والأوسمة الرفيعة من مُختلف دول العالم؛ يبقى للتكريم الوطني مذاقه الخاص، وعرفانًا من مصر بأيادي الدكتور مجدي يعقوب البيضاء على قلوب أطفال ورجال ونساء مصر، وتقديرًا لجهوده الطبية غير المحدودة، حصل على وسام الواجب الأول، ووسام الجمهورية من مصر في يوم الطبيب سنة ١٩٨٨م،كما أصدر الرئيس الراحل محمد حسني مبارك قرارًا بتشكيل المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، الذي ضم عددا من رموز مصر بالخارج وكان من ضمنهم الدكتور مجدي يعقوب، وفي يناير ٢٠١١مصدر قرار رئيس الجمهورية رقم١لسنة٢٠١١بمنح قلادة النيل العظمي للدكتور مجدي يعقوبلجهوده الوافرة والمخلصة في مجال جراحة القلب وقد استلمها بنفسه في احتفال كبير بمقر رئاسة الجمهورية في الحادي عشر من يناير٢٠١١م، وتعد قلادة النيل أعلى أوسمة الوطن، التي لا تمنحها مصر سوى لرؤساء الدول، أو لمن يقدمون الخدمات الجليلة للوطن والإنسانية، لذا كانت من نصيب طبيب الإنسانية القديس مجدي يعقوب، وفي سبتمبر ٢١٠٣ضُمّ الدكتور مجدى يعقوب للجنة الخمسين المُكلّفة بصياغة دستور البلاد عقب ثورة الـ٣٠ من يونيو بقرار من رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور، تكريمًا له وعرفانًا بدوره العظيم في خدمة الإنسانية.