كانت الأسابيع القليلة الماضية صعبة على روسيا وعلقت الأخبار الغربية بإسهاب على ما يسمى بمحاولة الانقلاب الفاشلة التى قام بها زعيم فاجنر بريجوجين، الذى، بعد «العفو»، ذهب إلى المنفى فى بيلاروسيا بموجب مفاوضات برعاية رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو، الذى أعلن الخميس الماضى أن بريجوجين عاد إلى سان بطريبرج، لكن الشيء الأكثر خطورة ليس موجودًا، لأن خطر حدوث كارثة نووية عسكرية أو «مدنية» فى سياق الصراع الأوكرانى، أو حتى الحرب العالمية، لم يكن أبدًا بهذه الخطورة..
من سيكون الزعيم الروسى الجديد فى عام ٢٠٢٤؟
ربما يكون فلاديمير بوتين نفسه، أو غروره البديل باتروشيف- الأمين العام لمجلس الأمن القومى الروسي- قد أعد بالفعل شروط تولى خليفة للعرش الجمهورى للكرملين. ومن المفارقات أن هذا الجيش الروسى نفسه- الذى تعرض للشتم بسبب أخطائه فى أوكرانيا - يبدو أنه يلعب دورًا حاسمًا اليوم.
هنا نتذكر أنه فى يوم محاولة الانقلاب الفاشلة التى قام بها بريجوجين، كان نصف الجيش مع بوتين (وبالتالى وزير الدفاع شوجو) والنصف الآخر مع رئيس فاجنر. ومن الواضح أن هذه اللحظة التاريخية ذكّرت روسيا بالحاجة إلى التغيير الذى يجب أن يأتى عاجلًا أم آجلًا من خلال الحاجة إلى زعيم جديد؛ لذلك، الأمر متروك لنا لتحديد الخلفاء المحتملين من بين مرشحى الظل لما بعد بوتين وبالترتيب، نحدد:
١- فلاديمير ميدينسكى، من مواليد سميلا (تشيرنيزي)، أوكرانيا، مساعد بوتين الأول ورجل المفاوضات مع أوكرانيا.
٢- بريجوجين نفسه، على الرغم من كل شيء، طالما أنه يطمح إلى أن يكون خصم بوتين الانتخابى.
٣- الجنرال سيرجى سوروفكين من المؤسسة العسكرية الروسية.
٤- المرشح الذاتى ميدفيديف، رجل حاضر فى جميع تكوينات السلطة فى روسيا.
٥- ملك الأوليجارشية، أبراموفيتش، الذى لعب دور الوسيط الدولى.
٦- الشخص الذى يمكن أن نطلق عليه «الرجل فى الظل": اسم ظل سرًا، ربما باتروشيف نفسه، أو رجل آخر قريب جدًا من بوتين.
٧- أخيرًا وليس آخرًا، نافالنى نفسه، الخصم الشرس لسيد الكرملين الحالى، والذى، فى حالة حدوث فوضى، يمكن أن يكون معادلًا لمانديلا فى روسيا.
لذلك، فإن شهر يونيو ٢٠٢٣ فى موسكو يشبه إلى حد كبير أغسطس ١٩٩١، أى اليوم السابق لتغيير النظام. وفى الوقت نفسه، وصل التهديد السياسى بانقلاب عسكرى فى روسيا فى نفس الشهر مع تهديد آخر مخيف جدًا لأوروبا والذى يمثل تحديًا مباشرًا لحلف الناتو: فى منتصف يونيو، ظهرت الرؤوس الحربية النووية التكتيكية الروسية وصلت إلى بيلاروسيا.
علاوة على ذلك، أكد ستولتنبرج نفسه، الأمين العام لحلف الناتو، فى عملية إعادة التأكيد، بعد مسيرة بريجوجين نحو موسكو، بالتأكيد أن التهديد النووى بعيد المنال ومع ذلك، فإن مكالمة هاتفية من بوتين إلى لوكاشينكو ستكون كافية لشن هجوم نووى، على الأقل من الناحية التكتيكية وهذا، بالمناسبة، هو معنى ما قاله لوكاشينكو فى بيانه فى وقت سابق من هذا الشهر «وضع محفوف بالمخاطر» من الناحية الموضوعية؛ لكن ما هى المخاطر الملموسة بالنسبة لأوروبا؟
مبادرة بوتين الجديدة
حيلة التاريخ، هذه هى صواريخ إسكندر M١٩s، عمليا مخصصة لأوروبا ولأوكرانيا ٢٠٠ كيلومتر من وارسو وتصل لمدى ٣٠٠ كيلومتر من مدينة لفيف، والتى عادت إلى أيدى بيلاروسيا التى تخلت عنها وعادت إلى روسيا ترسانتها النووية بعد تفكك الاتحاد السوفيتى.. إنه الموضوع المحظور الذى لا يقيمه أى تحليل غربى بجدية.
لا أحد فى الغرب يتحدث عن عواقب التهديد النووى التكتيكى الروسى من بيلاروسيا وهنا نذكر أن المكان الذى توجد فيه صواريخ إسكندر والرؤوس النووية المعنية هو إقليم يقع فى غرب بيلاروسيا، قريب جدًا من الحدود البولندية والأوكرانية. صحيح أن الحد الأقصى لمدى صواريخ Iskanders هو ٤٠٠ كيلومتر.
لذلك لا يمكن للروس، بشكل ملموس، إلا الضرب من منطقة بريست، التى تبعد حوالى ٢٠٠ كيلومتر عن وارسو، و٣٠٠ كيلومتر من لفيف وبالتالى، فإن هذا يمثل تهديدًا مستهدفًا ودقيقًا للغاية لبولندا وأوكرانيا، ولكنه يُترجم أيضًا إلى تهديد حقيقى لحلف شمال الأطلسى وللمنطقة الأوروبية المعادية لروسيا فى أوكرانيا.
ما هى صواريخ إسكندر
صواريخ إسكندر هى صواريخ باليستية تكتيكية قصيرة المدى تفوق سرعتها سرعة الصوت (SRBM)، ويبلغ مداها الأقصى ٤٠٠ كيلومتر. وتم تصميمها من قبل صناعة KBM Kolomna، ودخلت الخدمة فى عام ٢٠٠٦ وتم اختبارها فى الحرب الروسية الجورجية قصيرة العمر فى عام ٢٠٠٨. سرعتها القصوى هى ٥.٩ أجهزة Mac ولديها نظام رادار جديد نسبيًا، لكنها ليست الأكثر نجاحًا فى روسيا الصواريخ.
سابقة تاريخية
ومن المفارقات، أنه حتى منتصف التسعينيات، كان التهديد الذى يواجه الناتو يأتى من أوكرانيا، التى تضم الكثير من الترسانة النووية السوفيتية الضخمة، كان هناك حوالى ٦٠٠٠ رأس حربى نووية على الأراضى الأوكرانية فى أوروبا.
لقد عشنا لسنوات عديدة تحت سيف داموقليس من تهديد «اليوم التالي» والعواقب المحتملة لنهاية العالم الذرية والنووية الموجودة فى أوكرانيا. حتى أن الروس توقعوا ذلك: فى حالة نشوب حرب مع الناتو أو مع الولايات المتحدة، فإن الرد أو الضربة الوقائية بوسائل الردع النووى من الأراضى الأوكرانية ستتكون من تهديد نووى مباشر لكل من أوروبا، بصواريخ استراتيجية وللولايات المتحدة، بصواريخ باليستية عابرة للقارات. كان هذا آنذاك يسمى «ستارة ميزان الرعب».
الوضع اليوم
اليوم، بعد تبادل مذكرات التفاهم بين وزير الدفاع الروسى ونظيره البيلاروسى، وبعد سلسلة من الاجتماعات المتشنجة والمثيرة للجدل بين بوتين ولوكاشينكو، يتم إلقاء النرد: ترتيبات الحرب وتخزين الأسلحة النووية، المقرر مبدئيًا لشهر يوليو، تم الانتهاء منه بعد توقعه. بين مايو ومنتصف يونيو، وصلت أول رؤوس حربية نووية إلى بيلاروسيا، ونعلم أن التخزين العالمى سيكتمل خلال هذا العام، وتبقى الحقيقة أنه فى ٧ يوليو، ستكون الأسلحة النووية الروسية المحتملة جاهزة للعمل بالفعل. أكمل الفنيون العسكريون الروس تدريب البيلاروسيين على استخدام إطلاق الصواريخ ذات الرؤوس النووية، وذلك من أجل التمكن من العمل فى المستقبل حتى بدون وجود أفراد روس خبراء فى الأسلحة النووية. وتجدر الإشارة إلى أنه فى مايو ٢٠٢٢، تم نشر حاملات رؤوس حربية نووية إسكندر فى غرب بيلاروسيا، على الحدود مع بولندا، وهى عملية اكتملت فور بدء الصراع، وبالتالى قبل المرحلة الحالية بوقت طويل.
التطورات الجديدة للردع النووى فى بيلاروسيا
يدور الحديث وتتكاثر المناقشات هذه الأيام - بين الخبراء - حول فرضية أكثر سريالية بأن بريجوزين يمكن أن يستولى على منشآت التخزين النووية الروسية فى بيلاروسيا. فرضية مأخوذة من فيلم لجيمس بوند، ولكن لا يمكن استبعادها نظرًا لافتقار بريجوزين للقلق. إن معنى مثل هذه العملية هو ابتزاز كل من بوتين والغرب.
ومع ذلك، دعنا نوضح هنا أن التهديدات لا تأتى فقط من بريجوزين، دعونا نتذكر على سبيل المثال، فى إعلان تم تسليمه فى بداية يونيو ٢٠٢٣، أعلن وزير الدفاع الروسى شوجو عن نشر الصواريخ وأشار إلى «التدابير العسكرية التقنية الجديدة التى سيتم اعتمادها فى استمرار العملية الخاصة فى أوكرانيا»، والمعروفة باسم «العملية Z» للروس.
لقد سمع هذا المعجم وهذه الكلمات بالفعل فى فبراير ٢٠٢٢ عندما أعلن الكرملين بدء الحرب. دعونا نحدد نفس الشيء أن صواريخ إسكندر، على الرغم من أنها لا تمتلك قدرة Kinzhal أو Kalibr، هى مع ذلك سلاح ليس سوى اللامبالاة.. إنها بالفعل صواريخ تحمل رؤوس نووية تكتيكية وليست باليستية. بشكل ملموس، هذا يعنى أن التهديد سيستهدف صراحة بولندا، وبالتالى الناتو وأوروبا، ثم أوكرانيا بالطبع. لذلك لم نعد فى إطار «ميزان الرعب» القديم، كما كان الحال فى أيام الحرب الباردة، لكن هذه المرة تحدٍ مباشر.
خداع أم تهديد حقيقي؟
من الناحية العملية يبدو أن فلاديمير بوتين، هنا مع «بطاقة لوكاتشينكو» الخاصة به، يلعب بالتاريخ والحرب مع كل الاحترام الواجب للهندسة الأمنية الأوروبية، عندما تحدث لوكاشينكو هناك مع «سيناريو الانفجار النووي» بعد أسابيع فقط فى الأفق القريب، هذا يعنى أن السؤال الذى يواجهنا الآن لم يعد هو ما إذا كنا نتجه نحو «الحرب العالمية الثالثة» أم لا، ولكن حول مخاطر استخدام أو إساءة استخدام الأسلحة النووية. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة ومعهد دراسة الحرب ما زالا يعتبران استخدام الأسلحة النووية أمرًا غير مرجح، لكن الولايات المتحدة نفسها التى صدمت وذهلت قبل قرن من الهجوم اليابانى على بيرل هاربور. ومع ذلك، فإن نفس المناقشات تطفو على السطح اليوم والتى تخاطر بتحويل أوكرانيا إلى أفغانستان جديدة وترك أوروبا مع مصير حرب الدمار بموجب شروط الحسابات الانعزالية المستوحاة من عقيدة مونرو، وهى رؤية الرئيس الأمريكى التاريخى مونرو الذى، فى عام ١٨٠٠، على أساس العزلة الجيوسياسية لأمريكا الشمالية على المسافة المحيطية التى تفصل أوروبا عن القارة الأمريكية.
حتى اليوم، بالنسبة لبعض الاستراتيجيين الأمريكيين، فإن تدمير وغزو أوروبا سيكونان بطريقة ما أضرارًا جانبية غير ضارة لأمريكا. ومن المفارقات وفى نفس الوقت، أننا نرى أن النظرية الجيوسياسية لمنطقة القلب، والتى تعود إلى أوائل القرن العشرين، والتى تصور تطويقًا تدريجيًا لروسيا من قبل الغرب لوقف توسعها غربًا، يتم تطبيقه مرة أخرى.
معلومات عن الكاتب:
ليوناردو دينى مفكر وفيلسوف من أصل إيطالى.. كانت أطروحته للدكتوراة حول نظرية السياسة وفلسفة القانون، له العديد من الكتب والدراسات، كما كتب الرواية إلى جانب القصائد الفلسفية.. يستعرض من وجهة نظره، أبعاد الموقف فى الاتحاد الروسى بعد تمرد زعيم فاجنر الفاشل.