السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

عباس العقاد راهب محراب الأدب

عباس العقاد
عباس العقاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رغم ظروف أسرته الاقتصادية الصعبة لم يستطع ابن محافظة أسوان عباس محمود العقاد «28 يونيو 1889 – 13 مارس 1964»، أن يتعلم في المدارس الحكومية إلا فترة قصيرة، فكانت الشهادة الإبتدائية هي أعلى ما حصل عليه في مراحل التعليم.


كان العقاد ذكيا ومحبا للعلم والثقافة، فقرر أن يعلم نفسه بنفسه ويثقفها ثقافة واسعة وعميقة، فكانت القراءة التي شغف بها هي وسيلته للتعليم ويقرأ كل ما يقع بين يديه في شتى المجالات كالأدب، واللغة، والفلسفة، والتاريخ، والاجتماع، وعلم النفس، والتصوف، والاقتصاد، والأحياء، وعلم الحشرات، لكن أحب الكتب إليه كانت تراجم العظماء وسير حياتهم.


الحياة السياسية
ساهم العقاد في الحياة السياسية المصرية لسنوات طويلة قبل ثورة ١٩٥٢، وانتسب لبعض الأحزاب كحزب الوفد، والأحرار، الدستوريين دون أن يتخلى عن استقلاليته وحريته في التفكير، فحرص على ألا تذوب شخصيته في شخصية الحزب كما حدث لكثيرين غيره، ولم يجعل مواقفه ومبادئه ظلا لمواقف الحزب ومبادئه حتى لو كانت على خطأ، لذلك كان يدير ظهره للحزب بمجرد أن يشعر ان استمراره فيه يقلل من استقلاليته وحرية تفكيره، حسبما أشار إليه الكاتب سعد عبدالرحمن في كتابه «الكاتب الجبار عباس محمود العقاد»، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة عام ٢٠٢٠.
سخر العقاد قلمه في الأساس لخدمة قضايا بلده الوطنية والمصلحة العامة لجموع المصريين، فكتب في كثير من الشئون السياسية للبلد، وشن كثيرا من الحملات النقدية العنيفة على الحكومات المتعاقبة في العهد الملكي، وكان يهاجمها بعنف ودون هوادة فيما يتراءى له من مواقفها وتصرفاتها غير الوطنية المسايرة للفساد والاستبداد أو المتواطئة مع الاحتلال الأجنبي، وكانت مصر محتلة من قبل الإنجليز منذ أخفقت الثورة العرابية عام ١٨٨٢ حتى تحقق الجلاء التام عام ١٩٥٦.
في حين أن العقاد كان صديقا مقربا لسعد زغلول زعيم ثورة ١٩١٩، وأطلق زغلول على العقاد لقب " الكاتب الجبار"، وذلك لصلابته في الدفاع عن آرائه ومواقفه وجرأته الفذة في مهاجمة أعدائه دون تردد او خوف، 

وقد وصلت به الجرأة إلى حد أنه هاجم الملك فؤاد وكان شخصية تتسم بقدر كبير من الكبر وعدم قبول أي رأي يخالف رأيه دفاعا عن الدستور حين كان نائبا في البرلمان عام ١٩٣٠.
ولأن لكل موقف صلب وشجاع ضريبة، فقد تربصت به الحكومة بعد عدة أشهر من هذا الموقف ودفعت به في السجن لمدة ٩ أشهر متهما بالعيب في شخصية الملك، ولكن استغل العقاد تلك الفترة في أعمال مفيدة، تعلم خلالها اللغة الفرنسية وألف كتابه الشهير عن الشاعر ابن الرومي، وسجل تجربته داخل السجن في كتاب بعنوان «عالم السدود والقيود».
كتب العقاد الشعر مبكرا وظل يكتبه وينشره حتى قبل وفاته بزمن قليل ١٢ ديوانا، بالإضافة إلى مئات المقالات، وعشرات الكتب في موضوعات مختلفة، تبلغ أكثر من ٧٠ كتابا، أهم ما كتبه عن العظماء من العباقرة والنوابغ في الأدب، والفن، والتاريخ، والفلسفة، والسياسة، والاجتماع، وغيرها، ومن أشهر مؤلفاته انتشارا سلسلة العبقريات الإسلامية.

العلاقة الوثيقة بفن الموسيقى
يمتلك العقاد قدرة فذة على مواجهة خصومه بالحجج الدامغة والبراهين الساطعة المفحمة، ويعد من كبار الكتاب المصريين المناضلين لحرية الرأي والتفكير، وأشد الكارهين للجمود والجامدين والتزمُت والمتزمتين، فدافع مثلا عن الشيخ علي عبدالرازق في الأزمة التي تعرض لها بسبب كتابه «الإسلام وأصول الحكم» عام 1925، والدكتور طه حسين في الأزمة التي تعرض لها بسبب كتابه «في الشعر الجاهلي» عام 1926، وذلك دفاعا عن حقهما في حرية التفكير والبحث بالرغم من اختلافه معهما في كثير من الأفكار.
لم تكن حياة العقاد مقصورة على الأدب، والصحافة، والسياسة، فتعددت اهتماماته الثقافة وكان من عشاق الفنون الجميلة كالرسم، والموسيقى، والمسرح، والسينما، وحريصا على الاستمتاع بنماذجها الجيدة قراءة ومشاهدة واستماعا.
وكتب العقاد كثيرا من المقالات عن المذاهب الفنية وأقطاب الفنون التشكيلية، وقد كان له وقف انتقادي واضح من بعض الاتجاهات الفنية ذات الشطحات المسرفة في المخالفة باسم التجديد، ولم تكن علاقته بالفنون التشكيلية مجرد علاقة سطحية عن بعد، فقد كان دائم التردد على المعارض المحلية لهذه الفنون، فكان يكتب محللا وناقدا لأعمال الفنانين وأساليبهم الفنية، التي انتجوها في إبداع هذه الأعمال.
وكان للعقاد أصدقاء من كبار الفنانين التشكيليين المصريين من بينهم: أحمد صبري، وصلاح طاهر، أما الموسيقى فكتب عن كثير من أقطابها مثل: بيتهوفن، وفرانز ليست، وغيرهما، وكانت تربطه علاقة وثيقة ببعض أقطاب الموسيقى في مصر أمثال الموسيقار محمد حسن الشجاعي.
وللعقاد قصائد تشهد على علاقته الوثيقة بفن الموسيقى، ومن هذه القصائد ما كتبه للثناء «المدح والإشادة» على بعض أقطابها من كبار المطربين ككوكب الشرق أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وقد غنت له المطربة نادرة أمين، التي كانت تلقب بـ«أميرة الطرب» في الأربعينيات نصين من شعره تلحين الموسيقار رياض السنباطي.
من أقواله الخالدة في القراءة والكتب:
- عندما أقرأ كتابا لا أقرأ سطورا وإنما أعايش أرواحا.
- يقول لك المرشدون: اقرأ ما ينفعك ولكني أقول لك: انتفع بما تقرأ.
- التجارب لا تقرأ في الكتب، ولكن الكتب تساعد على الانتفاع بالتجارب.
- أحب الكتب لا لأنني زاهد في الحياة ولكن لأن حياة واحدة لا تكفيني.
- الكتب كالناس منهم السيد الوقور، ومنهم الكيس الظريف، ومنهم الخائن والجاهل والوضيع والخليع، والدنيا تتسع لكل هؤلاء، ولن تكون المكتبة كاملة إلا إذا كانت مثلا كاملا للدنيا.
- أن تقرأ كتابا جيدا ثلاث مرات أنفع لك من قراءة ثلاث كتب جيدة.
وقد ترجم العقاد مئات النصوص إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مجموعة من القصص لعدد من مشاهير الكتاب الأمريكيين تحت عنوان «ألوان من القصة القصيرة في الأدب الأمريكي»، إلى جانب ترجمة نخبة متميزة من الشعر العالمي تحت عنوان «عرائس وشياطين»، ويرى العقاد أنه لا بد للمترجم من معايشة النص الأجنبي الذي سيترجمه معايشة نفسية عميقة تجعل النص يغدو جزءا من شعوره وانفعاله، فيخرج في نهاية عملية الترجمة كأنه قطعة من حس المترجم الشخصي وخياله الخاص وإبداعه الشخصي، لذلك هناك جوانب عدة وخفية في حياة العقاد المليئة بالعلم والمعرفة والإبداع، ويظل أيقونة مضيئة ورحلة كفاح طويلة في عالم الأدب والسياسة والفنون وغيرها.