الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

على الدين هلال يكتب: الثورة الفرنسية وفكرة الجمهورية فى مصر.. رفاعة الطهطاوى قدم أول شرح بالعربية للمفهوم عام 1843

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ نقطة تحول فاصلة على مُستوى الأفكار السياسية وأشكال نظُم الحُكم وذاعت مبادؤها فى العالم. وفى البلاد العربية، قام المثقفون الليبراليون والتنويريون بنقل أفكار هذه الثورة إلى اللغة العربية ونشرها من خلال الكتب والمقالات، وقام رجال السياسة بإنشاء الأحزاب التى تبنت هذه الأفكار. وهو ما سجله المفكر اللبنانى رئيف خورى فى كتابه عن «الفكر العربى الحديث: أثر الثورة الفرنسية فى توجيهه السياسى والاجتماعي» الذى صدر عام ١٩٤٣.
كانت فكرة الجمهورية من الأفكار الرئيسية للثورة الفرنسية. وأتناول فى هذا المقال انتقال هذه الفكرة إلى المثقفين المصريين ودعوتهم لها على مدى ما يقرب من مائة سنة حتى تم إعلان الجمهورية فى مصر يوم ١٨ يونيو ١٩٥٣ أى من سبعين سنة.
عاشت مصر سنوات وقرون طويلة فى ظل نظم حكم تقوم على الوراثة، ولم يكن هناك فى الفكر السياسى ما يشير إلى معنى الجمهورية. ظهر التعبير للمرة الأولى أثناء الحملة الفرنسية التى حملت قراراتها ومنشوراتها أنها صادرة عن «الجمهورية الفرنساوية». كان أول ظهور لهذا التعبير فى كتاب المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» الذى أشار فى أكثر من موضع فيه إلى «الجمهور الفرنساوي» أى الجمهورية الفرنسية. ولكن هذه الإشارات كانت لوصف نظام الحكم القائم فى فرنسا، ولم تتضمن شرحا لمضمونه.


وجاء كتاب رفاعة رافع الطهطاوى بعنوان «تخليص الابريز فى تلخيص باريز» الصادر عام ١٨٣٤، ليقدم أول شرح باللغة العربية لمفهوم الجمهورية. كان الطهطاوى مرافقًا للبعثة التعليمية التى أرسلها حاكم مصر محمد على إلى فرنسا عام ١٨٢٦، وأقام بها خمس سنوات عاصر فيها ثورة ١٨٣٠ التى عزلت الملك شارل العاشر آخر ملوك أسرة «البوربون»، وتولى لويس فيليب العرش.
وخلال هذه الفترة، لاحظ الطهطاوى سلوك أهل فرنسا وقرأ تاريخها ومساهمات فلاسفتها، ودرس نظمها السياسية والاجتماعية. أوضح الطهطاوى أن انتظام العمران يحتاج إلى قوتين كبيرتين «إحداهما القوة الحاكمة الجالبة للمصالح، الدارئة للمفاسد، وثانيهما: القوة المحكومة وهى القوة الأهلية المحرزة لكمال الحرية، المتمتعة بالمنافع العمومية...».
وكتب الطهطاوى عن الصراع بين أنصار الملكية وأنصار الحرية فى فرنسا، ووصف أنصار الحرية بأنهم «طائفة عظيمة تريد أن يكون الحكم بالكلية للرعية ولا حاجة لملك أصلا، ولكن لما كانت الرعية لا تصلح حاكمة ومحكومة، وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم. وهذا هو حكم الجمهورية».
فى بداية سبعينيات القرن التاسع عشر، قدم جمال الدين الأفغانى إلى مصر ونشر أفكاره التحررية الثورية ضد الاستعمار والاستبداد. والتف حوله عدد من المُريدين الذين أصبحوا فيما بعد قادة العمل السياسى والفكرى مثل عبد الله النديم خطيب الثورة العُرابية، والشيخ مُحمد عبده رائد إصلاح الفكر الدينى، وسعد زغلول زعيم ثورة ١٩١٩.
قرأ الأفغانى باللغة الفرنسية وتأثر بأفكار الثورة الفرنسية وخصوصًا فيما يتعلق بعدائها للنظام الملكى، فأنكر الحق الإلهى للملوك فى الحكم، وسلطاتهم المطلقة فى حكم شعوبهم، وناقش مع مُريده الشيخ محمد عبده فكرة عزل الخديوى إسماعيل واستبداله بحكومة جمهورية. 
وفى بداية ثمانينيات نفس القرن، تصاعدت المواجهة بين الخديوى توفيق والحركة الوطنية بقيادة أحمد عرابى، وتذكر المصادر التاريخية أن مجموعة من الشبان عقدت العزم على عزل توفيق وإعلان الجمهورية. 
استمرت الفكرة فى الظهور من وقت لآخر، فنشرت جريدة المؤيد فى عددها بتاريخ ٢٦ ديسمبر ١٨٨٩ مقالًا-لم يُذكر اسم مؤلِفه-بعنوان «الملك والجمهورية»، وورد فيه أن «النظام الجمهورى غريزة كامنة فى طبع الإنسان لأنه يعنى حكم الإنسان لنفسه بنفسه». 
وفى عام ١٩٠٧، دعا محمد أفندى غانم إلى إقامة الحزب الجمهورى ونشر مقالات عديدة فى جريدتى الأحرار والأخبار لشرح مفهوم الجمهورية ومزاياها، وأقام فى مقالاته رابطة وثيقة بين الكفاح من أجل الدستور، والكفاح من أجل الاستقلال التام، والكفاح من أجل إعلان الجمهورية.
ومثلت هذه الأهداف الثلاثة ما اعتبره أنصار الحزب الجمهورى التطور الطبيعى لأى أمة، والذى يمر بثلاث مراحل، وهى: مرحلة نيل الدستور الذى هو المدخل والمقدمة لأى تطور سياسى آخر، ومرحلة الحصول على الاستقلال التام والتحرر من التبعية لأى جهة أو سلطة خارجية، ثم مرحلة إعلان الجمهورية والتى تمثل «أرقى المطالب وأعزها على النفس الوطنية العالية».
تأثر غانم بأفكار الثورة الفرنسية، فكان شعار حزبه هو «الحرية والإخاء والمساواة»، وضم الحزب مجموعة من المثقفين خاصة من بين خريجى مدرسة الحقوق الفرنسية، والذين حرصوا على المشاركة فى احتفالات الجالية الفرنسية بمصر بمناسبة ذكرى الثورة الفرنسية فى ١٤ يوليو والتى كانت تُقام بحديقة الأزبكية وسط القاهرة. 
ويُشير ما تقدم إلى صفحة مُبكرة فى التفاعُل الفِكرى بين مصر وفرنسا والتأثير الذى مارسته أفكار الثورة الفرنسية على فِكر أجيال مُتتالية من المُثقفين المصريين والعرب.