الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب وقياس الأثر التشريعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

   لا شك أن جودة وفاعلية القوانين تتأثر بمدى كفاءة الإعداد والتحضير، ودراسة الآثار المحتملة أو المصاحبة لتطبيقها، والتعرف على النتائج المتوقعة منها، وبالتالي فإنه ولكي يكون القانون واقعيًا وقابلًا للتطبيق ومحققًا للأهداف التي تسعى السياسة التشريعية إلى تحقيقها من خلال إصداره لابد أن تسبق عملية التشريع دراسات معمقة تضمن تحقيق متطلبات الحوكمة التشريعية في العدالة والشفافية والمساءلة والسرعة ومحدودية التكاليف، وبعض ما تتضمنه هذه الدراسة ما يلي:

o      قياس آثار هذا القانون عند صدوره (اجتماعيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، وسياسيًا)، وهذا يقتضي بطبيعة الحال تحديد المشكلة التي دعت إلى تشريع هذا القانون وأهدافه وأغراضه المتوخاة.

o       معرفة ردود الأفعال والآراء من القطاعات المستهدفة من هذا القانون، مع دراسة مستفيضة عن سلبيات القانون وإيجابياته المحتملة.

o       تحديد البدائل المختلفة سواء أكانت بدائل تشريعية أو إجرائية، فقد تكون البدائل غير التشريعية أكثر فاعلية، وأقل كلفة، وأسرع في إعطاء النتائج، وأقل تأثيرًا في الفئات أو الشرائح المستهدفة بموضوع القانون. 

o      مدى دستورية القانون وانسجامه مع مبادئ الدستور، وضمانات الحقوق والحريات العامة الواردة فيه.

o       مدى ملاءمة توقيت صدور القانون من الناحية السياسية والاجتماعية.

o      مدى توازن أعباء وتكاليف القانون مع عوائده المالية المتوقعة.

o      توفر الآليات والأدوات اللازمة لتنفيذ المشروع على أرض الواقع.

o      جودة الصياغة التشريعية ووضوحها. 

         ويعرّف قياس الأثر التشريعي بأنه: (أداة أو نظام لقياس وتحليل أثار تشريع جديد أو معدل على المجتمع). وتقوم الحكومة أو البرلمان بتحديد الأثر المطلوب قياسه بناء على أولويات المجتمع، وقد يتم ذلك بناء على استشارات المتخصصين واستطلاعات الرأي العام للمواطنين، أو التعرف على التأثيرات المحتملة من أصحاب المصالح/ المخاطبين بالقانون، وفى النهاية يتخذ البرلمان القرار، ويحدد الشكل النهائي للقانون.

          تعتبر منهجية (Regulatory Impact Assessment)  من أفضل الممارسات المعاصرة، وهي تطبق في أغلب الدول الأوروبية وأمريكا، وتقوم تلك المنهجية على الاحتكام إلى الأطراف المجتمعية المعنية بالقانون من خلال مجموعة عمليات فنية واستشارية وحوارية، تساعد في مجموعها على قدرة المشرع على استشراف الآثار النهائية والواقعية لتطبيق القوانين.

         من الواضح إن قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب وعلى الرغم من أهميته وحتمية إصداره، لم يخضع قبل إصداره لدراسة معمقة لقياس آثره التشريعي، وإمكانية تطبيقه على أرض الواقع، فبمجرد صدور القانون رقم ٢٩ لسنة ٢٠٢٣ المنشور بالجريدة الرسمية العدد (21 أ) بتاريخ ٢٩ مايو ٢٠٢٣، جاءت ردود الفعل تجاه القانون سلبية وتؤكد عدم إمكانية تطبيقه من الناحية العملية، وعدم إنسانية بعض مواده خاصة تلك التي طالبت مربي بعض أنواع من الكلاب بتسليمها وكأنها شيء مادي لا روح ولا مشاعر له، وأغفلت هذه المواد أن انتزاع الكلاب من أصحابها يعني إعدام هذه الكلاب، الكلب إذا انتزع من صاحبه مات، كما أن مربي الكلاب يعتبره أحد أفراد أسرته، وعندما تنتزعه منه فكأنك أخذت أحد أبنائه.

 إن القانون تعامل مع مشكلة حيازة الكلاب التي وصفها أنها خطيرة تعامل لا يوافق العديد من مواد الدستور، فقد تم خروجه من البرلمان على عجل كرد فعل عاطفي على واقعة تعرض المواطن محمد محب لعقر كلب ملك جيرانه داخل كمباوند بمدينة الشيخ زايد بالجيزة، ومفارقته الحياة بعد إيداعه المستشفى وتدهور حالته الصحية، ولم تستمع اللجنة المعنية بدراسة القانون داخل البرلمان لما يجب أن تستمع لهم من الخبراء المختصين، وجمعيات المجتمع المدني المعنية بالرفق بالحيوان، وخبراء تدريب الكلاب في وزارة الداخلية والقوات المسلحة، وكذلك الأشخاص المخاطبين بهذا القانون، إن اللجنة لم تستمع إلا للطب البيطري والذي هو مختص فقط بصحة الحيوان فسيولوجيًا وليس سلوكيًا، وبناء على ذلك جاء جدول رقم (١) المرفق بالقانون، والذي اعتبر ما يقرب من ٦٠٪ من الكلاب المقتناة في مصر ضمن الحيوانات الخطرة مطالبًا أصحابها بتسليمها، ومعتبرها من الحيوانات الشرسة بطبعها شأنها شأن الأسود والنمور، وهذا مخالف لعلم الحيوان فالشراسة في الكلاب سلوك وليس طبع، إن هذا القانون بصيغته الحالية سوف يهدد السلم الاجتماعي فهو حتمًا سوف يفتح الباب للاحتكاك بين المواطنين من مربي الكلاب، وغيرهم من المواطنين الذي يحرم بعضهم لمس الكلاب وحيازتها ويراها تمنع دخول الملائكة البيت، وبالتالي سوف يفتح القانون بصيغته الحالية المجال للدعاوى والبلاغات الكيدية ضد مربي الكلاب، كما أن القانون أغفل الآثار الاقتصادية السلبية المترتبة عليه بالنسبة للمصانع المحلية الخاصة بتصنيع أكل الكلاب، وألاف مراكز بيع مستلزمات الكلاب والتي يعمل بها أعداد ضخمة من المواطنين.

 وقد تم رفع دعوى قضائية ضد القانون طالبت بصفة مستعجلة بالحكم بوقف تنفيذه، بشأن تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، وإحالة الطعن للمحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية المواد ١٥،١٧، ١٨، ١٩، ٢٥، ٢٦ من القانون حيث أنها جاءت مخالفة لنص المواد  ٢٣، ٤٥، ٦٦، ٩٤، ٩٥، ١٠١، ١٨٤ من الدستور، تلك المواد الدستورية التي حمت الملكية الخاصة للأفراد، والمحافظة على الثروات الحيوانية والسمكية، والرفق بالحيوان، وسيادة القانون كأساس للحكم واستقلال القضاء وحصانته وحيدته كضمانه للحقوق والحريات وإعمالًا للمادة ٩٥ دستوريا: العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.

       إننا نناشد السيد رئيس الوزراء ألا يصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون قبل أن يتم تعديل المواد التي وردت به مخالفة للدستور، وأن تشكل الحكومة لجنة من المتخصصين في علم الحيوان، والطب البيطري، ومراكز تدريب الكلاب، وجمعيات الرفق بالحيوان، وبعض مربي الكلاب، وذلك لدراسة كيفية تعديل هذا القانون بما يوافق الدستور ويحقق الصالح العام ويكون قابلًا للتنفيذ على أرض الواقع.