الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الكاتب والناقد كرم نوح يكتب: مصطفى بيومى .. راهب الإبداع الأدبي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منتصف الثمانينات وفى مدينتنا المنيا، كانت بداية علاقتي بالصديق مصطفى،  والحقيقة أني حين أعود بذاكرتي لذلك التاريخ لكتابة تلك المقالة المتعجلة التي أعرف أنها لن تفيه حقه، يتبين لي بشكل واضح أن الصديق مصطفى ظل طوال ذلك الزمن الذي يقارب الأربعين عاما، هو نفسه ذلك الإنسان البسيط المهذب، تلك البساطة التي يتسم بها كبار الشأن والقيمة، وتلك الروح المهذبة التي اكتسبها من أب  رقيق المشاعر، تربطه علاقة وثيقة بعوالم الإبداع الأدبي، فقد كان مدهشا أني عرفت متأخرًا رغم علاقتنا الطويلة، أن والده الأستاذ على بيومي هو مؤلف إحدي أغنيات الصباح البديعة زمن طفولتنا وشبابنا، والتي يشدو بها الفنان الكبير محمد قنديل 

الوقت بدري والنيل بيجري

والزرع نادي وجميل

يا طير يا شادي إوصف بلادي

إوصف وغنى وقول

ده صبح نادي على بلادي

عليك يا وادي النيل

كلمات تذكرني شخصيا بإبداعات الكبار بديع خيري وبيرم التونسي، الذي لا بد أن تشرب إبداعاتهم الأستاذ على بيومي والد صديقي العزيز، ولعلي حرصت على ذكرها لنتعرف على المنابع الأصيلة التي عاش فى كنفها مصطفى وشكلت ذائقته وانحيازاته.

فى العام 1987 كنت أتحسس طريقي بعد التحاقي بالعمل بهيئة قصور الثقافة، وكانت أول خطواتي فى ذلك العهد الذي تمكنت فيه أفكار الإسلام السياسي من عقول الناس، هو إحياء صالون التذوق الموسيقي بقصر ثقافة المنيا، ووجدتني أذهب لصديقي مصطفى طلبا لدعمه الفني لإصدار نشرة أسبوعية مواكبة لذلك الصالون، والحقيقة أن مصطفى ودون أي تحفظات تتعلق بشواغله، خصص لي يوما أزوره فى بيته لتحرير تلك النشرة التي ما زلت أحتفظ ببعض أعدادها شاهدة على نبل أخلاقه وعطائه منقطع النظير.

فى تلك السنوات كنا شهودا على عطاء مصطفى فى رعاية المواهب الأدبية لشباب المبدعين الذين يتوافدون عليه فى مقر عمله آنذاك بجامعة المنيا، أو حتى فى سهراته الليلية بأحد مقاهي المنيا، لم يبخل على أحد بالنصح والتوجيه، حتى أولئك من أنصاف الموهوبين، لم يزدري أحدا منهم بقدر ما كان يملك الكثير من التقدير والاحترام لشخوصهم آملا فى دفعهم قدما نحو المزيد من القراءة والتعلم، والحقيقة أيضا أن مصطفى بيومي وبنفس القدر قدم دعما مماثلا لكل من صاروا فيما بعد أساتذة للفنون الأدبية المختلفة بجامعة المنيا، فى سبيل نيلهم لدرجاتهم العلمية، أمر كنا شاهدين عليه أنا وصديقي العزيز عادل الضوي وصديقنا المشترك الذي كان حينها يقرض الشعر وكان واعدا الصديق عبد الرحيم على، وهو فى خضم عمله الصحفي لكشف ممارسات عنف جماعات الإسلام السياسي الطائفية المسكوت عنها آنذاك والتي لعبت دورا رئيسيا فى فضحها وتعريف جموع المصريين على حقيقتها.

أما الجانب الأهم فى مسيرة مصطفى بيومي بجانب أعماله الإبداعية الروائية المتميزة، هى أعماله النقدية لكبار كتاب الرواية من المصريين والعرب، والتي تعكس جهدا جبارا، استوجب عزوفه ودأبه، ولعلي أذكر على نحو خاص، ما قدمه مصطفى بيومي للمكتبة العربية من دراسات وافية لم تترك شاردة ولا واردة حول أدب أديب نوبل نجيب محفوظ، جهد لا تقدر عليه حقيقة مؤسسات كبرى، ليس فقط فى حجمه وإنما أيضًا فى محتواه المتنوع لكل جوانب ذلك الأدب، جهد يستحق عليه مصطفى بيومي كل جوائز الدولة المتاحة لو كانوا لقدره عارفين.

كل التحية لشخصك العزيز صديقي الزاهد المتواضع والذي يستحق دون مبالغة وصف راهب الإبداع الأدبي.