السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمود حامد يكتب: مصطفى بيومى .. دروس الحياة وصناعة التحدى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أحاول الكتابة عن مصطفى بيومى، فتتملكنى رهبةٌ شديدة، وأسأل نفسى: كيف يمكن أن أُعطِى لهذا الرجل حقَّه، وهو الموسوعى بكل معنى الكلمة، ودون أدنى مجاملة أو تزيد أو ادعاء؟.. كانت احتفالية السبت الماضى، تقديرًا مستحقًا من الكاتب الصحفى عبد الرحيم على لصديق عمره المبدع الجميل. 

عرفتُ أستاذنا ومعلمنا وصديقنا منذ زمن بعيد عبر كتاباته المتنوعة والثرية، لكنى لم أشرف بلقائه إلا منذ نحو ثمانى سنوات.. يتحدث بصوتٍ خفيض وذهن مرتب، يوضح رأيه فيما يتحدث عنه فى نقاط محددة ومركزة، فيساعدك على فهم ما التبس عليك بسرعة غير عادية.. إنه يمتلك، مثل بطل روايته «إنسان»، حسًا صوفيًا للإنسان الذى يمنح تسامحه وسلامه لجميع المتصارعين والانتهازيين والباحثين عن غنائم فى الحياة.

أستعيد شريط السنوات الأخيرة، كى أتذكر بعضًا من المواقف الخاصة بصاحب الفرح مصطفى بيومى.. فى يوم من الأيام، طلب أن يلتقى بقسم الثقافة فى مؤسسة «البوابة».. أبلغتهم برغبته فكانت فرحتهم عارمة وإن شابها بعض التخوف والرهبة من الجلوس فى حضرة الأستاذ.. وكان اليوم الموعود ودار نقاش ثرى بينه وبينهم، قال لى بعده: «الولاد ممتازين وفاهمين شغلهم كويس».. أما الزملاء فقال معظمهم: تعلمنا من هذه الجلسة دروسًا توازى ما تعلمناه طوال سنوات الدراسة.

لم يبالغ أى زميل من الزملاء فيما ذهب إليه، ذلك أن الدروس التى يمكن أن نتعلمها جميعًا من مصطفى بيومى كثيرة ومتعددة لمن شاء أن يتعلم.

أول هذه الدروس: حسن إدارة الوقت واستثماره فيما يفيد النفس والبشر عامةً، وكان هو كذلك ومازال.. يجيد ترتيب وقته بدقة متناهية.. ويوزعه بطريقة محكمة بين القراءة والكتابة ولقاء الأصدقاء والتواصل مع تلاميذه والتمتع بوقتٍ طيب مع أولاده وأحفاده.

ثانى هذه الدروس: التواضع المتناهى.. رغم كل إنتاجه الراقى والغزير، يتكلم معك بكل أريحية ولا يعرف لغة التعالى على البشر، وليس للضغينة مكان فى قلبه وهو العاشق لكل البشر، كبيرهم وصغيرهم.

ويرتبط بذلك الدرس الثالث: لا يبخل بوقته على طالب علم أو نصيحة، بل قد يتصل بصاحب موهبة معينة فى الأدب أو الفن أو غيرهما، ليشد من أزره ويشيد بأعماله، أو يتصل بآخر ليبلغه رؤيته النقدية فى عمل من أعماله بأسلوب يجعل المتلقى ممتنًا له نصائحه الثمينة.

أما الدرس الرابع فيمكن أن نطلق عليه «الإصرار».. نعم، نحن إزاء رجل لديه من الإصرار والعزيمة ما يفوق أى احتمال، ولعل هذا الإصرار هو الذى جعلنا نتمتع بكل ما أمد به المكتبة العربية من إنتاج متنوع فى مجالات عديدة.. إن إصرار مصطفى بيومى رسالة ضمنية لكنها واضحة لكل الأجيال: اصنع مستقبلك بإصرارك، حقق حلمك بعزيمة لا تلين مهما كانت الصعاب، لا تلتفت إلى الوراء ولا تشغل بالك بالصغائر واهتم بمشروعك الذى تريد له أن يتحقق. 

كل هذه الدروس أو الملامح الأساسية لمصطفى بيومى، هى سر عبقريته المتدفقة فى أكثر من مجال.. كاتب صحفى، ناقد أدبى، ناقد فنى، شاعر، روائى، مؤلف ترجمات عن شخصيات عديدة.. وغير ذلك من إبداعاته التى تضعه بلا مبالغة فى خانة الموسوعيين، وهى خانة لا يتواجد بها إلا النذر اليسير على مستوى العالم.

يقول نيكوس كازانتزاكيس: «هل تعرف ما معنى أن يعيش الإنسان؟ معناه أن يشمر ساعديه ويبحث عن المتاعب».. واستطاع مصطفى بيومى أن يستوعب ما يرمى إليه الفيلسوف اليونانى، فتحقق بالفعل رغم أية متاعب، طالما امتلك الإصرار والتحدى.. أو كما يقول  رائد علم النفس النمساوى فيكتور فرانكل «عندما نفقد الأمل في تغيير الواقع يكون التحدي الأكبر في قدرتنا على تغيير أنفسنا. إن أعظم شيءٍ يتفوّق به الإنسان على كلِ ما في الوجود هو موهبة التحدي. الحياة أغنية فغنِّها، الحياة لعبة فالعبها، الحياة تحدٍّ فواجهها، الحياة حلمٌ فحاول تحقيقه، الحياة تضحية فتقدّم لها، الحياة هي الحب فاستمتع بها».. وهكذا فعل مصطفى بيومى.