ثورتنا الديموغرافية نتيجة مباشرة لاختراع الزراعة فى الشرق الأوسط وربما فى الصين منذ ١٠ آلاف عام وتنطوى هذه الثورة عن انتظار إنتاج البذور للنباتات والعناية بها بدلًا من التنقل الدائم الأمر الذى من شأنه توفير الوقت. وقد انبثقت حضارات سومر وحضارات المايا المصرية وحضارة السند وشيا من هذه الثورة.
فى البداية، كانت هذه الحضارات مكتفية ذاتيًا ثم تاجرت بالسلع فيما بينها وتواصلت مع البدو الرحل. وبهذا انتقلت الأمراض وانتشرت العدوى ثم تم تحصينهم منها بعد ذلك.
ورغم المخاطر أو المناخ أو الوباء فقد ازداد عدد سكان العالم بفضل الزراعة من خمسة أو عشرة ملايين نسمة إلى ٣٠٠ أو٤٠٠ مليون نسمة فى الفترة ما بين بين حقبة المسيح وبداية القرن الرابع عشر.
ثم وقع حدث مروع فى أوروبا بوصول الطاعون الأسود الذى أصاب الفئران والذى كان قد انتشر بالفعل عام ٥٤١ فى عهد جستنيان وانتقل من الصين عن طريق المغول الذين حاصروا كافا، وهو ميناء فى جنوة على البحر الأسود ويقال إنهم نقلوا العدوى إلى المدافعين الذين نقلوه بدورهم إلى مرسيليا فى نوفمبر ١٣٤٧. ثم انتشر الوباء بسرعة فى أوروبا على طول طرق التجارة.
تشير الإحصاءات إلى وفاة ما بين ٣٠٪ إلى ٦٠٪ من سكان أوروبا تم القضاء عليهم فى غضون سنوات قليلة. الأمر الذى أدى إلى زعزعة استقرار القوى الدينية والسياسية ونقص الغذاء وزيادة التضخم فى أسعار المواد الخام كما أدى الى نقص العمالة إلى زيادة الأجور وزيادة الإنتاجية.
وقد حدث بعد ذلك أمر أكثر فظاعة فقد أدى استعمار أوروبا لأمريكا إلى انتشار أمراض لم تكن معروفة هناك كالجدرى مما تسبب فى وفيات جماعية. تشير التقديرات إلى أن عدد سكان أمريكا الأصليين "الهنود الحمر" قد تناقص من ثمانين مليونًا فى نهاية القرن الخامس عشر ليصل إلى خمسة ملايين فى بداية القرن الثامن عشر.
وفى الفترة ما بين عامى ١٣٠٠ و١٧٠٠ استقر عدد سكان الأرض ما بين ٤٠٠ إلى ٦٠٠ مليون نسمة وارتفعت معدلات المواليد والوفيات بسبب المجاعة والمرض حيث يلقى ثلث الأطفال حتفهم قبل سن الخامسة. وفى الفترة ما بين القرن ١٨ وبداية القرن ١٩ وصل عدد سكان العالم مليارًا بفضل أوروبا حيث انخفض معدل الوفيات بينما ظل معدل المواليد مرتفعًا: كان الغذاء هناك أكثر وفرة وأكثر جودة وزادت مقاومة الأمراض. لقد جلب الأوروبيون بالفعل الذرة والبطاطس والطماطم من أمريكا.
وقد أدت الثورة الصناعية والميكنة إلى زيادة الإنتاجية. لا شك أن الحياة فى القرن ١٩ كانت صعبة بالنسبة لمعظم السكان إذ أن أيام عمل لا نهاية لها فى مصانع قاتمة بالإضافة إلى العيش فى أكواخ مكتظة.
كان مسرح الحياة معدا لاستقبال وباء قاتل جديد لكن العلم كان أسرع من المرض فى القضاء على آفة مثل الجدرى مما أدى إلى زيادة متوسط العمر المتوقع بينما يظل معدل المواليد مرتفعًا.
وفى القرن الـ٢٠ وبسبب التقدم العلمى السريع المتزايد وعلى الرغم من المذابح الكبرى، فقد لقى ١٦ مليون ضحية مدنية وعسكرية حتفهم خلال الحرب العالمية الأولى كما لقى أكثر من ٥٥ مليون نسمة مصرعهم خلال الحرب الثانية وتسببت الإنفلونزا الإسبانية فى وفاة ما بين ٢٠ و٤٠ مليونًا مع نهاية الحرب العالمية الأولى ورغم ذلك استمر السكان فى نموهم السريع.
ومن الناحية الديموغرافية فإن القرن الـ٢٠ ليس فقط هو القرن الذى تزايد فيه عدد سكان العالم من مليار ٦٥٠ مليون نسمة فى عام ١٩٠٠ إلى ٦ مليارات و١٠٠ مليون فى عام ٢٠٠٠ بل هى الفترة التى انخفضت فيها معدلات المواليد بينما كان تطورها فى القرن ٢١ وما بعده هو مفتاح مستقبلنا ووجودنا.
معلومات عن الكاتب:
أندريه بوير.. أستاذ جامعي، مهتم بقضايا التنمية البشرية والصحة العامة، يستكمل بهذا المقال، رؤيته التى يحذر فيها من خطر يواجه البشرية فيما يتعلق بمعدلات الخصوبة.