الأستاذ محمد حسنين هيكل "حَكَّاء" متفرد في أسلوبه وفي طريقة سرده لحكاياته وهو بذكاء شديد يعرف متى يبدأ حديثه وكيفية السرد المشوقة وفى نفس الوقت تلتقط عيناه بسرعة البرق ملامح من يحدثه لضبط نغمة صوته لزيادة قوة تأثيره.
جلست مرات عديدة مع بعض الأدباء والمفكرين مع الأستاذ "هيكل" وشاهدت ملامحه الذكية وهى تتحفز للحكي وشرارة الذكاء واضحة وحيويته تضج قوة وحضورا.
يطلق عليه محبيه لقب "الاستاذ" فقط لتغنيهم عن التعريف به.. هم يرونه أشهر إعلامي وأكبر كاتب فى الوطن العربي فى القرن العشرين وصاحب التاريخ السياسي الأبرز فى الشرق الأوسط.
وبالطبع هم لا يلتفتون لأي نقد أو اختلاف مع "الأستاذ".. هذا رأيهم وقد يكون صحيحا أو خطأ.
حكى "الأستاذ هيكل" عن زيارته للصين ودعوة المسؤول عن تحرير جريدة "الشعب" وهي كبرى الصحف الصينية له ذات ليلة في مطعم "بط بكين الشهير"
قال الأستاذ إن العشاء كان من سبعة أطباق من بطة واحدة!.. قبل أن تدهش أكمل هو حكايته: خمس قطع مختارة باردة من البطة في أول طبق.. كبد البطة مقَلْيًا في طبق ثاني.. أضلاع البطة بالصلصة في طبق ثالث.. قلب البطة في قطع صغيرة محمرة في طبق رابع.. لسان البطه وأمعاؤها والبنكرياس، مطبوخة مع الخضر في طبق خامس.. جسم البطة نفسه أخيرًا، وهو الطابق الرئيسي مشويَّةً في طبق سادس.. وأخيرا عظام البطة مسلوقة، في طبق حساء في النهاية وهو الطبق السابع.
وأثناء تناوله الطعام قال الأستاذ "هيكل" لمضيفه مسئول تحرير جريدة "الشعب" الصينية مازحا: لم يبق من البطة غير ريشها، وأرجو أَلَا ناكله؟.. فوجئ بمضيفه الصيني يرد بجديه: إن المطعم يبيع ريش البط لأغراض صناعية!
هذه القصة حكاها الأستاذ ليقول إن ليس هناك في الصين "فاقدا أو عادما أو ضائعا" في أي شيء.. رأى فى الصين الصورة الحية للمعجزة.. المعجزة ليست بالمعنى الغيبي إنما المعجزة أو ما يبدو أمامه وكأنه معجزة له أسباب لا بد أن تكون علمية.. في الصين التنظيم الدقيق، وهو شيء محسوس إلى "أطراف الأصابع" في كل بقعة على أرضها.. وكل إنسان يعمل ولا يمكن أن يكون هناك شيء آخر غير العمل.
وأنهى حكايته بأن الصيني كان، ولا يزال دائما، يعتقد أن "الصين" هي قلب الكون، وربما كنا نحن هنا في الشرق الأوسط -الذي نعتبره وسط العالم- نظن أن الصين في طرف قصي من الدنيا، ولكن النظرة إلى خريطة العالم مرهونة دائما بالمكان الذي ننظر منه.
لقد تلاحظ للأستاذ "هيكل" أن اسم الصين في اللغه الصينية هو "شونج كو" والترجمة الحرفية لهذا الأسم هى "الملكوت المركزي" أو الملكوت الأوسط "
ختاما.. الأستاذ محمد حسنين هيكل كان لا يحكى أبدا من أجل التسلية أو قضاء الوقت إنما كانت له فى كل حكاية رسالة يريد أن تصل لمن يستمع!