تشهد القارة الأفريقية هذه الأيام ارتفاعا في وتيرة الأعمال الإرهابية، بشكل مثير للقلق، لا سيما في ظل ما يتواتر من معلومات عن اشتعال صراع كبير بين التنظيمين الأكثر دموية وخطورة في العالم ـ داعش والقاعدة ـ من أجل فرض الهيمنة وتوسيع دائرة النفوذ داخل القارة.
وتحت نيران التنافس بين التنظيمين، بلغ عدد الهجمات الإرهابية، التي شهدتها دول القارة خلال شهر سبتمبر الماضي ٥٤ عملية، معظمها في شرق القارة، وذلك بحسب إحصاء أعلنه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في أكتوبر ٢٠٢٢.
ويُعاني شرق القارة الأفريقية من هجمة شرسة للجماعات المتطرفة، الموالية لداعش والقاعدة على السواء، إذ شهد الصومال وموزمبيق ٢٧ عملية إرهابية، أودت بحياة أكثر من ٩٠ قتيلا، و٦٠ مصابا، وكان للصومال النصيب الأكبر من هذه العمليات، على أيدي حركة الشباب ذات الصلة الوثيقة بالقاعدة، والتي ارتكبت ٢٣ عملية من بين العمليات الـ٢٧، ما أدى لمقتل ٦٧ شخصًا، وإصابة ٦٥ آخرين، فيما استقبلت موزمبيق ٤ عمليات، أسفرت عن مقتل ٢٥ فردا.
وتوضح إحصاءات مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن منطقة الساحل الأفريقي شهدت ١٢ عملية إرهابية، أودت بحياة ٦٢ شخصا، كما تعرضت بوركينا فاسو لـ٧ عمليات خلفت ١١ قتيلا، و٨٧ مصابًا، ومالي لـ٤ عمليات أدت إلى سقوط ٥١ قتيلا.
صراع ضار على الهيمنة
ويرى الدكتور رفيق الدياسطي، أستاذ الجغرافيا السياسية، أن قارة أفريقيا ولا سيما خارج المنطقة العربية، تشهد صراعا شرسا وضاريا، بين القاعدة وداعش على فرض النفوذ وتوسيع نطاق السيطرة، وزيادة الأتباع، وهو أمر يستدعي خوض معارك شرسة ضد أمن دول القارة، وشعوبها، وإسقاط أكبر عدد من الضحايا، لأن ذلك يمثل دعاية قوية لكلا التنظيمين من أجل جلب الأتباع، الراغبين في الانضمام إلى الأقوى والأكثر نفوذا بينهما.
وأوضح «الدياسطي» أن استهداف التنظيمين إلى منطقة شرق أفريقيا يعود إلى وجود الكثير من المنافذ البحرية والبرية في هذه الدول، وبالتالي يسهل التحرك فيها، والإفلات من أيدي قوى الأمن، الأمر الذي يمكن التنظيمين من إقامة أماكن تمركز قوية لكل منهما فيها.
وأشار الدياسطي إلى أن الفترة الحالية تشهد ارتفاعا في وتيرة الهجمات بمسرح شرق أفريقيا، الذي يضم الصومال، وكينيا، وأوغندا، وإثيوبيا، لافتا إلى أن هذه المنطقة تمثل ملاذا مناسبا جدا لعناصر القاعدة وداعش، خاصة بعد ما مني به التنظيمان من خسائر فادحة في أماكن انتشارهما السابقة، كالشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا.
وبحسب الدياسطي فإن الدول المذكورة تتمتع بميزة أخرى بالنسبة لداعش والقاعدة، وهي أنها دول تعاني من صراعات ونزاعات مرتبطة بالهوية والجهوية، لذا فهي تربة خصبة لفرض النفوذ، واكتساب الأتباع.
الدياسطي يشير كذلك إلى أن اضطراب الأوضاع داخل هذه الدول، على خلفية قبلية وجهوية، يجعل داعش والقاعدة قادرين على تعويض خسائرهما البشرية واللوجستية، ببعض التركيز على المزيد من إثارة الخلاف بين الأطراف المتصارعة داخل هذه الدول باستخدام المبدأ الاستعماري الأشهر "فرق تسد".
تأجيج النزاعات القبلية أخطر سلاح
في غضون ذلك يرى الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي، بجامعة الزقازيق، أن المنافسة بين القاعدة وداعش في أفريقيا تعتمد أساسا على النفاذ داخل المجتمعات القبلية المعروفة بتشددها، ليعيد التنظيمان بذلك تجربتهما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي دول شهدت صراعا مريرا بين القاعدة وداعش، أوقع في طريقه مئات الألوف من القتلى والمشردين.
وأوضح "العفيفي" أن تأجيج النزاعات القبلية داخل الأقاليم الأفريقية هو أخطر أسلحة تنظيمي داعش والقاعدة، لأنه الوسيلة المثلى لجذب الأتباع، حيث يعمل كل تنظيم منهما على تحويل دول القارة إلى ساحة اقتتال أهلي متواصل، ينضم إليه المتطرفون المتأسلمون، والدول الغربية، وحلفائها المحليين.
ولفت "العفيفي" إلى أن تنظيم داعش بدأ يظهر في دول جديدة بالقارة، كما في غانا، والكونغو الديمقراطية وتنزانيا، وهو ما تسعى إليه القاعدة أيضا، في ظل حالة التنافس المحمومة بينهما، وهو ما ينذر بارتفاع حاد في وتيرة العنف للفوز بمزيد من النفوذ.
وشدد "العفيفي" على أن التغيرات التي يشهدها العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وعودة طالبان لحكم أفغانستان، والأزمات الاقتصادية الحادة التي تصب معظم سلبياتها على رأس القارة الإفريقية، والدول الفقيرة بوجه عام، تجعلنا أمام وضع أمني هش، يسهل تأجيج النزاعات القبلية فيه، بما يشير إلى أن المخاوف من تعزيز قوة الإرهاب، ولا سيما تنظيمي القاعدة وداعش، في محلها، بل وأمر واقع لا بد من الانتباه إليه، والسعي لمواجهته، قبل أن يفاجأ العالم بموجة إرهابية أكثر عنفا وشراسة ودموية، يكون مركز انطلاقها الرئيس قارة أفريقيا.