الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا تكذبوا يا صغار.. فالشجعان صادقون!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جزء من حبي لمجالي التربوي هو أنني أحب تلك البراءة في الأطفال، فهم لا يحملون كرها ولا حقدًا، صفحة بيضاء تملؤها بالخير فتثمر عليك في المستقبل، صداقة لا تحمل مصلحة لذا من الممتع أن تعود طفلا وأنت تربي أبناءك، فهي فرصة لتستعيد عفويتك ونقاءك.

هنا في هذه الحلقة أتعرض معكم إلى أخطر الجرائم بالنسبة لي وهي الكذب، لأنه منبت كل خطيئة بعد ذلك، فمن قال في الصدق النجاة كان يُدرك تماما آثار الكذب، أخطر ما يواجهنا من مشاكل في تربية أطفالنا هو مساعدتهم على استساغة الكذب دون وعي منا أننا ندمر شخصيته، فالبعض يعتبر كذب الطفل نوعا من المزاح ويضحك على تلك الصفة الذميمة بل ويجاري الطفل فيها ويطالبه بإعادتها فيشجعه على تكرارها، والبعض الآخر منح الكذب صفات وألوانا ليخدع نفسه ومن حوله فبات هناك كذب مذموم وكذب أبيض وكذب من الخوف وكذب للنجاة وفي الحقيقة كل هذا لا يعني شيء سوى الكذب.

من بين تعريفات الكذب الكثيرة التي صادفتها أثناء بحثي راق لي ما قاله الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتاني: "لو كان للكذب - كما هو شأن الحقيقة - وجه واحد لكانت العلاقات بيننا أحسن مما عليه، فيكفى أن نحمل على محمل صدق نقيض ما ينطق به الكاذب منا. إلا أن نقيض الحقيقة له مئة ألف وجه ولا يمكن الإلمام كليًا بالحقل الذى يشغله".

الملفت للنظر أن تعريف الكذب مع أن الفعل واحد إلا أنه يختلف باختلاف الأمم والحضارات وحتى داخل الحضارة الواحدة نفسها، ومن الكتب التى تناولت الكذب كتاريخ، كتاب "تاريخ الكذب" للفيلسوف الفرنسى جاك دريدا.

الكتاب عبارة عن دراسة كرسها الكاتب جاك دريدا لمفهوم الكذب، وهى صياغة مختصرة للدروس التى ألقاها فى مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس، حيث تلقى الضوء على ضرورة التمييز بين تاريخ الكذب كمفهوم وتاريخه فى حد ذاته، والذى يحيل على عوامل تاريخية وثقافية تساهم فى بلورة الممارسات والأساليب والدوافع التى تتعلق بالكذب، والتى تختلف من حضارة إلى أخرى، بل وحتى داخل الحضارة الواحدة نفسها.

والسؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا أولا قبل أن نقاوم تلك الصفة الدميمة لدى أطفالنا هو: لماذا نكذب؟
الكذب وفق تعريفات علم النفس يكون إما بتزييف الحقائق جزئيا أو كليا، أو خلق روايات وأحداث جديدة، بنية وقصد الخداع أو حتى للمزاح لتحقيق هدف معين وقد يكون ماديا ونفسيا واجتماعيا وهو عكس الصدق، والكذب فعل محرم في أغلب الأديان. الكذب قد يكون بسيطا ولكن إذا تطور ولازم الفرد فعند ذاك يكون الفرد مصاب بالكذب المرضي.

إذا نحن نكذب لإنقاذ موقف، أو خوفا من قول الحقيقة، أو خوفا من ردة فعل الآخرين، أو لأن بعض الناس لا يحبون الصدق.. تلك الأسباب يجب تفنيدها والتخلص منها أثناء تربية طفلك فالأمر ليس وصايا ولا إرشادات ولكن دروس ومواقف يراها أمام عينه، فإذا ما رأى والدته تكذب على والده أمامه انطبع ذلك في ذاكرته ولا يمكن علاجه مهما قلنا له من نصائح، إذا أرهبناه حين قال الحقيقة سكن الخوف بداخله طيلة حياته وأصبح الكذب وسيلة للنجاة.. لذا علينا بالآتي:

أولًا: كُن قدوة وعزز أهمية الصدق

ليس المطلوب أن يتوقف طفلكَ عن الكذب، بل أن تتعزز لديه مفاهيم الصدق والشجاعة والثقة والقدرة على حل المُشكلات التي يواجهها دون التهرّب منها بالكذب. وهو يكتسب هذه الصفات عبر مراقبة سلوكك ومحاكاة أساليبك في حل المشكلات وعاداتك اليومية بالتواصل الاجتماعي.

ثانيًا: أبقِ الحِوار هادئًا عند اكتشاف الكذب

ابقَ هادئًا حين تكتشف أنّ ابنك يكذب، لأنّ الصُراخ سيخيفه، كما أن الغضب سيترك آثارًا يترتّب عليها عواقب أكثر تعقيدًا. حين تهدأ الحادثة، حاوره ووضِّح عقبات الكذبة والمساوئ المترتّبة عليها والتي قد تؤثر في مشاعر النّاس الذين يهتمّون لأمره، الأمر الذي سيساعده على تطوير ذكائه العاطفي وقدرته على رؤية الموقف من زوايا مختلفة.
من المهم كذلك ألا تنعته بالكذَّاب، واطلب منه أن يُخبركَ الحقيقة بهدوء، لأنّك حين تنعته بالكذّاب مِرارًا وتِكرارًا، سيُصدّق ذلك، وسيرى نفسه أسيرًا لهذه العادة، وسيستمرّ في الكذب وسيَصعب تقويم سلوكه فيما بعد. وما يحدث في كثير من الأحيان، أنّ الطفل يبرع في التصرّفات السيئة حين يقتنع أنه ما من تصرفٍ سيُرضي والدَيه، وأنّه ما من طريقة ممكنة ليَحظى بحُبِّهم، لأنّهم يواصلون نعته بالذنب الذي اقترفه مرارًا وتكرارًا.

ثالثًا: حدد مَنبع الكذبة

اطرح عليه أسئلةً تُساعدك في فهم دوافع الكذب من وجهة نظره؛ لماذا يُؤكّد لكَ أنّه قد غسل أسنانه بالرغم من أنّه لم يَفعل ذلك؟ حاول العثور على ما دفعه لإخفاء الحقيقة، هل هو خائفٌ منك أم أنه لا يحب غسل أسنانه لأنّه لا يستسيغ طعم المعجون مثلًا؟ أم أنّ كلّ ما يُريده هو أن يلفت انتباهك ولا يجد طريقة تدفعك للحديث معه إلّا من خلال هذا السلوك.

رابعا: لا تنصب له فخًا

يقع كثير من الآباء في خطأ تربوي شائع، عند محاولة جرّ الطفل للاعتراف بكذبته، واستدراجه لفضحه أو جعله في مَوقف مُحرِج أمام نفسه. إذ لا يعد اجترار الطفل الوسيلة المُثلى لمواجهة الكذب، بل من الأفضل أن تقول له قبل سؤالك "عِدني بأنّك ستقول الحقيقة"، حيثُ يزيد قطع هذا الوعد من مَيل الطفل إلى الصدق. لكن لا تُرغمه على قول الحقيقة، إذ سيزيد هذا من خوفه وقلقه.

خامسًا: لا تُبالغ في العقاب

الاستخدام المُتواصل للعقاب كأسلوب للتربية داخل الأُسرة، يقود إلى التمرّد والغضب والنفور عند بلوغ الابن لمرحلة يشعر فيها باستقلاليته، أو حين تنقلب موازين السُلطة في العائلة وحين يجدُ الابنُ نفسَه قادرًا على التحدّي والرفض. لذلك يكون استيعاب الابن، والحوار الهادئ، أحد الطرائق المُثلى لاحتواء الكذب وتقليله.

سادسًا: شجّعه على قول الحقيقة

امتدحه كلما أجابكَ بصدقٍ حتى وإن كانت الإجابة مُزعجة، بل أظهر له احترامَك لشجاعته، وقُم بتعزيز هذا السلوك بمكافآتٍ رمزية، مثل أن الخروج سويّةً لتناول وجبةٍ لذيذة بينما تظهر له امتنانك للثقة المتبادلة بينكما بالرغم من المشكلات والمآزق والأخطاء التي يرتكبها. كذلك قُصَّ عليه حكايا تبين إيجابيات الصدق، وليس العكس.