كشفت وثائق سرية عن تورط مسئولين من الحكومة الإثيوبية في سرقة واسعة النطاق للمساعدات الغذائية الممنوحة لملايين الإثيوبيين، إلى جانب شواهد عديدة على إعادة بيع وتصدير المساعدات إلى دول مجاورة، ما تسبب في تخفيض الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مساعداتها.
وقالت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «USAID»، الخميس 8 يونيو الجاري، إن الحكومة الأمريكية علقت المساعدات الغذائية لإثيوبيا بعد أن كشف تحقيق عن مخطط واسع النطاق لسرقة أغذية متبرع بها، في خطوة ستؤثر على ملايين من أفقر سكان العالم، وتشير الوثائق المسربة التي تم تسليمها للمانحين وتم مشاركتها مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إلى أن المخطط تم تنسيقه من قبل عناصر داخل الحكومة الإثيوبية.
وقالت الصحيفة الأمريكية في تقرير نشر الخميس 8 يونيو الجاري، إن المسئولين حولوا المساعدات من أولئك الذين يحتاجون إليها لإطعام الجيش والمقاتلين السابقين، وبيعها في السوق المفتوحة لأصحاب المطاحن الذين أعادوا تصدير الدقيق، وفقا لتحقيق أجرته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وقالت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في بيان صدر يوم الخميس: «بعد مراجعة على مستوى الدولة، قررت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بالتنسيق مع حكومة إثيوبيا، أن حملة واسعة النطاق ومنسقة تعمل على تحويل المساعدات الغذائية» مضيفة «لا يمكننا المضي قدما في توزيع المساعدات الغذائية حتى يتم تطبيق الإصلاحات».
وأوضحت «واشنطن بوست» أن المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية والمتحدثة باسم رئيس الوزراء واللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث لم يردوا على طلبات للتعليق.
وتابعت: «تشير المراقبة المكثفة إلى أن هذا التحويل للمساعدات الغذائية الممولة من المانحين هو مخطط منسق وإجرامي، مما حال دون وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى الفئات الأكثر ضعفا».
ووفقا لتقرير صادر عن مجموعة المانحين لتنمية الصمود الإنساني، وهي منظمة من الجهات المانحة «يبدو أن المخطط تم تنسيقه من قبل كيانات الحكومة الفيدرالية والإقليمية لإثيوبيا، حيث تستفيد الوحدات العسكرية في جميع أنحاء البلاد من المساعدات الإنسانية».
يأتي تعليق المساعدات الغذائية في الوقت الذي تكافح فيه ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان لإطعام حوالي 20 مليون مواطن - حوالي سدس السكان- في أعقاب الحرب الأهلية والجفاف وتفشي التضخم، وتقدم الولايات المتحدة الغالبية العظمى من المساعدات الغذائية لإثيوبيا من خلال برنامجين، أحدهما تديره مجموعات الإغاثة والآخر تديره الأمم المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من شأن وقف المساعدات أن يزعج منطقة القرن الأفريقي المضطربة، التي ضربتها بالفعل حرب في السودان أدت إلى نزوح أكثر من 1.3 مليون شخص في ستة أسابيع، وبعد القتال المستمر دفع الصومال المنكوبة بالجفاف إلى حافة المجاعة، وقد يدفع ذلك أيضا بإثيوبيا إلى أحضان روسيا، بعد فترة من العلاقات الباردة مع الولايات المتحدة بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال حرب أهلية استمرت عامين في تيجراي.
في وقت سابق من شهر يونيو الجاري، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا يقول إن التطهير العرقي مستمر في أجزاء من منطقة تيجراي الشمالية.
ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أنه ليس من الواضح بالضبط ما هي نسبة الطعام التي سُرقت، لكن تقرير المانحين قال إن فريق التحقيق زار 63 مطحنة دقيق في سبع من تسع مناطق في إثيوبيا ووجد "تحويلًا كبيرًا" في جميع المناطق السبع.
وذكر التقرير أن أغذية من الولايات المتحدة وأوكرانيا واليابان وفرنسا تبرعت بها لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة سُرقت، ودعت جميع المانحين الذين أرسلوا مساعدات غذائية إلى التحقق من كيفية استخدامها.
وقالت «واشنطن بوست» إن إثيوبيا هي أكبر متلق للمساعدات الغذائية الأمريكية في العالم، والكشف عن حجم وانتشار النهب يعني أنه سيتم طرح أسئلة محرجة حول سبب عدم فحص قوائم المستفيدين، التي أعدتها الحكومة الإثيوبية بعناية أكبر ومن المرجح أيضا أن تثار أسئلة حول الوقت الذي اكتشف فيه شركاء الأمم المتحدة السرقة ونوع المراقبة التي يقوم بها طرف ثالث لمنع هذا النهب.
وأعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منذ أكثر من شهر بقليل أنها ستعلق جميع المساعدات للمنطقة الشمالية من تيجراي، حيث أسفرت حرب أهلية عن مقتل مئات الآلاف من الناس وقال بيان 3 مايو الصادر عن رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، "تم تحويل المساعدات الغذائية المخصصة لأهالي تيجراي الذين يعانون في ظل ظروف شبيهة بالمجاعة، وبيعها في السوق المحلية" لكنها لم تتهم أحد.
بعد يوم من إعلان الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عن تيجراي، قال برنامج الغذاء العالمي، إنه علق أيضا المساعدة في تيجراي الشهر الماضي بسبب مخاوف تتعلق بالتحويل، وقالت المتحدثة أنابيل سيمينجتون إن برنامج الأغذية العالمي يخطط لإجراء تقييمات للاحتياجات في الوقت الحقيقي، وتعزيز عمليات فحص قوائم المستفيدين، وتعزيز الرقابة المركزية وتحسين تتبع السلع.
ونقلت «واشنطن بوست» عن أحد الدبلوماسيين، الذي كان على علم بالتحقيق في التحويل، إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وجدت أدلة على استخدام المساعدات الغذائية لإطعام الجيش والمقاتلين السابقين في تيجراي، وأكثر من 90% من سكان تيجراي بحاجة إلى مساعدات غذائية ولم يرد رئيس تيجراي المؤقت، جيتاتشو رضا، على طلبات التعليق.
وأضاف الدبلوماسي الذي لم يذكر إسمه، إن الدقيق المصنوع من القمح المتبرع به يتم تصديره إلى كينيا والصومال حتى مع تجويع الإثيوبيين، مضيفا أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة «مهمل أو متواطئ».
وقال الدبلوماسي إن مديري المطاحن أبلغوا فريق التحقيق في المنطقة الصومالية، التي تعاني أسوأ موجة جفاف منذ أجيال، أنهم يشترون بشكل روتيني أكياس القمح بكميات كبيرة تحمل شعارات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الأغذية العالمي.
وأوضح الدبلوماسي إن الأكياس لم تُفتح، مما يشير إلى أنها ليست وسطاء يشترون من عائلات باعت جزءًا من حصصها الغذائية مشيرا إلى أن بلدة دولو أدو الحدودية في إثيوبيا بها مطحنتان تعملان بالدقيق على الرغم من أن أقرب إنتاج للقمح يبعد أكثر من 300 ميل.
أرسل شاهد زار إحدى المطاحن في منطقة دولو أدو هذا الأسبوع صورا لأكياس زنة 50 كيلوجرامًا تحمل عنوان الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الأغذية العالمي مكدسة خارجها.
وقال الدبلوماسي إن فريق تحقيق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية شهد التورط المباشر لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية في التحويل في مدينة هرار.
وكشفت صحيفة «The New Humanitarian» منتصف الأسبوع الماضي أن المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي كلود جيبيدار ونائبه جينيفر بيتوند قدما استقالتهما في اجتماع لجميع الموظفين في 2 يونيو الجاري قبل وقت قصير من إعلان نتائج التحقيق في اختلاس المساعدات الغذائية المرسلة إلى إقليم تيجراي.
وأضافت الصحيفة نقلا عن مصادر لم تسمها، أن هذه الخطوة جاءت في أعقاب تحقيق داخلي بدأ الشهر الماضي بشأن تقارير تفيد بأن كميات كبيرة من المواد الغذائية المخصصة للجوعى في منطقة تيجراي الشمالية قد بيعت في السوق التجارية.