يقف على حافة الرصيف بعربة صغيرة لا تشغل حيزًا كبيرًا، محتوياتها ليست كثيرة ولا تتخطى سوى عدة أطباق وبوتجاز صغير يصنع عليه الشاي، فقد عاد محمد عبد الحميد الرجل الخمسيني إلى الحياة مرةً ثانية بعدما وقع في ظلمات الضياع لسنوات طويلة قضى على خلفيتها 15 عامًا في السجن لاتهامه في جريمة قتل، كان السبب فيها مشاكل أسرية دارت بينه وبين أهل زوجته التي أنجب منها أطفاله والتي نتج عنها مكوثه خلف القضبان لسنوات.
قبل أكثر من 15 عامًا حدث شجار بين محمد عبد الحميد وأهل زوجته، ما دفعه للتعدي على أحدهم ضربا ما تسبب في موته، حيث قضى عقوبة السجن 15 عامًا، فقد فيها زوجته وأبنائه وأسرته، حيث خرج بعد قضاء العقوبة تائه بين ضغطات الحياة، ليس لديه ولد يسند عليه ولا زوجة تشد بأزره، غير أن تقدمه في العمر جعله غير قادرًا على العمل في مهنته الأساسية وهي الخياطة، وعلى الفور توجه محمد إلى قسم الرعاية اللاحقة للمساجين التابع لوزارة الداخلية، حيث يعمل هذا القسم على مساعدة المساجين الذي لا يستطيعون بداية حياتهم من جديد، وذلك من خلال توفير المشاريع، أو تجهيز العرائس والشباب أيضا.
يقول محمد إن توجه إلى هذا القسم وعرض حالته وطلب مشروع يجني منه قوت يومه ويصرف على أسرته الجديدة التي كونها بعد أن انفصل عن زوجته السابقة: "بعد ما قدمت عرضوا عليا أفتح عربية في الشارع وأعمل عليها أكل ومشروبات، وبالفعل خلال أيام استلمت العربية من مجمع سجون طرة، وهي مرخصة من الوزارة بالوقوف في هذا المكان بجانب من الشارع.
بعد وصول الرجل إلى سن الخمسين كان قد فقد الأمل تماما في العمل بأي مكان، وذلك بسبب أن جميع الشركات تطلب سن صغير للقدرة على العمل، فكانت هذه العربة بمثابة طوق نجاة له: "والله لحد الآن الداخلية بتطمن عليا وبيحاولوا يساعدوني لو حصل معايا حاجة، وعملوا معايا فوق الصح وفيها ناس ملائكة في التعامل".
حياة الرجل الخمسيني عادت في الآونة الأخيرة إلى الاستقرار بفضل هذا المشروع الصغير الذي جاء بترخيص من وزارة الداخلية: "الأيام اللي عايشها دلوقتي أفضل بكتير من السنوات اللي فاتت، بقيت أقدر أصرف على مراتي وعيالها وعايش كويس".