عبر الكاتب والأديب الكبير جار النبي الحلو خلال كلمته بملتقى الشارقة للتكريم الثقافي بالمجلس الأعلى للثقافة، عن سعادته باختيار كأحد المكرمين بالملتقى .
وبدأ كلمته بتوجيه التحية للحضور ومنهم الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة وعبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة ومحمد إبراهيم القصير مدير عام إدارة الشؤون الثقافية بالشارقة، وسفير الإمارات بالقاهرة، السفيرة مريم الكعبي ، والدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الاعلي الثقافة.
وتابع جار النبي الحلو قائلا :"الخُطوة من بيت جَدتى – لأمى – حتى هذه اللحظة تجاوزتْ الستين عامًا، هل كان مُقدرًا لى أن أجلسَ بجوارِها وأنا فى العاشرةِ من عمرى لأكتُبَ ما تَحكيه لى من حواديت لأكتبها، ثم أُحاول كتابتَها من جديد، وأحاول.. وأحاول؛ حتى أكونَ بينكم فى هذه اللحظة؟! لحظةِ التكريم هى أقصى ما أحلمُ به، والتقديرُ يفوقُ كل الأوسمة، بعد ذلك العمرِ الطويل الذى مضى محتضنًا كل ما قرأتُه وأحببتُه وشَغفتُ به، كل ذلك العمر الطويل الذى حاولتُ أن أكتبَ ما أَحلمُ به، ولكنى لم أحققْهُ بعد!!
وأضاف :"جاء التكريمُ من الشارقة يربّتُ علىّ وعلَى ما أنجزْتُ، جاء التكريمُ ليُقدّمَ لىَ الفرح، وهو يقدّم لى جائزةً عن إبداعى، أكبر جائزة أتمناها هى التقدير.
وقال كلمة خلال التكريم جاء نصها
رحلة عبر الكتابة
متسائلا:" هل كان مُقدّرًا لهذه الطيور التى لا أعرفُ أسماءَها والتى تَطير فى الفضاء أمام بيتِنا؛ ذلك البيت الذى بناهُ أبى فى الخلاء على شاطئ نهر، بيت من طابق واحد بُنى من أخشابٍ وجذوعِ شجر، لكن أمامه حرصَ الأبُ أن تُزْهِرَ حديقةٌ صغيرة بها بئر ماء، بيت وحيد على نهر.. ليس سوى حكايات العفاريت والغرقى، وصيادٍ من ألف ليلة وليلة.
خرجتُ للعالم لأرى المركب والطائر والزرع والماء، وأصوات الحشرات وطيورًا وحيواناتٍ أَلِفتُها وصارت مفردات فى كتابتى.
ومن الواقع والفن والأحلام والرؤى والطموحِ كتبتُ ما رأيتُه يعصرنى حزنًا وفرحًا وشوقًا. حتى أننى فى السادسة والسبعين من عمرى انتهيتُ من كتابة رواية جديدة منذ أسابيع بعنوان: "شجو الهديل".. هو الشجو إذن وهو الهديل.
أعترفُ لكم عشتُ الكتابةَ قبل تدوينها، عشتُ المفردات المُبهمة قبلَ تفسيرها، عشتُ الحكايات والقصص والروايات ثُم حاولتُ تدوينها فغمرتْها ألوانُ الفن الساحرة والأحرف التى أزاحتها عن قسوة الواقع وجروحِه.. حاولتُ أن أُغنّى فى قصصى؛ فكانت الغنائية أحيانًا مأخذًا، وأحيانًا تُغنّى برهافةٍ وحسٍ وشوقٍ بلا حدود.
أنا ابن الحقولِ والنهر، والمراكبِ والمصانعِ والأفلامِ الأبيض والأسود، وشمِّ النسيم والبيضِ الملون وعيدِ الأضحى والذبائح - وأنا طفلٌ فى يد أبيه -، وكعكِ العيد الصغير تَصُفّه أُمى فى فرحةٍ ذات رائحة، ومع أمى فى الفرن ونسوةٍ وحكاياتٍ وبناتٍ.. والبناتُ فى حياتى هن الهمس الذى لا يكفّ عن الأغنيات.
أنا ابن الكُتب التى قابلتُها فى سندرةِ أبى ومكتبةِ أخى.
أنا ابن شوارع وحارات المحلة الكبرى حيث زملاء لعبة كرة القدم وهواة مشاهدة الأفلام فى دور السينما.
أنا ابن مجموعة المحلة – شلةِ المحلة كما يطلقون عليها – جابر عصفور، نصر أبو زيد، محمد المنسى قنديل، محمد صالح، سعيد الكفراوى، فريد أبو سعدة.
أنا فرعٌ من هذه الشجرةِ المُثمرةِ التى نبتتْ فى قلب العالم فاحتضنها لصدقِها وفكرِها وتصوارتِها وأحلامِها.
أنا ابن الإنسانيةِ والحلمِ بالعدالة.
وأخيرًا وأنا بينكم فى هذا العُرس الثقافى المُمتد من الشارقة إلى إلى القاهرة لا يتملّكنى سوى الفرح بالانحياز الحقيقى للمستقبل وللأدب وللثقافة، لأن الثقافة هى القلعةُ الحصينةُ للوطن.