أثناء تدريبى فى "أكاديمية الجهاد" بمعسكر خلدن أحد معسكرات تدريب القاعدة في أفغانستان، كان عدد الطلاب قليلًا وفى بعض الأحيان كانت المجموعات تصل ثم تغادرالمكان، وأحيانًا يأتى المرشحون من أجل تدريب محدد، ونادرًا ما يغادر المرشح المكان بسرعة كبيرة رغم أنه يدرك بعد ذلك أن هناك "خطأ فى إرساله لهذا المكان" ولكن الثابت الوحيد كان عدد المديرين التنفيذيين فهم متواجدون بشكل ثابت وقد تطول هذه الإقامة فى بعض الأحيان لتمتد لعدة سنوات.
لذلك، فإنه فى ذلك اليوم لم يتواجد فى الأكاديمية إلا إثنان فقط، أنا ومديرى أبو عمر الجزائرى. وكان الهدف من تواجدنا هو التدريب على وحدة "الإستراتيجية والتكتيكات" وكان هذا البرنامج التدريبى هو الأطول والأهم حيث يستمر أسبوعين، والأكثر أهمية؛ فعلى سبيل المثال؛ فإن الجانب التكتيكى يلازم استخدام الكوماندوز للأحزمة الناسفة أثناء التدريب على المتفجرات.
ويعتبر البعد الاستراتيجى من وجهة نظرى هو الاستخدام السياسى لهؤلاء الكوماندوز بما يحملونه من تبريرات دينية؛ فدائمًا ما يكون هناك تمازج ما بين ما هو دينى وما هو سياسى فيما يخص البعد الاستراتيجى، أما الجانب التكتيكى فيندرج تحت ما يسمى "تأمين الهدف".. ببساطة، قيل لنا أن الإستراتيجية هى اختيار وتأمين الهدف والتكتيك هو الطريقة الوحيدة لذلك.
ومن المفارقات أن أبو عمر قد أبلغنى فى ذلك اليوم أننا سنذهب لدراسة الجانب السياسى للتكتيك وقد إندهشت لأن السياسة جزء من الإستراتيجية وليس التكتيك وكانت ميزة هذا التدريب هى أننا سنغير الجدول الزمنى المحدد للانتقال من الممارسة إلى النظرية. ومن المعتاد أننا نراجع جميع الجوانب النظرية للمادة التى يتم دراستها فى الصباح قبل الشروع فى تطبيقها بعد الظهر.
وقد طلب منى أن أذهب لإحضار بندقية من طراز AKS74U من المخزن وهى نوع مصغر من بندقية ak47 ولكن أقوى خاصة أن بندقية ak47 يتم استخدامها بذخيرة 7.62x39mm بينما يتم استخدام ذخيرة عيار 7.62x54mm فى بندقية AKS وتم تطوير هذا السلاح من أجل spetsnaz أو الكوماندوز الروسي.
وبالفعل ذهبت إلى مستودع الأسلحة وأخبرت إمامنا أبو الحارث الصومالى عن ذلك السلاح الذى يجب أن يعطينى إياه وقد دقق فى وجهى وابتسم ابتسامة ماكرة وأعطانى سلاحًا وذخيرة وصاح قائلًا: "انتبه"، وطلب منى الذهاب إلى "ميدان الرماية" لألحق بأبى عمر.
وعند وصولى قام المدرب بفحص السلاح ثم أعاده لى مرة أخرى وأشار إلى هدف مكون من حجرين فوق بعضهما، على بعد مائة متر، أعطانى تعليمات بإطلاق النار دون تصويب تجاه الهدف.
هذه العملية لا تهدف إلا إلى تشويش الخصم وتوفير غطاء لبقية الرماة الآخرين تمكنهم من تصويب طلقات اتجاه الهدف بشكل اكثر تحديدًا.
وهنا لاحظت ملاحظة غريبة أنه عندما أضع رصاصة فى السلاح، كان أبو عمر يتحرك إلى الوراء بضع خطوات عن يمينى ثم آخذت مكانى وبدأت فى إطلاق النار ولم يستغرق وقت إطلاق النار إلا ثلاث أو أربع ثوانٍ فقط. ومنذ الطلقات الأولى، لم تكن الطلقات تصل بالكاد لمسافة عشرة أمتار. وفى نهاية الإطلاق، انفجر السلاح فى يدى، ولم يتبق منه سوى المقبض الأمامى ومقبض جانب الزناد فى اليد اليمنى وتصاعد الدخان وقد فوجئت بمدربى يبتسم لى قائلًا إنه يمكننا بدء الدرس.
وفى الأساس، سوف يقوم بتدريبى على فحص كل دفعة من الأسلحة والذخيرة عند وصولها. وأحيانًا دون الحاجة إلى إطلاق النار من كل نوع من هذه الأسلحة. وكثيرا ما يكون بعضها معيبًا، والأخر معطلًا. وقبل وصولى بأسابيع قليلة انفجرت ثلاثة مدافع هاون عيار 120 مم وبعد التحقيق، اكتشفنا أن مجموعة صمامات القذائف تم تعديلها عن طريق إزالة نظام الأمان ونظام المؤقت الذاتى وحامت الشكوك حول رجال مسعود المسئولين عن الحراسة.
أما بالنسبة لـKS74U، فقد طلب منى فحصها وعلمت أنها من صنع باكستانى، تمامًا مثل الذخيرة، وبذلك بإمكانى توقع نهاية الحكاية: "إذا كنت تريد أن تخسر حربًا، فاستخدم معدات مصنوعة فى باكستان. كل مليون دولار مخصصة للأسلحة من باكستان، يذهب نصفها فقط إلى الأسلحة.. باختصار، عندما ترى "صنع فى باكستان"، استبدل هذا بـ"صنع فى الرشوة"
وكنت قد سمعت نفس الشىء تقريبًا فى البوسنة عن الأسلحة القادمة من إيران..ولذلك فقد فهمت سر ابتسامة أميرنا عندما أخبرته أن باكستان طورت صاروخًا مضادًا للدبابات من طراز ميلان وأن الصاروخ قابل للشحن، فى حين أن النموذج الفرنسى الأصلى كان يمكن التخلص منه بعد طلقة واحدة. وكانت إجابته "النموذج الفرنسى أكثر أمانًا".
خلاصة القول: "كلما ارتفع مستوى الفساد فى بلد ما، قلت المبالغ المخصصة للتسليح، وبالتالى، تقل الثقة بشكل كبير فى تأثير هذه الأسلحة".
معلومات عن الكاتب:
ديفيد فالا.. جهادى فرنسى تائب. اعتنق الإسلام فى شبابه، وقام بمحاولة فاشلة للانضمام إلى صفوف المجاهدين الأجانب الذين ذهبوا لدعم مسلمى البوسنة خلال حرب البوسنة والهرسك، ثم غادروا للتدريب فى معسكر جهادى فى أفغانستان. ولدى عودته، شكل خلية إسلامية وتم تفكيكها فى سياق هجمات عام 1995. وفى عام 1998، حكم على فالا بالسجن ست سنوات. خلال السنوات التى قضاها فى السجن، قرر الانفصال عن الأيديولوجية الإسلامية ثم عاود الاندماج فى المجتمع الفرنسي. فى عام 2010، قرر الخروج من الصمت للإدلاء بشهادته حول تجربته.. يحكى لنا عن فترة تدريبه فى أحد معسكرات تنظيم القاعدة فى أفغانستان.