رمضان في تونس له تقاليد قديمة وطابع خاص عن باقي شهور السنة حيث تفوح رائحة رمضان من البيوت التونسية خلال شهر الصيام، فيما يتمسك التونسيون بعاداتهم الاجتماعية وتقاليدهم التي ما زالت صامدة على الرغم من مرور سنين وعلى الرغم من الظروف الاجتماعية الصعبة، وللصيام نكهته المميزة في تونس الخضراء ، وسط أجواء روحانية فريدة وطقوس وعادات أصيلة تختلف بين الجهات والمحافظات.
ويبدأ التونسيون بالاستعداد لـ"سيدي رمضان" مثلما اعتادوا على تسميته، حبا وتفضيلا من بين شهور السنة، فتزيد حركة الشوارع والأسواق والمحلات، ويشرع الكثيرون في شراء المستلزمات الغذائية من التوابل والدقلة "التمر التونسي "والشعير وغيرها من لوازم المطبخ في رمضان.
وقبيل حلول الشهر الكريم، يقضي التونسيون أياما من التحضيرات لاستقباله، وحركة الناس في الشوارع لاتهدأ ليل نهار والمساجد مضاءة والمحلات التجارية مفتوحة والناس رائحون غادون، وخلال وقت الإفطار يتم تقديم الوجبات، والمساعدات المالية للمحتاجين.
تجهيزات ربات البيوت خزين شهر رمضان
وعلى الرغم من صعوبات الحياة، تستعد الامهات قبيل شهر رمضان بتخزين بعض من العولة وهي من أصل نباتي، وهو عبارة عن "مخزون غذائي من تحضير التوابل والبهارات والهروس والزيتون والزيت والدقيق وطحين وكل ما يمكن تخزينه حتى نستفيد منه في أيام الصيام لإعداد ما لذ وطاب للعائلة"، وبالاضافة إلى تخزين مؤن وحاجيات مختلفة، علما أن الناس يتهافتون على استكمال "قضية رمضان" من معجنات وزيت وطحين وسكر وبيض وما إلى ذلك من المتوفر في الأسواق.
إلى أن "هذه عادة الأجداد ولا نغيرها ولا نتخلى عنها، وكل ما نخزنه نعده بأيدينا لأننا لا نحبذ المستحضرات المصنعة والمواد الجاهزة للاستهلاك التي تكثر في المساحات التجارية اليوم".
مائدة تزخر بالخيرات
تنتشر موائد الرحمن في شهر رمضان فى ربوع القري والمدن بتونس حيث تزخر بالخيرات، فلا يغيب عنها يوميا التمر بالزبد وحساء الفريك "الشعير"والسلطة والبريك "وهي أكلة تونسية تشبه السمبوسك محشوة بمكونات خاصة" إلى جانب الطبق الرئيسي، وأطباق أخرى تختلف باختلاف الجهات التونسية وعاداتها، سواء في الإفطار أو السحور.
بالاضافة الي لبن الأبقار الطازج، تلك الأبقار التي ترعى في مروج المنطقة، وبيض الدجاج الذي يتغذى من قمح هذه الأرض الطيبة"، بالاضافة إلى أن الخبز يجهز من الطحين والسميد اللذين تنتجهما مزارع المنطقة، ويأتي على شكل فطير الملاوي أو خبز القرص المعد في الطابونة "تنور من الطين".
وعن "حساء شربة الشعير بدوره يعد من مخزون البيت".
عشية أول أيام رمضان أو آخر يوم من شهر شعبان، تستعد العائلات كل واحدة على طريقتها بإعداد مختلف أنواع الحلويات المصنوعة من الدقيق والزيت والعسل والزبيب. كما يتم تحضير مكونات الأكل والبهارات اللازمة لوجبات رمضان، حيث تقوم التونسيات بأنفسهن بإعداد التوابل اللازمة لإعداد الوجبات التقليدية.
ثمة عادات رمضانية لدى العائلات التونسية ما زالت راسخة ولم تغيرها الأيام، من قبيل عادة شراء قطعة رمضان، أي عندما تعمد ربة البيت إلى شراء أوان ومواعين "أدوات المائدة"خاصة بهذا الشهر رمضان من كؤوس وصحون ومناديل وغيرها"، ومن "العادات كذلك تحضير مؤونة رمضان التي تختلف عن مؤونة بقية العام، من بهارات وتوابل ودقيق وسمن وموالح وبقول، وكل المكوّنات المطلوبة لتحضير الأطباق المختلفة والحلويات".
وعن أشهر الأمثلة الشعبية : "اليوم الڨرش وغدا طويان الكرش"، ويعني ذلك أن الناس يقبلون على وجبة المدموجة الدسمة استعدادا لصعوبة أول أيام الصيام"و التمسك بعادة ليلة الڨرش، حيث تعد الأمهات والأجداد أكلة المدموجة وترسلها في أطباق لكل أبنائها المتزوجين، ودائما ما يحافظون علي تلك العادة في المناسبات والأعياد .
وعن عادات وطقوس العائلات في رمضان
"عائلات كثيرة في جهة تستور ما زالت متمسكة بهذه الأطباق الشهية لأنها متميزة ومتكاملة، ففيها الفواكه المجففة وكذلك التمر الذي يساعد في تحمل الصيام إذ يشعر الصائم بالشبع نظرا إلى قيمته الغذائية العالية".
بالاضافة الي "عائلات كثيرة تقوم بتزيين المنازل وتنظيفها وغسل المفروشات والأغطية والمناديل احتفاءا برمضان"، و "القائمين على المساجد والجوامع يبيضون كذلك جدرانها وينظفون سجاداتها ومآذنها ويزينون الأماكن المخصصة لإفطار الصائمين فيها". وعن اللباس التقليدي، كسوتين، واحدة مخصصة للتروايح وأخرى للعيد"، وتنوع اللباس التقليدي التونسي، فالرجال يرتدون البرنس والجبة والسدرية والفرملة والبلغة ويعتمرون الشاشية القرمز على رؤوسهم.
أما النساء فيرتدين السفساري أو الملية والعجار والخامة والقفطان ومريول فضيلة".
وتركز عملها على الجانب الاحتفالي من خلال السهرات والمسامرات الرمضانية، من قبيل الخرجات؛ خرجة الطريقة العيساوية وخرجة الاسطمبالي وخرجة نبيتة البلوط. وتأتي على شكل مسرحيات فكاهية في حي باب سويقة وسط العاصمة".
أما الشباب والفتيات فيختارون إما الذهاب إلى المقاهي للعب الورق أو البقاء في المنازل لمتابعة الأعمال المنزلية، والاجتماع على أطباق الحلويات وإعداد القهوة التركية "تسمى في تونس قهوة عربي "، وهذا منتشر خاصة في المدن الكبرى وأساسا العاصمة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، والتي تكون فيها حرية الخروج من المنازل أكثر من بقية مدن البلاد.
على مستوى الطقوس الدينية تختلف المدن في احتفالاتها، لكن كل واحدة تحاول أن تخلق للشهر الكريم أجواءه. ففي مدينة القيروان ذات الطابع الإسلامي وفي العاصمة كثيرة المساجد القديمة وفي المدن والمدن الساحلية في جنوب البلاد، تنظم الجمعيات القرآنية مسابقات قرآنية، ويتم تحضير اجتماعات للرجال في حلقات تصوف مع مجموعات من منشدي السلاميات، الذين يقومون بمدح الرسول محمد وإلقاء القصائد الصوفية، مصحوبين بصوت الدف، وبحضور محبي الأناشيد الصوفية.
وفي الأحياء الشعبية خاصة، يبدأ الأطفال منذ اليوم الأول بالتنافس في صنع "الكرديانة"، وهي نوع من الحلويات مصنوعة من بياض البيض والسكر، ويمضي الأطفال في صنعها وخلطها حتى تكبر وترتفع فترة ما بعد الظهيرة إلى أذان المغرب".