الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

عبد المنعم سعيد يكتب: الإصلاح ومقاومة التطرف.. «السلاح السرى للإخوان: اختراق المجتمع المدنى»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صدر مؤخرًا عن المركز المصرى والفكر والدراسات الاستراتيجية كتابا هاما تحت عنوان «السلاح السرى للإخوان: اختراق المجتمع المدني». الكتاب تحرير د. دلال محمود أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ويتعرض بدرجة عالية من التفصيل للكيفية التى قام بها الإخوان باختراق المجتمع المدنى ليس فقط فى مصر، وإنما أيضا فى الدول العربية والدول الغربية. فى المقدمة تلخص المحررة الأمر فيما يلي: إن اختراق «تنظيم الإخوان» للمجتمع المدنى، سواء فى الدول العربية أو الدول الغربية، كان هو السلاح السرى الحقيقى للتنظيم، وخاصة أن التنظيم يستخدم الآليات الأنسب لكل دولة مما يجعل هذا الاختراق أشبه بالتسلل التدريجى، مما يعيق اكتشافه آو رصد تأثيره.. وقد أثبتت التطورات المختلفة التى مرت بها جماعة الإخوان منذ بدايتها وحتى الآن، أن المجتمع المدنى كان ركيزة أساسية ساعدت التنظيم على البقاء والاستمرار خلال الانتكاسات الكبرى التى مر بها.. والأهم من هذا أن المجتمع المدنى قد يكون المنفذ الممكن للجماعة لتستمر وتعيد لملمة شتاتها الحالى، والذى أضعف الجماعة بلا شك لكنه لم يقض عليها. 
مثل هذا الاستنتاج ينبه إلى ساحة المعركة الجارية الآن فى مسارح مختلفة ربما كان أهمها الجارى فى الدول العربية حيث توجد المواجهة الكبرى، بينما تكون الساحات الغربية فى أوروبا وشمال أمريكا موطنًا للحشد والتعبئة المضادة لنظم الحكم العربية. التحدى هكذا لابد له أن يأخذ شكلين مختلفين حيث يكون فى المسارح الغربية كشفًا للخداع والمناورة والمرونة الخادعة التى يستخدمها الإخوان بمهارة شديدة؛ بينما فى المسارح العربية هى المواجهة فى معركة كسب المجتمع المدنى والانتصار فى معركة الفكر والتفكير الدينى. هذه المسارح الأخيرة هى ما يهمنا فى هذا المقام حيث كانت نقطة البداية فيها هى ما سمى «الربيع العربي» حيث نشبت الثورة التونسية فى ١٤ ديسمبر ٢٠١٠، وبعد شهر من البداية وفى يناير ٢٠١١ سقط نظام زين العابدين بن على. وبعد أيام قليلة بدأت ثورة أخرى فى مصر، وفى ١١ فبراير سقط نظام حسنى مبارك. ومن بعدهما فإن «دومينو» الثورات العربية أخذ فى التوالى فى عدد من الدول العربية مشكلًا ظاهرة عرفت «بالربيع العربي»، فتغيرت النظم السياسية فى ليبيا واليمن، وجرت مظاهر الثورة فى البحرين وسوريا والأردن والمغرب، وترددت أصداء هذه التطورات السريعة فى إقليم الشرق الأوسط كله. 
 


وفى الحقيقة فإن ثلاثة موجات من التغيير جرت فى المنطقة: التخلص من قادة سلطويين لم يكن أحد يعتقد بإمكانية خروجهم من السلطة؛ وبعد ذلك أتت سيطرة الإخوان المسلمين وجماعات إسلامية راديكالية أخرى على العملية السياسية؛ ثم فى النهاية جاءت بداية التخلص من الإخوان وحلفائهم كما حدث فى مصر، أو تم تقليص قوتهم لصالح قوى أخرى كما حدث فى تونس والأردن وليبيا واليمن والكويت بسبب فشلهم فى إقناع الرأى العام بقدرتهم على حكم بلادهم بشكل مباشر أو غير مباشر. ولكن مفتاح المقاومة للغزوة الدينية كان تواتر الظهور للبرامج الإصلاحية حينما أطلقت الدول العربية التى تمكنت من الصمود فى وجه عاصفة الربيع العربى عمليات إصلاح واسعة النطاق برؤى وضعت عام ٢٠٣٠ هدفًا لتحقيقها. وما يعنيه هذا هو أن الدول العربية التى اختارت الإصلاح الشامل قد وضعت أقدامها على بداية طريق القرن الحادى والعشرين وتقنيات وصناعات وعلوم هذا القرن. ويسير مسار الإصلاح الشامل فى عدد من الدول العربية، ليس بنفس الطريقة أو وفق نهج أو أيديولوجية واحدة، بل فى إطار السياق التاريخى الخاص بكل دولة. ولكن ما جمعها كان مجموعة من السمات كان أولها التأكيد على «الدولة الوطنية» باعتبارها الوعاء الذى يحتوى جميع «المواطنين» مهما تنوعت قبائلهم أو دينهم أو مذاهبهم أو أقاليمهم. 
كان ذلك إلى حد كبير «ثورة» فى التفكير العربى يضعها أخيرًا فيما حدث فى التاريخ الإنسانى وشكل ما بات معروفا بالدولة «القومية» أو Nation State التى باتت أساس «النظام الدولي» فى التجربة العالمية. كان هذا التعبير الأخير قد بات أسيرًا لأيدلوجية «القومية العربية» والتى رغم عدد من التجارب الوحدوية قد انتهت جميعها إلى الفشل. كان ذلك أيضا ثورة على الفكر «الإسلاموى» الذى تبنى فكرة «الخلافة الإسلامية» باعتبارها العباءة السياسية الممثلة للدول ذات الغالبية الإسلامية من إندونيسيا فى أقصى جنوب شرق آسيا حتى المغرب فى شمال أفريقيا. كانت مسيرة التاريخ تقود إلى الدولة الوطنية «القطرية» هى القادرة على صياغة المصالح الوطنية، وفى نفس الوقت العودة إلى أزمان قديمة بدأت فيها جذور الدولة الوطنية فى الولاء الإنسانى لجماعة بشرية حدث أنها تلازمت فى الخطوب والفرص عبر التاريخ القديم والحديث. 
ثانيا بعد الدولة الوطنية، ودعوة تطورها التاريخى، بات استيعاب الجغرافيا أساسيًا لاكتساب إقليم صفة «الوطن»، ومن هنا لا يكاد يكون هناك بلد عربى شرع فى عملية بلوغ واختراق حدود الدولة. لم تعد هناك مسافات بعيدة، ولا اعتبار لما يسمى «بوار» وجدب، والرمل والصحراء صارت كثيرًا من «السليكون»، والمعادن، وواحات بعيدة أصبحت مشروعًا لحاضرات قريبة. المشروعات العملاقة وتكنولوجيات السفر ونقل البضائع قربت من أركان الإقليم، وفى السعودية جذبت الخليج العربى لكى يحتض البحر الأحمر وخليج العقبة؛ وانتقلت مصر من النهر الخالد إلى ٣٠٠٠ كم من الشواطئ المصرية فى البحرين الأحمر والأبيض وخلجان العقبة والسويس. 
وثالثًا باتت مشروعات البنية الأساسية الواسعة النطاق أداة هذا الاختراق الإقليمى الواسع وتسليحه بإمكانيات التطور والنماء، وإذا كان المشهد فى المغرب أو فى الأردن، وفى مصر أو فى السعودية، فإن تغيرات التاريخ والجغرافيا أعطت أسبابًا لتجديد الفكرين الدينى والمدنى، ومعهما دوافع لتجديد المؤسسات الدينية لكى تناسب العصر وتواجه السموم الإخوانية. اتجاه مؤسسة الأزهر فى مصر للدفع فى اتجاه «الأخوة الإنسانية» بالتعاون مع «الفاتيكان» بات خطوة كبيرة إلى الأمام فى محاصرة التعصب والتطرف إزاء الآخر. 
ورابعًا فإن الإصلاح هكذا حالة متعددة الأبعاد ولكنها لا تستمر ولا تأتى ثمارها إلا بكثير من الاعتدال للفكر ورفض التطرف ليس فقط فى الساحات الداخلية للدول وإنما فى ساحاتها الخارجية. وهنا فإن دول الإصلاح بحكم طبيعتها التنموية تخلق شبكات من العلاقات القائمة على مصالح أمنية وسياسية واقتصادية مشتركة تكفل المسيرة وتسهل عمليات التنمية وتعالج المطبات العالمية والإقليمية. «السلام الإبراهيمي» كان صورة مختلفة عن السلامين المصرى والأردنى مع إسرائيل. هذا الأخير كان عملية اختراق إقليمية وعالمية لتغيير الأحوال من جذورها، وحاول الرئيس جيمى كارتر أن يضفى عليها صفة «الإبراهيمية» ولكنها شاحت عنها إلى أمور استراتيجية وكونية تناسب مزاج الشعوب والعامة. السلام الأخير كان صورة مختلفة، صممت منذ البداية على هندسة دقيقة للمصالح المشتركة، وهذه بطبيعتها قابلة للنمو والتخارج. 
هذه الملامح الأربع للإصلاح العربى شكل الإطار الاستراتيجى للمواجهة التى أخذت مجالها فى المجتمعات الأهلية، وفى الإطار الإقليمى الذى طالما استخدم كأداة لإلهاب المجتمعات وتوريطها فى صراعات محلية وإقليمية تمثل أدوات لجماعة الإخوان فى السيطرة الداخلية، وخلق الجسور مع الجماعات الإرهابية فى الخارج.