لا شك أن الأعمال الدرامية في رمضان تلفت الكثير من الأنظار، خاصة في ظل المنصات الالكترونية التي باتت تجمع الأعمال الدرامية من كافة بلدان الوطن العربي، فيسهل على المشاهد التجول من بلد لآخر في لحظات، ولكن أكثر ما يميّز الدراما العربية هذا العام تحديدًا، أنها أصبحت أكثر جرأة وأكثر قيمة، وكأنها مثل المشرط الجراحي الذي يستهدف الورم بشكل مباشر.
فالدراما اللبنانية على سبيل المثال ضمت هذا العام أكثر من عمل يناقش مشاكل الداخل اللبناني بمنتهى الجرأة ويهاجم الفساد الذي تسبب في مشاكل كثيرة للشعب اللبناني وعن التحديات اليومية في الحصول على الكهرباء وعدم توافر السيولة المالية، ليس هذا فحسب بل أن تلك الأعمال تناقش أن الفساد تفشى حتى وصل إلى الاتجار في البشر والاختطاف أو الاختفاء القسرى للفتيات اللواتي يتم استخدامهم في تجارة المخدرات، أمام تباطؤ الأجهزة الأمنية والبيروقراطية التي تغل يد المؤسسات الأمنية أمام الوصول لتلك العصابات، وكأن لسان حال الدراما اللبنانية يقول أن الفساد يخلق فوضى والفوضى تخلق الفساد والاثنين أعداء تماسك المؤسسات الأمنية مما ينعكس سلبا على الداخل اللبناني فيخلق نقصا في كل شئ حتى في الخدمات الأساسية ويسود الظلم.
ليس نقدًا أو استعراضًا دراميا لزيادة المشاهدات ولكنها قدرة القوى الناعمة على تغيير الواقع أو تأريخه وتوثيقه وذلك التوثيق يأخذنا إلى الدراما المصرية التي أحب أن أنعتها بالدراما العسكرية التي تؤرخ بطولات القوات المسلحة في " الكتيبة 101" والشحات ذلك الجندي الغني عند ربه وعند وطنه، الذي نري فيه البسالة والوطنية لأقصى الحدود، والذي يفصح عن خسة وندالة عناصر كانت تتغذى على الأفكار المسمومة وتعبث في أراضي سيناء جورًا وفسادَا، كما يكشف ذلك العمل الدرامي القيم عن تدنى مستوى الحياة في سيناء وكيف كان الأهالي يعيشون في بيوت بسيطة للغاية حينذاك، لذا كانت رؤية الدولة تجاه التنمية في سيناء أمرا واجبا ليس فقط لمحاربة الإرهاب بل حقا لهم لحياة آدمية يستحقوها، تأتى أهمية المسلسل هذا العام والذي يعتبر امتدادا للأعمال الدراما العسكرية والتاريخية في التزامن مع الانتهاء من تطهير سيناء، فذلك العدو الخبيث ينتظر ذلك الإعلان حتى يثبت انه مازال موجودًا لذا صناعة الوعي هامة جدا في هذا التوقيت.
تستطيع الدراما أن تغير واقعا وأن تفضح الفساد وتكشف النقاب عن كثير من الخبايا، تستطيع أن تحشد الرأي العام وتوجهه للحقيقة، خاصة وان كان العمل يتسم بالأمانة أمّا في وصف وضع قائم أو في تأريخ أو توثيق حقبة قاربت على الانتهاء مثل الكتيبة 101، أنها القوى الناعمة التي تجسد ما كتبه أو ستكتبه كتب التاريخ.