الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

مجددون.. علي عبد الرازق ومعركة «الإسلام وأصول الحكم»

علي عبد الرازق
علي عبد الرازق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الشيخ علي عبد الرازق مواليد البهنسا، أبو جرج، محافظة المنيا، ١٨٨٨، توفي بالقاهرة، ٢٣ سبتمبر ١٩٦٧. مفكر وأديب مصري كبير درس في الأزهر وفي نفس الوقت في الجامعة المصرية، وأخذ شهادة العالمية من الأزهر سنة ١٩١٢. سافر إلى إنجلترا ودرس في جامعة أوكسفورد السياسة والاقتصاد ورجع مصر بعدما قامت الحرب العالمية الأولى. اشتغل في القضاء في المحاكم الشرعية وبقي عضوًا في مجلس النواب والشيوخ وعُين وزيرًا للأوقاف. كان عضوًا في المجمع اللغوي، وله مؤلفات مهمة في الأدب والفلسفة.
ناقش في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" فكرة الخلافة والحكومة في الإسلام فعمل ضجة كبيرة، وحكم عليه بتجريده من شهادة العالمية الأزهرية. كان الملك فؤاد الأول يتطلع لمنصب خليفة المسلمين وهو الذي كان خلف محاكمته.
وكتاب الإسلام وأصول الحكم هو الكتاب الأكثر ليبرالية وشجاعة؛ ولأنه أتى من أزهري ينحدر من أسرة عريقة بما جعله وثيق الصلة هو وشقيقه مصطفى بحزب كبار الملاك العقاريين "الأحرار الدستوريين". ثم لأن الكتاب أغضب الكثيرين فكانت محاكمة مثيرة أمام هيئة كبار العلماء، وضجيجًا مايز بين مواقف الكثير من القوى السياسية.
وبدأ الشيخ كتابه بكلمة لماذا؟ وأجاب بأن هناك سؤالين ألحا على تفكيره وهما هل الخلافة أصل من أصول الدين؟ وهل الإسلام أو غيره من الأديان يمكن أن يكون نظامًا للحكم في العصر الحديث؟ وبدأ الشيخ في إجابته ذا توجهات ليبرالية بامتياز.
فهو متعمق في دراسة الفقه أي أنه من أهل الاختصاص، وليس مجرد واحد من الليبراليين الذين أدركوا قيمة الفكر التجديدي، ولكنه أضاف إلى معرفته بالفقه وبصحيح الإسلام دراسة في الجامعة المصرية تخصص فيها في الأدب والفلسفة، ثم دراسة في أكسفورد مستهدفًا التخصص في الاقتصاد والعلوم السياسية لكنه قطعها بسبب نشوب الحرب، ثم إنه فوق ذلك انتسب هو وشقيقه الشيخ مصطفى إلى مجموعة ليبرالية ضمت عديدًا من الشبان منهم محمود عزمى – عزيز ميرهم – د.منصور فهمي– د. محمد حسين هيكل وغيرهم، وقد بدأت هذه المجموعة نشاطًا فكريًا مهما.
ويبدأ الشيخ علي عبد الرازق كتابه متسائلًا: ما هو سند الخلافة؟ هل القرآن؟ أم السنة؟ أم إجماع المسلمين؟ ويقول: القرآن والسنة لم يتعرضا مطلقًا لموضوع الخلافة، لأنها لم تكن أبدًا حكمًا من أحكام الدين الإسلامي، كما أن الإجماع في التاريخ الإسلامي لم ينعقد أبدًا على خليفة. ثم يقول: "ليس بنا حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام والمسلمين".. "فالحكم والحكومة والقضاء والإدارة ومراكز الدولة هي جميعًا خطط دنيوية، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة" [صـ١٠٢]. ويؤكد أن القرآن والسنة لم يرد فيهما أي ذكر لفكرة الخلافة كنظام سياسي ملزم للمسلمين، "وكل ما جرى في أحاديث الرسول الكريم من ذكر الإمامة والخلافة والبيعة لا يدل على شيء أكثر مما دل عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام الشرعية عن حكم قيصر" [صـ١٩] ويؤكد أن الخلافة لا تقوم إلا على القهر والظلم "وإذا كان في الحياة الدنيا شيء يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم، ويسهل عليه العدوان والبغي، فذلك هو مقام الخلافة، وقد رأيت أنه أشهى ما تتعلق به النفوس، وأهم ما تغار عليه، وإذا اجتمع الحب البالغ والغيرة الشديدة وأمدتها القوة البالغة، فلا شيء إلا العسف ولا حكم إلا السيف" [ص٢٨] ثم يعود فيكرر: "ذلك أن شعائر الله تعالي ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذي يسميه الفقهاء خلافة، وأولئك الذين يسميهم الناس خلفاء، فليس من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولا تزال نكبة على الإسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد [ص٣٦]، ويفرق الشيخ بين ولاية الرسول وولاية الحاكم أو الخليفة "فولاية المرسل إلى قومه ولاية روحية منشأها إيمان القلب وخضوعه خضوعًا صادقًا تامًا يتبعه خضوع الجسم، ولا الحاكم ولاية مادية تعتمد على إخضاع الجسم من غير أم يكون لها بالقلب اتصال". [ص٦٩] ثم "إن القرآن صريح في أن سيدنا محمد لم يكن إلا رسولا خلت من قبله الرسل، ثم إن القرآن بعد ذلك صريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن من عمله شيء غير إبلاغ رسالة الله سبحانه وتعالى إلى الناس، وأنه لا يكلف شيئًا غير ذلك البلاغ وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاءهم به، ولا أن يحملهم عليه" [ص٧٣].
ثم هو يوضح أن الرسول لم يعين من بعده خليفة وأن الذين تزعموا المسلمين من بعده ومن بينهم الخلفاء الراشدون كانت زعامتهم مدنية أو سياسية وليست دينية، وإن أبى بكر هو الذي أسمى نفسه خليفة، وأن بيعته كانت ثمرة لجدال ثم اتفاق سياسيين ومن ثم كان حكمه مدنيًا وكان اجتهاده دنيويًا ولا علاقة له بفكرة الدولة الدينية" ويمضى كل الكتاب على هذا المنوال بما دفع أحد الباحثين إلى القول إن كتاب الإسلام وأصول الحكم "يمثل موقفًا راديكاليا، وهو أبعد من أن يكون بحثًا عن نصوص دينية تحرم الكهنوت والاستبداد.