استراتيجية الانفصال تعمل فى الظلام.. وخطر المدارس الخاصة غير المتعاقدة ينبع من ضعف الإشراف عليها
وقفة احتجاجية فى باريس ضد قرار وزير التعليم الفرنسى بمنع الحجاب داخل المدارس فقط
جان بيير ساج الأستاذ بجامعة السوربون: أنا غير متفائل.. التهديدات خطيرة ومتعددة
غالب بن شيخ رئيس مؤسسة الإسلام فى فرنسا: هناك تسلل حقيقى.. إنهم يعتبرون التربية الوطنية معركة يجب كسبها وعلينا أن ننتبه
سيباستيان بيرجيه أستاذ فيزياء: لستُ ضد بناء مدرسة إسلامية إذا كانت بموجب عقد تحترم قيم الجمهورية والبرنامج التعليمى الفرنسى
ماجد نعمة الكاتب الفرنسى من أصل سورى: لم نصدر مرسومًا باعتبار الإخوان المسلمين منظمة إرهابية فاخترقوا المساجد والجمعيات والمدارس
بسام طحان فرنسى من أصل عربى: قبل الحديث عن أساليبهم.. اطرحوا مسألة تمويل التنظيم الدولى لنشاطهم
رينيه سيرفان: الإسلاموية خطر على نظام التعليم بفرنسا يجب تجنبه ولا يجوز قبول الأصوليين
مراد الحطاب: هناك شبكات ومدارس خاصة اخترقها الجهاديون فى فرنسا منذ سنوات
جاك مارى بورجيه: المشروع السياسى الذى يقف وراء تلك الجماعة والممر النهائى للجهاد هو دائمًا غير ظاهر
محاولات تغلغل الجماعة الإخوانية فى نظام التعليم الفرنسى.. تجرى فى سرية تامة وفق أساليب ملتوية تسعى لتغيير طبيعة المجتمع، مما جعل المسئولين يتنبهون من خطورة بث أفكار هدامة تروج للتطرف والإرهاب وتعمل على التأثير فى النشء والشباب على وجه الخصوص.. «لوديالوج» تطرح الموضوع على مائدة البحث من خلال هذا التحقيق الذى يستطلع آراء كثيرين ممن يتابعون التطورات عن كثب، ويشعرون بمدى انعكاساتها على البلاد.
قبل الدخول فى الموضوع، من المهم الإشارة إلى أن كل المتحدثين فى هذا التحقيق، أكدوا على أنهم ليسوا ضد الإسلام كدين ولكنهم ضد ممارسات متطرفة تسعى جماعات معينة إلى فرضها على النظام التعليمى فى فرنسا، وترفض الاندماج فى المجتمع، وتعمل على زعزعة استقرار المؤسسة التعليمية، كما أشاروا إلى أن الطبيعى هو احترام القرارات المتعلقة بالمؤسسات التعليمية حبث تحظر إرتداء أية إشارات دينية ترمز لأى دين من الأديان. وفى هذا الإطار، فإن حظر الحجاب داخل المدارس هو قرار يلتزم بالقوانين الفرنسية ولا يمس من قريب أو بعيد حرية العبادة.
تواصل فرنسا حشدها لمحاربة الإرهاب جنبًا إلى جنب شركائها الـ٨٥ فى إطار التحالف الدولى ضد تنظيمى «داعش» و«القاعدة»، وتواجه فرنسا تهديدًا كبيرًا ومكثفًا من عدة جهات داخلية، خاصة تلك الجهات التى تتأثر بشكل خاص من الدعاية الجهادية المستمرة.
هذا التهديد أيقظ فرنسا على الأخطار التى يمثلها الإسلاميون المتعصبون، خاصةً بعد مقتلالمدرس الفرنسى صمويل باتى؛ فهناك عشرات التقارير ولجان التحقيق فى البرلمان فى غرفتيه «الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ»، تحقق فى جميع المصادر والشبكات الإسلامية على أراضيها، إضافة إلى استفسار رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، حول «الانفصالية»، والتى قد تعد فرصة مزدوجة للتشكيك فى حركة الإخوان المسلمين؛ ما جذور هذه الظاهرة الانفصالية وأهدافها واستراتيجيتها؟ وكيف نتعامل معها؟
بدأت رياح العاصفة تهب على شبكات الإخوان المسلمين فى فرنسا؛ حيث تم فتح تحقيق أولى، من قبل مكتب المدعى العام فى بوبينى، فى تهم خيانة الأمانة وإخفاء خيانة الأمانة، وقد استهدفت هذه التهم إدارة معهد الدراسات فى العلوم الإنسانية «IESH» الواقع فى سان دونى، والمشتبه فى أنه أحد معاقل الإخوان فى فرنسا.
وتقوم المؤسسة الخاصة بتدريس اللغة العربية، ويؤكد محام مقرب من الأوساط الإسلامية، أن غير المسلمين يرتادون تلك المؤسسة أيضًا، من أجل مميزات التدريب، حيث يوجد نظام معادلات إلى جانب التعليم الوطنى، والذى يسمح لخريجى المعهد بالقبول فى الجامعة، كما يقدم أيضًا دورات فى الدراسات اللاهوتية والقرآنية.
لكن يمكن تقسيم التطرف الإسلامى إلى فرعين رئيسيين؛ هما: الراديكالية العنيفة والجهادية، وسلاحها الرئيسى هو الهجمات، والراديكالية «المنهجية» التى تعارض اندماج أولئك الذين يؤمنون بالدين الإسلامى فى الجمهورية، وينتمى الإخوان المسلمون إلى هذا الفرع الثانى، وهو أقل وضوحًا للجمهور، ومع ذلك فهو فعال للغاية، لأنه يعتمد على عقيدة تاريخية واستراتيجية عالمية ووسائل مالية قوية، ولذلك وُلد مذهب «الإخوان» على عكس النموذج الثقافى والمجتمعى الغربى.
وبإلقاء نظرة على شعار الحركة، «المصحف والسيفين المتقاطعين»، فهى دعوة إلى القتال، خاصة إذا أضفنا إليها ترجمة النص الذى يظهر هناك: «جهز نفسك بالنهضة الإسلامية، ضد التأثير العلمانى الغربى، والتقليد الأعمى للنموذج الأوروبي».
المدارس العامة هى موضوع هجوم سياسى جديد مخطط ومرتب، تنظمه شبكات إسلامية.
ومنذ بداية العام الدراسى الجديد، انتشرت ظاهرة ارتداء الرموز الدينية «العبايات أو القميص الطويل» بالإضافة إلى محاولات الصلاة فى مبانى المدرسة مما أثر على بعض الطلاب، وتم نشر ذلك على شبكات التواصل الاجتماعى، مما أدى إلى تحديات تتعارض بشكل صريح مع قانون التعليم، الذى يحظر السلوكيات التى تشكل ضغطًا على معتقدات الطلاب أو محاولات تلقينهم فى المدارس العامة والمؤسسات التعليمية العامة المحلية، فى محيطهم المباشر وأثناء أى نشاط متعلق بالتعليم، ويتعلق هذا النص بكل الأديان وليس الدين الإسلامى فقط، فلا يجوز إظهار أى علامة تمييزية لأى دين من الأديان.
لقد طورت التيارات الإسلامية القادمة من دول أخرى فى أوروبا إسلامًا نشطًا للغاية حيث ركزت تلك التيارات الإسلامية على تعزيز الروابط المجتمعية، وتم تطوير أعمالها على ثلاثة محاور: إنشاء المساجد، والتعليم مع إعادة تأكيد القيم التقليدية المشوبة بالخلافة، والمجتمع والمدارس، بحسب تقرير الإدارة العالم للأمن الفرنسى الداخلى «DGSI».
وفى ٢٠١٨؛ كانت أكبر مدرسة خاصة فى محافظة سافوا إسلامية، تقع فى مدينة ألبرفيل التى كانت حتى ذلك الحين مشهورة عالميًا باستضافتها دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى فبراير ١٩٩٢، ولكن منذ أبريل ٢٠٢١، وجدت المدينة الصغيرة التى يبلغ عدد سكانها ١٩٤٥٣ نسمة، للأسف، نفسها فى دائرة الضوء مجددًا، حيث صدر قرار من المحكمة الإدارية فى جرونوبل باستدعاء عمدة ألبرفيل لإصداره رخصة بناء للاتحاد الإسلامى ميلو جوروس «CIMG» الذى سمح لهم ببناء مدرسة إسلامية.
وتحدث جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، عن جماعة الإخوان المسلمين؛ معتبرًا أن شبكتهم لا تقل خطورة عن السلفية. كما أعربت السيناتور جاكلين يوستاش برينيو، مقرر لجنة مجلس الشيوخ عن ذلك، وقالت إن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى فرض وجهات نظرها من خلال شبكات الجمعيات، من خلال السعى للحصول على اعتراف السلطات العامة والدخول فى القوائم المقدمة فى الانتخابات البلدية كما أظهرت الانتخابات البلدية لعام ٢٠٢٠، وأضافت: «إنهم يسعون إلى زعزعة استقرار مجتمعنا، والحصول على الاعتراف بالحق فى تنظيم حياة أتباع العقيدة الإسلامية. الحقيقة واضحة. استراتيجية الانفصال تعمل فى الظلام».
مجموعات المدارس «CIMG» والتبشير السياسى والدينى
ينبع خطر المدارس الخاصة غير المتعاقد عليها والتى لا تمولها الدولة الفرنسية من ضعف الإشراف عليها وتعتبر الضوابط الإدارية غير فعالة للأسف. لديهم الحرية الكاملة فى تنظيمهم، وبالتالى يمكن لمديرى المدارس أن يبتعدوا عن المناهج الرسمية ويقدمون دروسًا من المحتمل أن تُلقن الطلاب عقائدًا وتعرض اندماجهم فى المجتمع للخطر. تنقل المناهج والكتب المدرسية التبشير السياسى والدينى لأنقرة.
فى الواقع، يتم تمويل هذه المدارس غير التعاقدية مجانًا من خلال الرسوم الدراسية التى يدفعها آباء التلاميذ أو التبرعات أو الأموال الأجنبية، ولا تخضع لقواعد البرنامج المدرسى ولا تعترف بها الدولة «هى لا تصدر أى دبلوم وطني». كل هذا يعنى أن أولياء أمور الطلاب الذين يشعرون أن البرامج الرسمية التى تلتزم بها المدارس العامة والخاصة بموجب عقد ليست مناسبة لأطفالهم لأسباب دينية أو فلسفية أو لأسباب أخرى، يمكنهم اختيار مدرسة بدون عقد، والتى تكون أكثر امتثالًا لمعتقداتهم.
بالإضافة إلى جماعة الإخوان؛ تمتلك هذه المدارس أيضًا تاريخًا سياسيًا دينيًا محافظًا للغاية، متمثلًا فى رفض الغرب، ورفض أى شكل من أشكال العلمانية. كما أن تشددها الإسلامى لا ينفصل عن التجسد السياسى والاجتماعى والدينى.
وصرح وزير الداخلية الفرنسى، بأن الاتحاد الإسلامى «ميلى جورس» هو أحد أعداء فرنسا، وأن المدارس غير التعاقدية هى وكيل سرى لدولة أخرى، ومنذ رفضها التوقيع على ميثاق مبادئ الإسلام فى فرنسا فى أوائل أبريل حيث تعهد الموقعون بمحاربة الإسلام السياسى وضد التدخل الأجنبى بررت مؤسسة «ميلى جروس» ذلك بان الميثاق كان غامضًا ويوضح تدخل السياسات فى الدين.
مع وجود شتات كبير ومتزايد، يريد قائد إحدى الدول أن يكون فاتحًا فى أوروبا. يلعب التبشير الذى يتم تنظيمه من الخارج دورًا واضحًا فى إضعاف اندماج المواطنين فى فرنسا. لم يعد هؤلاء يخفون رغبتهم فى حكم الإسلام فى فرنسا، ومعركتهم تمر عبر التعليم بشكل خاص.
وينجم خطر الهياكل التعليمية المرتبطة بهذه الشبكات قبل كل شيء فى محتوى تعليمها، وهو ما لا يتوافق مع المبادئ الجمهورية الفرنسية. تتكون هذه الهياكل بشكل أساسى من مدارس إسلامية خاصة ومدارس قرآنية ومؤسسات تعليمية عبر الإنترنت.
فى ضوء ما سبق؛ فان موقع «لو ديالوج» يهتم بعرض تحليلات المتخصصين حول هذا الموضوع. ويخبرنا سيباستيان بيرجيه، أستاذ العلوم الفيزيائية والكيميائية قائلًا: «ما أعرفه عن هذا الموضوع، هناك مدرسة إسلامية سيتم بناؤها فى ألبرتفيل، وأنا لا أمانع إذا كانت مدرسة خاصة بموجب عقد تحترم قيم الجمهورية والعلمانية والبرنامج التعليمى الفرنسى. لدينا مدارس يهودية بموجب عقد ويبدو أنها تسير بشكل جيد نسبيًا».
من ناحية أخرى، يؤكد «بيرجيه»: «إذا لم تعمل هذه المدارس وفق قانون واضح، فإن ذلك يترك الباب مفتوحًا أمام التبشير السياسى والدينى ويميل إلى إنكار قيم النظام التعليمى الفرنسى أثناء تواجده على الأراضى الفرنسية وسيكون ذلك أكثر إزعاجًا».
فيما يؤكد جان بيير ساج، أستاذ علم النفس فى جامعة السوربون، أنه غير متفائل وأن التهديدات خطيرة ومتعددة، ويقول: «أعتقد أن تطور الأحداث فى العالم الإسلامى، ومأزق الحرب فى أفغانستان، وهشاشة الديمقراطية الباكستانية، والتوترات التى لا تتحسن بين إسرائيل وإيران، وبالطبع الربيع العربى أكد لى أهمية مناقشة هذا الموضوع، لمنحه أدوات الفهم التى يوفرها علم النفس الحديث والملتزم بشأن هذه القضايا الحساسة. إذ أن مخاطر الحرب المقدسة النووية فى الشرق الأوسط تعطى الإلحاح لجميع هذه الأفكار».
ولهذا السبب أيضًا لا أتردد فى الحديث عن علم النفس المرضى لخطر الإسلام الراديكالى، وسيتبين أن لدى قائمة طويلة من الحجج المتماسكة فى هذا الاتجاه. أعتقد أيضًا أن السكان من أصل مسلم فى أوروبا لديهم فرصة لاكتشاف قصر معتقداتهم الدينية على المجال الخاص. لا أعتقد أنه يجب تشجيع تطوير الإسلام السياسى فى أوروبا، فهو سيخلق فقط قائمة طويلة من المشاكل الخاطئة، والتى لدينا بالفعل عينة منها حتى الآن.
ويضيف أستاذ علم النفس فى «السوربون»: «يكرر رجال الدين أن الإيمان يجلب الخلاص، لكن الحداثة تقول فى المقابل إن الشك مفيد. هذه العقلية جديدة جدًا لمعظم المهاجرين القادمين من البلدان الإسلامية التقليدية. من وجهة نظرى الشخصية، أعتقد أن البشر مدعوون لتجربة المطلق، اذ يجب تسليط الضوء بوضوح على آليات علم أمراض العنف التى تحركهم»، ويتابع قائلًا: «لكن التربية المدنية والجمهورية والعلمانية والأخلاقية هى وحدها القادرة على تحسين الأمور، وحتى تعليم العلوم».
غالب بن شيخ، عالم إسلامى فرنسى جزائرى وفيلسوف ورئيس مؤسسة الإسلام فى فرنسا، يخبرنا بأنه فى الواقع، هناك تسلل حقيقى ولكنه محصور من قبل الإخوان المسلمين والإسلاميين فى نظام التعليم الفرنسى، لأنهم يعتبرون التربية الوطنية معركة يجب كسبها، ولن يفعلوا ذلك فقط فى فرنسا؛ لكن فى كل مكان حيث يريدون الوصول إلى إدارة الشئون فى المدينة، حيث يريدون السلطة، لذلك بالنسبة للوضع الفرنسى، يجب كسب معركة المدرسة والتعليم.
وأضاف «بن شيخ»: «أنا شخصيًا أتذكر أنه كانت هناك مؤسسات يقودها الإخوان المسلمون مستعدة لفعل كل شيء حتى يتمكن الأطفال، وبعضهم كانوا صغارًا جدًا، من الذهاب إلى مدرسة بارتداء نقاب أو حجاب، ولكن فى مواجهة صلابة الدولة الفرنسية والرأى العام واتباع التشريع الذى هو فى حد ذاته نتيجة لجنة ستاسى التى أنشأها الرئيس جاك شيراك، نجد أنفسنا مع هذا القانون الذى لا يقبله الإسلاميون حتى الآن».
نيكولا بو، الصحفى ومؤسس مجلة «موند أفريقيا»، يقدم لنا تحليله هنا قائلًا: «الإخوان المسلمون موجودون منذ سنوات فى فرنسا، وتحديدًا ضمن بعض الجمعيات الإسلامية فى فرنسا، هناك حركة مخلصة للغاية للإخوان المسلمين يجسدها طارق رمضان الذى كان مرتبطًا جدًا بالقوى الخارجية، وهناك العديد من الإسلاميين الذين هم ليس إخوانًا مسلمين ولكنهم يريدون تطبيق الإسلام الأصولى فى فرنسا، ولم يعودوا يعتمدون على الأشقاء المسلمين أو الدول الخارجية».
وتابع: «هناك تيار إسلامى منتشر وقوى لكننى لن أقول إن الإخوان المسلمين كانوا قادرين على التسلل إلى مؤسساتنا فى عالم التعليم الفرنسى، أو أى مؤسسات دينية أخرى؛ بالتأكيد ليس على مستوى المعلمين لأن نظام المدرسين فى فرنسا علمانى للغاية وهو متين ومستقر ويحترم القيم الجمهورية ولم يعد التعيين يتم من خلال القنوات المعتادة، خاصة أن هناك سيطرة عالية على مستوى أعضاء هيئة التدريس؛ لذلك لا يستطيع الإخوان المسلمون الوصول إلى نظامنا التربوى الوطنى، ولكن من خلال الجمعيات والمساجد».
أما ماجد نعمة، الصحفى والكاتب السورى ورئيس تحرير مجلة «أفريقيا آسيا»، يعبر بكل أسف عن تسلل الإخوان والإسلاميين فى نظام التعليم الفرنسى، قائلًا: «نتذكر كيف رحبنا بالأشخاص العقائديين الذين سهلوا تسلل الإخوان إلى فرنسا بإنشاء مساجد ومدارس خاصة حيث كانت العقيدة الرسمية فى فرنسا هى السماح للإسلاميين بالوصول إلى السلطة فى الدول العربية بحجة أنهم أكثر عددًا».
وتابع: «هذه هى الديمقراطية! حتى وقوع هجمات عام ٢٠١٥ التى شلت فرنسا، كان هناك تصعيد، وحاليًا نحن نطارد الإخوان المسلمين فى فرنسا وأوروبا، لكن حتى الآن لم نُصدر مرسومًا بأن الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، يجب أن يحدث هذا فلقد اخترقوا المساجد والجمعيات والمدارس والجامعات».
وكان طارق رمضان طالبًا ثم مدرسًا فهو حفيد حسن البنا مؤسس الإخوان، لكن لحسن الحظ فى فرنسا هناك يقظة حاليًا لأنهم أدركوا أخيرًا أن كل هذا لا يعد أساسا ديمقراطية بل يمكن أن يزعزع ذلك استقرار الدولة الفرنسية. النقطة الإيجابية فى هذا الموضوع هو أن الدول التى مولت الإخوان لم تعد تمولهم، ربما فهموا أن مصالحهم باتت على المحك.
ويقول «سيرفان»، إن الإخوان المسلمين والإسلاموية فى نظام التعليم فى فرنسا أمر يجب تجنبه ولا يجوز فى نظامنا التعليمى قبول الأصوليين الذين يدافعون عن الشريعة الإسلامية، كما أن قانون الانفصالية فى نظرى لا يتم تطبيقه على الإطلاق.
أما جان، ضابط فى الحماية المدنية يكشف لنا عن غضبه بقوله: «نعم إنه موضوع حقيقى، هناك محاولات لأسلمة فرنسا بتواطؤ الحكومة وبعض اليسار الفوضوى المناهض للفرنسيين الذين يريدون إفقار بلادنا مثل الولايات المتحدة».
بالنسبة لبسام طحان فهو عربى فرنسى سورى، وهو عالم إسلامى وسياسى ومدرس وكاتب ومتخصص فى القضايا الدولية، يقول لنا: «صحيح أن الميول الإسلامية تحاول التسلل إلى النظام التعليمى الفرنسى على جميع المستويات، ليس فقط النظام الوطنى والمدرسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية فحسب، بل الجامعات أيضًا.
ويتابع: «قبل الحديث عن الأساليب، النقطة الأولى، يجب أن نتحدث عن التمويل، فهؤلاء الأشخاص يتم تمويلهم إما من قبل التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، أو من قبل منظمات أخرى أو من قبل أفراد، غالبًا من بلدان معينة. الخليج. لذلك، طالما أننا لم نستنزف مصادر التمويل، فستكون هذه الحركة نشطة للغاية».
ويضيف: «النقطة الثانية، الأساليب التى يستخدمونها، إما بالعودة إلى المشكلة الأبدية للحجاب أو غير ذلك من أنماط الملابس الخفية التى تدعى الهوية الإسلامية التى تعارض العلمانية، لقد تحدثت عن الجامعة فهناك ما يسمى بإسلاموية اليسار، وهذا يعنى أنه لا يزال هناك إسلاميون، وهذا واضح، وهناك أيضًا نقطة مهمة جدًا، وهى اللغات والثقافات الأصلية، أى حيث ترسل دول شمال أفريقيا معلمين إلى المدارس الابتدائية لتعليم اللغة العربية، حيث يتم تدريس اللغة العربية ولكن فى الحقيقة، ليست اللغة التى يتم تدريسها هناك فحسب، بل التعليم الإسلامى فى الضواحى من قبل أئمة مزيفين أو حقيقيين يقومون بتعليم الإسلام النقي».
جاك مارى بورجيه، صحفى وكاتب فرنسى كبير يشرح لنا، قائلًا: «لكى نفهم بشكل كامل تغلغل الإخوان المسلمين فى التعليم، يكفى أن نقرأ البيان الذى تقدمه منظمة الشاطيبى بنفسها». إليكم ما تعلنه على موقعها على الإنترنت: «الهدف من مركز شاطيبى (إيل دى فرانس) هو إعطاء الطالب مفاتيح الفهم اللازمة للإصلاح الفردى والنهج الصحيح للإسلام، ويقدم المركز دورات فى العلوم الإسلامية والقرآن واللغة العربية فى المساء وعطلات نهاية الأسبوع وتقدم هذه الدورات سواء بالحضور أو من خلال التعليم الإلكترونى عن بعد من خلال منصة التعلم (شاطيبي)، وأخيرًا، يقدم المركز أنشطة أخرى مثل المؤتمرات والندوات وورش العمل حول قضايا الساعة».
ويتابع: «لقد قيل كل شيء فى أربع كلمات (مفاتيح صحيحة للإسلام): هى بالضرورة نهج الإخوان المسلمين مع استبعاد أى قراءة أخرى للقرآن»، ويتابع: «معلم هذا المركز هو نبيل النصرى وهو مواطن فرنسى ولد فى لافال، تمكن من الحصول على الدكتوراه فى العلوم الإسلامية من جامعة إيكس أون بروفانس، بعد أن كان طالبًا فى الجامعة الإسلامية فى شاتو شينون. حتى وفاة القرضاوى، ويكرس وقته لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين فى فرنسا، خاصة فى مجال التدريب والتعليم»، وقال: «لقد عانيت فترة من التراجع عندما تحالفت مع شخصيات من اليمين المتطرف لمحاربة المدرسة العلمانية للجمهورية الفرنسية».
ويتابع: «فالتعليم، بل التلقين، هو الدافع الذى يجب التركيز عليه كى ينتصر الإخوان من خلال قيادتهم نحو ثقل سياسى لا مفر منه. على الأقل هذه هى الخطة. فى فرنسا، تضم منظمات الإخوان التى تعمل على الشباب حوالى عشرة من كبار الدعاة، من بينهم امرأة واحدة. غزوهم سهل لأنه فى فرنسا نجد أن الإخوان المسلمين لديهم صورة جماعة دينية خيرية معقولة، قادرة على قيادة أتباعها نحو السعادة الهادئة، ولا شك أن المشروع السياسى الذى يقف وراء تلك الجماعة والممر النهائى للجهاد هو دائمًا غير ظاهر».
ويذكر جاك مارى، أن الإخوان المسلمين ساعدوا طارق رمضان، باعتباره رمزًا إعلاميًا من وجهة نظرهم يصلح للمقابلات الإعلامية فهو يجسد العقل، والتسامح، والخير فى مواجهة الاعتدال، بينما أظهرت تسجيلات خطبه التى عقدت على انفراد العكس تمامًا. هذه الازدواجية ساندها البُلهاء مثل إيدوى بلينيل، مؤسس موقع «ميديابارت»، الذى لم يتردد فى التصريح أمام الكاميرا: «مع طارق سنبنى كيانًا مشتركًا، ثم حصل على جائزة مقدمة من الإخوان فى الخارج».
ويحدد جاك مارى، أن هذا هو أسلوب عمل الإخوان المسلمين لوضع أيديهم على الإسلام فى فرنسا، ومحاربة صعود السلطة الدينية فى جمهورية علمانية أمر صعب على كل من لا يريد أن يتهم بالعنصرية، لأن أفكار الجمهور الفرنسى العربى والإسلامى مشوشة.
كما يحلل جمال أبينا، المستشار الصحفى فى القضايا السياسية الدولية، وجهة نظره حول الموضوع بالقول: «أود أن أقول ببساطة إن أسطورة تسلل الإخوان المسلمين إلى نظام التعليم الفرنسى غالبًا ما يتم التذرع بها من أجل متابعة الهجوم على الوجود الإسلامى المرئى فى فرنسا. فى البداية، سيكون من الضرورى أولًا معرفة ما يسمى بمنظمات «الإخوان المسلمين»، والتى ستعمل فى فرنسا مع العلم أنه لا يوجد تمثيل رسمى أو سياسى لها. ثانيًا: ما هى وسيلة تأثير الإسلاميين على النظام التعليمى الفرنسى فى حين أن المنظمات الإسلامية الفرنسية على أرض الواقع ليس لها وزن على المستوى السياسى أو الاقتصادى وتقتصر على عدد قليل من الإجراءات الاجتماعية المحدودة فى الأحياء الأكثر حرمانًا.
ويتابع قائلًا، إن المناورة الفظة للعالم السياسى من أجل التخويف من التغلغل الإسلامى من شأنها أن تؤدى إلى زعزعة المبادئ الجمهورية والعلمانية الفرنسية، وتبقى الحقيقة أن الأطراف الأكثر راديكالية من اليمين واليمين المتطرف نجحت بخطاب علمانى كاذب، فى إضفاء الطابع الديمقراطى على الأفكار العنصرية التى لا تزال كامنة فى دوافعها الخفية، وبالتالى، فأنا لا أؤمن على الإطلاق بقدرة أى منظمة إسلامية على تحدى القوانين الجمهورية».
ويؤكد «جمال» أن كل هذا تم تخطيطه من وجهة نظر راديكالية هدفها الواضح هو الحفاظ على التوتر الاجتماعى والسياسى فى المنطقة الواقعة فى قبضة اليمين. أقولها وأكررها بشكل منهجى فى كل مداخلة؛ اليوم لا يوجد تأثير لأى منظمة إسلامية على نظام التعليم الفرنسى فالجمهورية تعرف كيف تدافع عن نفسها وتتخذ إجراءات قوية للغاية حيال من تعتبرهم أعداء.
طارق مامى، صحفى ومدير إذاعة فرنسا المغاربية ٢، وهى محطة إذاعية عامة ناطقة بالفرنسية، مشهورة أيضًا فى فرنسا لارتباطها بتحليلاتها لحالة الإسلام الفرنسى، الديانة الثانية من حيث العدد؛ مؤكدًا أن كل هذا يبين تبادل ثرى يعود، من جهة، إلى تاريخ المصطلح الجدلى «الإسلاموية» الذى يحل محل كلمة إسلام بالنسبة لكثير من الفرنسيين ويختزل الدين الإسلامى إلى دين طائفى غير متسامح ومتطرف وعنيف.
ومن ناحية أخرى، يكشف عن تواجد الإخوان المسلمين فى فرنسا ومحاولة استغلال تأثير وسائل الإعلام فى عملية دمج المواطنين الفرنسيين ذوى العقيدة أو الثقافة الإسلامية.
وحول تغلغل الإخوان والإسلاميين فى نظام التعليم فى فرنسا، أوضح أن هذا السؤال يفرض علينا أمرين: من ناحية، تعريف مصطلح الإسلاموية، ومن ناحية أخرى، مسألة اختراق الإخوان المسلمين المفترض فى نظام التعليم الفرنسى، وبشكل أعم، فى المؤسسات والمجتمع الفرنسى.
ويوضح أنه، فى الغرب، تاريخيًا، أطلق هيربولوت مصطلح الإسلاموية المرادف للدين الإسلامى الذى حل محل مصطلح الإسلام فى بداية القرن العشرين تحت تأثير أعمال المستشرقين. فى غضون ذلك، يستخدم فولتير مصطلح المحمدية. منذ الثمانينيات، أصبح مصطلح الإسلاموية مرادفًا للإسلام السياسى.
ويستكمل كلامه قائلًا: «إذا نظرنا إلى القواميس الفرنسية لاروس وروبرت، فإن كلمة الإسلاموية تعنى، حتى الربع الأخير من القرن العشرين، الإسلام»، وأشار إلى أن الدين الإسلامى ليس له أى دلالة وليس خطرًا على المجتمع الفرنسى. هكذا كان شائعًا بالنسبة للديانتين المسيحية واليهودية وفى ثمانينيات القرن الماضى، ربما فى أعقاب الثورة الإيرانية واستيلاء رجال الدين الشيعة على السلطة، عاد مصطلح الإسلاموية إلى وصفه الأصلي».
وفى مقال نشره الأكاديمى جان فرانسوا كليمان، تحت عنوان «من أجل فهم الحركات الإسلامية»، أراد أن يميز بين مصطلحى الإسلام كدين والإسلاموية كحركة سياسية ذات دلالة دينية وكان المقصود من المصطلح الأول تسمية الدين الإسلامى، وهو المصطلح الثانى الذى يشير إلى الفكر السياسى الطائفى الذى تم بناؤه فى أيديولوجية متطرفة على أساس قراءة غير متسامحة للنص القرآنى.
أما مراد الحطاب، كاتب مقالات فرنسى ومستشار فى الهندسة المالية والذكاء الاقتصادى، يخبرنا أن هذه قصة قديمة، لكن المسئولية عنها تقع بوضوح على عدم كفاءة الطبقة السياسية التى تدعى أنها تحكم فرنسا، لكنها خانت فرنسا لسنوات ويوضح أن هناك شبكات وحتى مدارس خاصة اخترقها الجهاديون فى فرنسا منذ سنوات؛ لكن المثير للاهتمام هو الطريقة التى سُمح بها بشكل مصطنع لاكتساب هذه القوة. بينما تم استنكار هذه المشكلة من قبل المخابرات الداخلية الفرنسية منذ عقود، هنا نتذكر أيضًا أن فرنسا كانت الدولة الغربية الأولى التى شجبت الإبداع المصطنع للجهاد من قبل البريطانيين، منذ عام ١٩٣٠.