رغم روحانيات شهر رمضان الكريم، إلا أننا لا ننكر أن الطعام له مكان قوي في هذا التوقيت من العام، وتتفن البيوت في إعداده بمختلف الأشكال والأنواع والأساليب، وتساوي في هذا كل الأسر مهما اختلف مستواها المادي، حيث تتفق جميعها علي فكرة إعداد الطعام وتقديمه بشكل جميل.
وقد اهتمت الحضارة الإسلامية بالمطبخ، من حيث استخدام أدوات طهي متعددة، أو إضافة أصناف مأكولات ومشروبات جديدة، ويشهد بذلك التنوع الكبير الذي تميز به الطعام بمصر وتركيا خلال العصر العثماني، وتبرهن هذه التحف علي ما أحرزه المسلمون من تقدم في الحياة الاجتماعية والإلمام بفن التعامل وما يشمله من قواعد المأكل والملبس وغيرهما من العادات اليومية أو ما يسمي حاليا بفن الإتيكيت.
ولمن لا يعرف زرياب فهو أحد أشهر الموسيقيين في التاريخ الإسلامي بالأندلس، وقد يسأل أحد ما عن علاقة هذا الرجل بما نتحدث عنه من فن تقديم الطعام"إيتكيت"، ونقول لهم إن زرياب هو من نقل الي أوروبا لأول مرة العديد من مظاهر الرقي والتمدن في مظاهر المأكل والمشرب وغيرها من مظاهر الحياة.
سألنا د. سامح فكر البنا أستاذ الآثار والفنون الإسلامية ورئيس قسم الآثار بكلية الآداب جامعة أسيوط عن رأيه فيما تقدم، ورد قائلا:هذا صحيح تماما، ويشهد عليه كم التحف التطبيقية التى ترجع للعصور الإسلامية وتمتلىء بها المتاحف العالمية، من معالق وأطباق وعامود للطعام وقطع للنسيج، والتى كانت تفرش بها موائد الطعام، وكذلك أباريق لغسل الأيادى قبل وبعد تناول الطعام، وكل تلك الأشياء تعد من الأساليب الحديثة "الإتيكيت"في آداب تناول الطعام.
وأكمل البنا قائلا: فضلا عن غسيل الأيادى قبل وبعد تناول الطعام هناك من آداب الطعام الكثير في الحضارة الإسلامية، مثل أن تسمى الله سبحانه وتعالى قبل الأكل وأن تحمده بعد الأكل وأن تتناول الطعام من أمامك، ويمكن القول باختصار إن آداب الطعام وكذلك الأدوات التى كان يستخدمها المسلمون منذ أكثر من ١٣٠٠ سنة ينعكس صداها على كثير من الأدوات الحديثة وعلى كثير من آداب الطعام التى يستخدمها الأوروبيون فى العصور الحديثة.
وأشار إلي نقطة غاية في الأهمية، قائلا: أوصى رسولنا الكريم"محمد صلي الله عليه وسلم" فى كثير من أحاديثه وأقواله عن آداب الطعام وتناوله بطريقة صحية لضمان استفادة الجسم منه، كذلك منعنا القرآن والرسول الكريم من بعض الأطعمة، وذلك لكى لا تتلف صحة الإنسان ولا تتأثر بأي ضرر من هذه الأطعمة.
وأضاف: ورد فى القرآن الكريم عدم أكل الميتة ولحم الخنزير، كما امتلأت الحضارة الإسلامية بوظائف خاصة بموائد الطعام والشراب، فنجد فى مصر إبان العصر المملوكى وظيفة الساقى دار، وكذلك وظيفة الجاشنكير في عصر المماليك "المشرف علي شئون المطبخ..الشخص الذي يتذوق طعام الملك للتأكد من خلوه من السم"، مما يدل ويبرهن على مدى ما أولته الحضارة الإسلامية للوظائف المرتبطة بالطعام والشراب.