دعوة للانسلاخ التام عن الماضى وقتل «العدو» حتى لو كان «ابن العم»
الجهاد عمل إرهابى يحمل المشروع السياسى لإقامة دولة إسلامية وليس مجرد رد فعل
من المدهش أن نرى أن الجهاديين يتخذون لقب «أبو»، مما يعنى «أب (فلان)»، فى حين أن استخدام اللغة العربية يتطلب أن يُدعى أحدهم «ابن (فلان)».
هناك أربعة أسباب رئيسية لذلك، حسب التجربة التى مررتُ بها:
على المرشح للجهاد أن يمسح ماضيه بشكل نظيف، فيبدأ بطريقة تسمية نفسه وهذا أيضًا أحد الأسئلة الأولى التى تُطرح على المتطوع الجهادى عند انضمامه إلى جماعة: «ماذا تريد أن تُدعى؟.. وهذا كله يسبق «البيعة» التى تعبر عن يمين الولاء لأمير الجماعة.
إنها طريقة لإظهار عدم الرضا عن الأب الحقيقى، الذى إذا لم يكن جهاديًا، فسيكون بالضرورة «رقيقًا» أو «محبًا» للإسلام. بطريقة غير مستحبة، إنها مسألة لم تعد تسليط الضوء على صلة الدم بين الأفراد. فى الواقع، عندما تقول إنك ابن فلان ابن فلان ابن فلان، بعد فترة، إذا كان الشخص الذى أمامك له نفس النسب بعد أربعة أجيال على سبيل المثال، فهذا يعنى أن لديك علاقة عائلية.. بالفعل هذه هى العلاقة التى يجب قطعها حتى لو كانت علاقة قرابة مثل ابن العم، فإذا وجد هذا القريب فى المعسكر المعادى فلن نأسف فى حال القضاء عليه!.
هناك جانب نفسى للتعامل مع هذا التناقض، وفى الواقع، بالنسبة للجهادى، ليس هناك أجر أعظم من الموت كشهيد. لكن حقيقة لقب «أب» تجعل من الممكن التحقق من أن الأيديولوجية (ومشروع الخلافة) سيبقى مستمرًا وخالدًا فى ظل من يضحى من أجل بقائه. إنها طريقة لتكون جزءًا من المسيرة الطويلة خاصة أن العمر غالبًا ما يكون قصيرًا فى منطقة الجهاد.
الإشارة الرابعة لاستخدام هذا اللقب هو التأكيد على استعداد الشخص التضحية بابنه الأكبر، ومن يليه من أخوته من أجل خدمة هذه القضية.
العنصر النهائى يكمل اللقب. لدينا فى البداية «أبو»، ثم الاسم الأول للإبن الأول، وأخيرًا الأصل الجغرافى.. على سبيل المثال، إذا كان لدينا مرشح يدعى ابنه عمر، وولد فى اليمن، ستكون كنيته حينها «أبو عمر اليمنى». قد يبدو أن هذا يتعارض مع النقطة الأولى التى ذكرناها فى البداية، والتى توضح أن الأمر يتعلق بإجراء تجاهل ومسح كامل للماضى إلا أن الغرض من استدعاء البلد أو المدينة الأصلية هو استدعاء الدعوة الدولية للجهاد، ولكن أيضًا وقبل كل شيء يجعل من الممكن إنشاء تسلسل هرمى. وهكذا، عندما يرى أمير وصول «أبو فلان البلجيكى» سيعرف أنه بالتأكيد سيكون لديه شخص أقل شراسة أو أضعف من «أبو فلان العراقى»... وهكذا.
يمكننا أن نرى أن كل شىء يتم التفكير فيه فى الجهاد، وأنه إذا كان طاقم العمليات يجعلنا نشعر بأننا بسطاء الذهن، فإن العقائديين والمفكرين فى هذه العقيدة بعيدين عن ذلك.. إنه جزء من «كعب أخيل» بالنسبة للغربيين الذين يعتقدون أن الجهاد ليس سوى رد فعل على التدخلات العسكرية الكارثية فى العراق وأفغانستان وليبيا، خاصة أننا نأخذ هذه الدول الثلاثة على سبيل المثال لا الحصر.
فى الواقع، وحتى لو كانت النتيجة النهائية للتدخلات المذكورة أعلاه ستؤدى إلى زيادة الجهاد، فإن الجهاديين هم بالفعل مؤمنون بالعمل الهيكلى، وليسوا فقط مجرد رد الفعل على الوضع الاقتصادى.
الجهاد ليس رد فعل قط، بل هو قبل كل شىء عمل يحمل المشروع السياسى لإقامة دولة إسلامية ويتضح هذا من «التشريح البسيط» للكنية التى يستخدمها الجهاديون، حسبما أوضحنا فى هذا المقال.
معلومات عن الكاتب:
ديفيد فالا، المولود عام 1971 فى فيلفونتين.. جهادى فرنسى تائب. اعتنق الإسلام فى شبابه، وقام بمحاولة فاشلة للانضمام إلى صفوف المجاهدين الأجانب الذين ذهبوا لدعم مسلمى البوسنة خلال حرب البوسنة والهرسك، ثم غادروا للتدريب فى معسكر جهادى فى أفغانستان. ولدى عودته، شكل خلية إسلامية وتم تفكيكها فى سياق هجمات عام 1995. وفى عام 1998، حكم على فالا بالسجن ست سنوات. خلال السنوات التى قضاها فى السجن، قرر الانفصال عن الأيديولوجية الإسلامية ثم عاود الاندماج فى المجتمع الفرنسى. فى عام 2010، قرر الخروج من الصمت للإدلاء بشهادته حول تجربته.. ينضم، هذا العدد، للحوار ويشارك بأول مقال له فى موقع «لو ديالوج».
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: