أصوات مطارق الحدادين تتطرق إلى الأذهان في كل مكان، الكل يهرول هنا وهناك، كل منهم يسعى إلى إنجاز مهامه التي يجني من وخلالها قوت يومه، ففي المنطقة الشعبية القديمة التي تقع في منطقة وسط البلد، يجلس علي سعد الرجل الخمسيني رفقة عددا من الرجال المهنيين، يواصلون صناعة "الشيشة" في تلك الورشة القديمة التي مر على إنشائها العديد من السنوات، والتي كانت شاهدة على أيام السمان والعجاف أيضا في قصة هذا الرجل.
تعد "الشيشة" من الأشياء الترفيهة التي يتناولها العديد من المصريين على المقاهي، لذا اعتمد والد علي وجده على تصنيعها منذ أكثر من سبعين عاما، لذا كانت الورشة التي تقع في منطقة الجمالية أهم الأماكن التي قضى فيها الرجل الخمسيني طفولته، وشرب فيها فنون المهنة الفريدة التي تحتاج إلى دقة عالية.
يقول علي سعد إن تصنيع "الشيشة" تمر بمراحل عدة، تبدأ من المخرطة التي تقطع فيها الحديد، ومن ثم تدويرها وتشكيلها بالأشكال التي يتم تصميمها من قبل، ثم بعد ذلك التلميع ووصولها إلى المرحلة النهائية، ولكن تختلف صناعة الشيشة من عصر لأخر، فقد كانت في البداية تصنع من النحاس ثم الاستلس، ثم وصلت إلى الكروم وهو أقل الأنواع من حيث الجودة، وذلك بسب ارتفاع الأسعار الشديد في أسعار النحاس، لأن المشتري يبحث عن الأشياء الرخيصة أو التي تكون في المتناول.
يضيف الرجل الخمسيني، إن هذه المهنة تعاني من العديد من المخاطر ولعل أهمها هي التي تأتي من ناحية الخامة، فكلما كانت الخامة المستعملة في التصنيع جيدة كلما كانت الأمر أمنا وسهلا، ولكن إذا كانت العكس فهذا يترتب عليه العديد من المخاطر التي يقع في شباكها الصنايعي.
وأشار علي سعد أن تصنيع الشيشة موحد في كل مكان، ولكن الاختلاف الوحيد هو في الخامة نفسها، فالنحاس له صنايعية مخصصين والكروم له أشخاص أخرين، وعلى الرغم من وجود الشيشة في كل العصور السالفة ولا زالت محتفظة بمكانتها، إلا أن إقبال المتعلمين عليها بد قليلا للغاية، الأمر الذي ينبأ باتجاه هذه المهنة إلى الانقراض، ويعتبر فصل الصيف هو بداية موسم هذه المهنة في تصنيع الشيشة، وذلك بسبب إقبال المواطنين على الجلوس على المقاهي، إلا أن فترة أزمة كورنا ستظل عالقة في ذهن الرجل الخمسيني، بسبب قلة العمل التي كان يعاني منها العمال، وذلك بسبب وقوفها عن العمل.