نقترب من شهر رمضان المكرم والتهنئة واجبة كل عام والشعب المصرى بألف خير، كل عام وعاداتنا المتوارثة فى نمو وترتيب وتطور، ولعل أهم هذه العادات دعوات الإفطار العائلية التى ننسى فيها مؤقتا مطاردات السوشيال ميديا وفواتير الكهرباء.
يأتى الشهر المكرم بينما نقرأ كل صباح عن مشكلات تواجهنا فى توفير الأرز وارتفاع أسعار الدجاج وارتباك فى سوق الأسماك هذه الحالة ليست بعيدة عن ذهن وتفكير الحكومة المصرية وقد وضعت عدة استراتيجيات للمواجهة، ولكن دائما تصطدم تلك الخطط الحكومية بصخرة الواقع المرتبط بعشوائية السوق وخداع التجار المتكرر، فضلا عن سلوك بائس لدى البعض حيث عشق الاحتكار مع زيادة غير طبيعية فى عدد السكان.
أكتب الصورة كاملة عن كل الأطراف حتى نعرف أين تقف أقدامنا، كى نفكر معا بصوت مسموع عن حلول تصل بنا إلى التوازن المطلوب لتوفير السلعة ووصولها إلى مستحقيها مع عدالة فى التسعير.
أغلب ظنى هو أن الاجتهاد فى إيجاد الحلول حتى لو كانت بدائية من أجل تخفيف الاحتقان حق مشروع بل واجب على كل مشتغل فى العمل العام، لذلك أتمنى ألا يشمر البعض عن ساعديه ملوحا بالرفض قبل إعمال العقل فيما يذهب إليه المجتهدون.
نحن فى اقتراحنا لا نخترع العجلة لأننا نذهب مباشرة إلى ضرورة إحياء وتنشيط ودعم وظيفة الاتحاد التعاونى الاستهلاكى باعتباره السند الأكثر ضمانة لكل الأطراف سواء منتج أو مورد أو مستهلك مع إخضاع المنظومة لرقابة صارمة حتى لو استدعى الأمر تأسيس رقابة شعبية موازية لرقابة الأجهزة الحكومية.
الأمر لم يعد ترفا وما نتابعه يوميا من تصريحات كبار التجار فى صناعة الدواجن على سبيل المثال لا يبعث الرسالة المطلوبة كى يطمئن المواطن محدود الدخل الذى لا يتمتع طوال الأسبوع إلا بدجاجة يلتف حولها مع أسرته.
لا أريد تبسيط الأمر وكأن اقتحام الملف التعاونى أمرا سهلا أعرف أن معوقات كثيرة سوف تقف فى طريق تنشيط ذلك الاتجاه منها ما هو قانونى أو بيروقراطى أو تمويلى ولكننى أعتبر أن التعاون الاستهلاكى مجرد حل واحد من عشرات الحلول التى تسعى الحكومة جاهدة للوصول إليها.
وقبل أن يرد البعض بعد أن يهرش فى ذاكرته ويشير لى عن مرارة طوابير الجمعية التى شهدناها صغارا.. أقول أن نظام الجمعية التعاونية ليس قاصرا على الدول التى تواجه مشكلة مثل مشكلتنا ولكنه موجود فى المجتمعات المعروف عنها الوفرة واليسر.. رأيت ذلك بعينى فى أبوظبى ودبى والكويت.. الجمعية هناك منفذ رئيسى لتوفير السلع إبتداء من كيس الملح وصولا للسلع المعمرة.
علينا الاستفادة من الأزمة بالتحرك خطوة فى اتجاه ضبط عشوائية السوق وضرب الحلقات التى لا داعى لها والتى تتسبب فى رفع سعر المنتج، ورب ضارة نافعة، مصر لديها ثروة قومية هائلة من المنافذ الحكومية حوائط وأسقف وبوابات وموظفين اكتفت تلك المنافذ بصرف حصص التموين الشهري، تلك المنافذ يمكن حصرها وتطويرها والاستفادة منها بشكل أكبر من المتاح حاليا.
وإذا كانت تلك السلاسل واضحة ومعروفة العناوين للمستهلك العادى.. إلا أن هناك أيضا مئات أن لم يكن الآلاف من المنافذ الموجودة بالفعل داخل المؤسسات الحكومية، كنا نسمع عن الجمعية التعاونية للعاملين بالتربية والتعليم أو الصحة أو غيرهم.. أين ذهبت تلك الجمعيات ولماذا أغلقت معظمها؟.. إنها صمام الأمان طالما إدارتها منتخبة وخاضعة للرقابة.
كل ذلك يحتاج بشكل مواز إلى مراجعة ثقافة المستهلك التى تغيرت كثيرا وراحت تلهث وراء المولات والبرندات والأضواء والدعاية الكاذبة هنا جزء من الأزمة نعترف به.. وطالما لا حلول فى المدى المنظور لكبح جماح أسعار اللحوم والدواجن والأسماك لا أجد عيبا أبدا فى عودة سفن الدجاج المجمد وأسماك الماكريل واللحوم الوارد من أفريقيا كالصومالى أو السوداني.
أعود وأكرر الجمعية ليست ابتكارا من عندى.. بل أن ميكانيزم عملها قد تطور فى الخليج لدرجة أن سكان الحى تحولوا تدريجيا إلى مساهمين فيها كملاك تعود عليهم تلك المساهمة بالأرباح نهاية كل موسم.
الأفكار ملقاة على قارعة الطريق تنتظر من ينتشلها يزيح الغبار عنها يطورها ويقدمها للناس علاجا لأزمة لم تضرب مصر وحدها ولكنها ضربت الغرب قبلنا.