الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: توابع الزلزال السياسة فرقت بين الدول حتى فى معونات الإغاثة!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مسعود هانسر أحد رجال الإنقاذ لم يعد يهمه المطر والبرد.. جلس على كتلة إسمنتية وخلفه كتلة أخرى، شاردًا يمسك بيد يد ابنته إرماك (15 عامًا)، التى دفن جسدها تحت أنقاض مبنى منهار فى كهرمان ماراس بتركيا

 

كوارث البيئة والأوبئة تعلم البشرية أن التعاون بين الإنسان والطبيعة يبدأ بالسلام بين الإنسان والإنسان

 

لم يفرق الزلزال بين سورى وتركى، ولا بين عربى وكردى، ولا بين رجل وامرأة أو طفل، كلهم أصابهم زلزال (عنتاب) أو زلزال سورية - تركيا. الدمار والخراب شمل ممتلكاتهم، ومنهم من قضى نحبه تحت الأنقاض، ومنهم من أصيب وكُتبت له الحياة من جديد. لكنهم باتوا يعرفون الآن مقدار ضعفهم جميعا، وأن غضب الطبيعة أو جائحة المرض لا تفرق بين الضحايا، ولا يعتبر الجنسية أو الديانة أو المذهب أو اللغة أو العقيدة السياسية معيارًا يختار به من يصيب ومن يتجنب. الزلزال لم يعترف أيضا بالحدود الفاصلة بين دولتين، ولا بخطوط التماس بين القوى المتصارعة فى شمال غرب سورية.

 

البشرية لم تتعلم بعد، كيف تقف كتفًا بكتف، ويدًا بيد فى مواجهة مخاطر الطبيعة والبيئة. وأشد ما يحزن هو أن تختار الحكومات لمن تقدم معونات الإغاثة بعد الزلزال، ومن تترك فى العراء للبرد والجوع والعطش، بدون رحمة أو أى مشاعر إنسانية. حكومات دول العالم لديها ما يشغلها عن الزلزال، دول حلف الأطلنطى مشغولة بحربها ضد روسيا فى أوكرانيا، وبقية دول العالم مشغولة بحماية مصالحها فى الشرق الأوسط، وحماية نفسها من عدوان الآخرين. وآخر ما يشغلها هو تقديم مساعدات رمزية إلى ضحايا الزلزال على أكثر تقدير. السياسة فرقت بين الناس الذين لم يفرق بينهم الزلزال. ووجد السياسيون لأنفسهم عشرات الأعذار لحجب المساعدات عن السوريين الذين أصبحوا ضحية مزدوجة للحرب بين الإنسان والإنسان والحرب بين الإنسان والطبيعة.

 

ليس مجرد واقعة كارثية

 

نحن لا ننظر إلى الزلزال على أنه مجرد حدث أو واقعة من الوقائع الكارثية، وإنما ننظر إليه فى سياق تاريخ علاقة البشرية بالطبيعة، تلك العلاقة التى استمرت على مر التاريخ علاقة صراع وعدوان، ترد عليه الطبيعة بطريقتها الخاصة. الطبيعة تصبر وتتحمل، لكنها فى لحظة مفاجئة تغضب. وهى عندما تغضب لا يقدر البشر على غضبها. أرى أمامى الآن على شاشة التليفزيون الترحيب الجارف بالزعيم الأوكرانى فلوديمير زيلينسكى فى داخل البرلمان البريطانى، يعكس صورة من صور الصراع بين الإنسان والإنسان. وأرى على الشاشة المجاورة لقطات لطفلة تطل برأسها من تحت ركام بناية هدمها الزلزال، ويدًا تمتد طلبًا للمساعدة، ومولودة عارية لايزال حبل المشيمة على بطنها مصبوغا بالدم المتجلط، وأفرادًا يجرون ويصرخون، طلبًا للمساعدة وإحضار سيارة نصف نقل لجمع جثث تم سحبها حالا من بين الركام. وفى ركن من المشهد نسوة ينتحبن بجوار جثث مرصوصة على الأرض ملفوفة بما توفر من ثياب أو أغطية. فجأة تصل شاحنة صغيرة محملة ببعض التبرعات الأهلية من الأغذية والأغطية والملابس الشتوية وعبوات مياه الشرب. عشرات من الناس انصرفوا إليها فجأة، تاركين وراءهم كل شيء طلبًا لعبوة مياه، أو لفافة خبز. فى خطابه أمام أعضاء البرلمان البريطانى، الرئيس الأوكرانى زيلنسكى يطلب بناء ما أسماه «تحالف الحرية»، أو تحالف الدبابات والصواريخ والطائرات المقاتلة، من أجل هزيمة روسيا، وتحقيق تغيير طال انتظاره فى تاريخ العالم على حد قوله.

 

لن ينتصر الإنسان على الطبيعة

 

نعم، البشرية تعلمت كيف تحارب نفسها، كيف يحارب بعضها البعض الآخر. وعلى التوازى مع حربها ضد نفسها تعلمت البشرية كيف تحارب الطبيعة، وكيف تعتدى عليها. وعلى الرغم من كوارث الطبيعة من حرائق كاليفورنيا، إلى فيضانات باكستان، ومجاعات القرن الأفريقى، وسخونة المناخ التى تهدد العالم كله، فإن البشرية لم تتعلم بعد كيف تتعاون مع الطبيعة، وكيف تعيش معها فى سلام. إن البشرية يجب أن تتعلم من تجربة الزلزال الأخير فى سوريا وتركيا إنها لا تستطيع أن تحارب الطبيعة وأن تنتصر عليها، وإن الطريق القويم للتعايش مع الطبيعة وتجنب غضبها هو التعاون معها.

 

.لقد تعلمت البشرية فى الحرب أن هناك من ينتصر، وأن جائزة المنتصر هى أن يستبد بالمهزوم. البشرية لم تعرف بعد أنها لن تنتصر على الطبيعة، وأنها هى التى تدفع الثمن. البشرية لم تستوعب بعد الدروس التى استخلصها هرمان كان Herman Kahn وأنتونى فاينرAnthony Wiener فى كتابهما المشترك «العالم فى عام ٢٠٠٠» الصادر عام ١٩٦٧، الذى قالا فيه إن البشرية انتقلت من مرحلة الصراع بين الإنسان والطبيعة، إلى مرحلة الصراع بين الإنسان والإنسان، لكن عليها أن تتعلم كيف تنتقل إلى «مرحلة التعاون بين الإنسان والطبيعة» من أجل إعادة إنتاج الحياة فى سلام. رغم ذلك فإن البشرية لاتزال تعيد إنتاج ثقافة الصراع بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والطبيعة، ولم تتعلم بعد كيف تنتقل إلى سلام بين شعوبها، من أجل التعاون مع الطبيعة، وهى لن تستطيع أن تقيم سلامًا مع الطبيعة قبل إقامة سلام مع نفسها.

 

نظام دولى لمواجهة الكوارث

 

إعادة تصويب مسار الحضارة البشرية يحتاج إلى السلام وليس إلى الحرب، يحتاج إلى سلام يمنح البشرية فسحة من التأمل لإحياء الأمل فى إنتاج غدٍ أفضل. وهى أصبحت الآن أحوج ما تكون إلى نظام دولى، يضمن أداء ثلاثة مهام عاجلة خلال مرحلة الانتقال من حضارة الحرب على البيئة إلى مرحلة التعاون معها. البشرية فى حاجة إلى نظام يضمن أولًا تأسيس آليات للإنذار المبكر من الكوارث الطبيعية والبيئية. ويضمن ثانيًا تصميم وإقامة آليات للتعاون المشترك، والتنسيق اللوجستى والمالى والصحى والغذائى، من أجل إزالة آثار هذه الكوارث فى حال وقوعها. ويضمن ثالثًا آليات عالمية على أسس القانون الدولى للوقاية من الكوارث والحد منها، ووضع ترتيبات لنظام طويل الأمد لإنهاء كافة سياسات العدوان على البيئة، وإقامة سلام دائم وتعاون بين الإنسان والطبيعة. وكما أنشأت الأمم المتحدة نظامًا لحفظ السلام، للتعامل مع مخلفات الصراع بين الإنسان والإنسان، فإنها فى حاجة أيضا إلى إنشاء نظام لحفظ السلام بين الإنسان والبيئة.

 

هذه مهمة أخطر وأطول مدى، ويجب أن تأخذها الأمم المتحدة مأخذ الجد على وجه السرعة، وإننى أتوجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو جوتيريس بهذا الاقتراح. لقد تغيرت طبيعة التحديات التى تواجهها البشرية، وعلى الأمم المتحدة أن تعيد رسم دورها لكى يتلاءم مع ضرورات مواجهة هذه التحديات.

لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

 

https://www.ledialogue.fr/