مع تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في أعقاب الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الضفة الغربية وما أعقبه من عمليتين فدائيتين داخل العمق الإسرائيلي أسفرتا عن مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين، تتجه أنظار العالم إلى قبلة واحدة لا بديل عنها هي أرض الكنانة مصر التي لم تدخر جهدًا في يوم من الأيام عن القضية الفلسطينية والتي خاضت من أجلها حروبًا وضحت بدماء أبنائها فداء للشعب الفلسطيني الشقيق.
وخلال السنوات الأخيرة لم ينقطع الدور المصري الفاعل لنجدة وانقاذ ووقف العدوان ضد الفلسطينيين، فلم تتوان مصر يومًا عن تيسير عبور الفلسطينيين عبر منفذ رفح لكسر الحصار الإسرائيلي، ولم تتأخر يومًا عن علاج المرضى أو الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية ناهيك عن المشافي الميدانية التي تسارع مصر لإقامتها في فلسطين.
كل هذا وغيره الكثير والكثير ليس فضلًا ولا منة من مصر على الفلسطينيين وانما ازكاء لروح الأخوة التي تجمع الشعبين واضطلاعًا بدور مصر الرئاد في المنطقة العربية كشقيقة كبرى وحصن أمان للأخوة العرب، وقبل كل هذا ترجمة عملية لمبدأ "مسافة السكة" الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي ليتحول إلى أفعال لا أقوال لتقديم كل دعم ومساندة لأبناء عمومتنا.
وفي الثامن عشر من شهر مايو 2021، وفي أوج شدة الأزمة الاقتصادية العالمية التي سببها الانتشار المريع لفيروس كورونا وما صاحبه من ركود وكساد وإغلاق، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي تبرع مصر بـ 500 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة في أعقاب الاعتداء الهمجي الغاشم لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أشقائنا الفلسطينيين.
مصر الداعم الوحيد
طوال السنوات الماضية تعرضت الأراضي الفلسطينية المحتلة لاعتداءات متكررة من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، والشاهد الأساسي في هذه الجرائم أن مصر كانت هي الدولة الوحيدة التي تتدخل لوقف الاعتداء على الإخوة الفلسطينيين، بل أن أبواق الإعلام المأجورة في قطر وتركيا لم تكن تستحي وهي تسأل أين مصر من هذه الاعتداءات على فلسطين، وهذا ما يؤكد أن مصر هي الحصن المنيع للعرب.
فعلى مر التاريخ تحتل القضية الفلسطينية مركز الصدارة على رأس اهتمامات وأولويات القيادة السياسية في مصر، ورغم تبدل الخريطة السياسية خلال السنوات الأخيرة على نحو غير مسبوق وفي ظل اضطرابات خطيرة تشهدها عدة بلدان عربية من بينها العراق واليمن وسوريا وليبيا واليمن، إلا أن حرص مصر ومسئولياتها تجاه فلسطين لم ينخفض بل على العكس حظي بنصيب أكبر لمنع ضياع حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق في متاهة الأحداث والأزمات المتلاحقة.
ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مسئولية الحكم، بذلت مصر العديد من الجهود لتجنب أشقائنا الفلسطينيين المزيد من الخسائر على أيدي الاحتلال الإسرائيلي وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدفعون ثمن مواجهات عسكرية لا ذنب لهم فيها، فضلًا عن الجهود الإنسانية التي قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين والمساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني، ورغم خوض مصر معركتها الشاملة في ظل حربها ضد الارهاب ومواجهة المشاكل الاقتصادية المترتبة على الأوضاع الإقليمية المحيطة، إلا أن استراتيجية الرئيس ظلت ثابتة على مبادئها بتقديم كل الدعم من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ولعل الانتصار الأعظم الذي أنجزته مصر لأجل صالح القضية الفلسطينية هو إقرار المصالحة بين جميع الفصائل ورعاية الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي طالما تقطعت به السبل طوال السنوات الماضية والذي ركز على عدة مبادئ من أهمها ضرورة وضع برنامج سياسي موحد بين كل الفصائل ركيزته الأساسية توحيد الصف في مواجهة القضايا المصيرية، والاتفاق على عدم قيام أي فصيل من الفصائل أو السلطة الفلسطينية بالخروج عن البرنامج السياسي الموحد أو الانفراد باتخاذ القرار، إلى جانب تدعيم السلطة الفلسطينية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
وقد حرصت مصر على إبلاغ الفصائل الفلسطينية منذ بداية الحوار بأنها لا تشكل بديلًا عن السلطة الفلسطينية، وأن علي تلك الفصائل إعلاء المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتوحيد رؤيتها مما يدفع الأطراف الدولية إلى معاودة الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط بعد أن أصبحت هذه الأطراف على اقتناع بأن ما يجرى في الأراضي الفلسطينية قد أضر بالقضية الفلسطينية.
وينطلق الموقف المصري ليس تجاه فلسطين الحبيبة فحسب، بل وكل الأشقاء العرب، من استشعار مسئولية الشقيقة الكبرى مصر لتظل القاهرة قلب العروبة النابض وعاصمة الوحدة العربية.
مواقف لا تنسى
** قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بطرح الأزمة في بعض الفعاليات الدولية ومنها قمة باريس التي حضرها الرئيس الفرنسي ماكرون والملك عبدالله الثاني، وتم إطلاق مبادرة لتخصيص نصف مليار دولارلإعمارغزة، وفتح مستشفيات مصرية ومعبر رفح لنقل المصابين الفلسطينيين للعلاج داخل مصر.
** لعبت مصر دورًا هامًا في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة منذ سنوات، ففي عام 2014، عندما بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يوم 8 يوليو 2014، وارتكب مجزرة خان يونس التي راح ضحيتها 11 شهيدًا فلسطينيًا و28 مصابًا، وقصف المباني والمساجد والبنية التحتية، وأدت المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل إلى مقتل 1742 فلسطينيًا، وتدمير عددًا كبيرًا من المساجد والكنائس.
** عملت مصرعلى تهدئة العدوان بموجب المبادرة المصرية، التي نصت على وقف الاغتيالات والاستهدافات، وفتح المعابر بما بما يحقق ادخال المساعدات الانسانية والاغاثية وإعادة الإعمار، وحرية الصيد، وفتح معبر رفح بوجود قوات فلسطينية على المعبر طول الحدود، وإلغاء المنطقة العازلة الممتدة ل300 متر وقصرها على 100 متر فقط.
** في 12 أكتوبر 2014، استضافت مصر بمشاركة النرويج وفلسطين مؤتمرًا دوليًا حول فلسطين تحت عنوان إعادة إعمار غزة، يهدف إلى تعزيز وقف اطلاق النار وتحسين آفاق الحل السياسي، وإعادة تأهيل قطاع غزة، وتعزيز آلية الأمم المتحدة لاستيراد البضائع من قطاع غزة، وتوفير الدعم المالي الخاص بإعادة الإعمار.
** وفي فبراير 2021 وقع صندوق الاستثمار الفلسطيني واتحاد المقاولين “CCC” و”إيجاس” المصرية اتفاقية للتعاون بمساعي تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، لتوفير احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي، حيث عملت مصرعلى إقناع الحكومة الاسرائيلية بالسماح للسلطة الفلسطينية باستخراج الغاز الطبيعي من البحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل قطاع غزة، حيث كانت إسرائيل ترفض السماح باستخراج الغاز الطبيعي قبالة سواحل قطاع غزة.
** وعندما شنت إسرائيل حربًا في 5 أغسطس 2022 مستهدفة مواقع حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وتسببت في مقتل 48 فلسطينيًا، بينهم 16 طفلًا و4 سيدات، وأصابة 360 آخرين، عملت مصرعلى وقف إطلاق النار بين حركة الجهاد الفلسطيني وإسرائيل، وتثبيت حالة التهدئة والتنسيق مع المبعوث الأممي، وتطوير الدور المصري في الضفة الغربية تحسبًا لنشوب مواجهة في الضفة تؤثر على استقرار الوضع في غزة.
** دعت مصر للتهدئة الأمنية والسياسية في القدس ونابلس وجنين ورام الله، واقناع حركة حماس باستمرار حالة التهدئة والانتقال إلى الاستقرار السياسي والأمني، واقناع إسرائيل بأن من مصلحة الجميع عدم الصدام والدخول في مواجهات أمنية.
وتوجهت مصر إلى الإدارة الأمريكية لاستئناف الاتصالات السياسية المعطلة، ودعت إلى ضرورة إحياء التفاوض حول مرجعيات أوسلو ومدريد.
** تستمر مصر في العمل على التهدئة داخل القطاع، وتنمية المشروعات المخطط لها، وتعمل على تنفيذ مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي بتوفير 500 مليون دولار لإعادة تأهيل القطاع، وستواصل مصر الدفاع عن غزة والقضية الفلسطينية لأنها تُمثل ركن أساسي من أركان السياسة الخارجية المصرية.