الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وإن من الحب ما قتل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما بين حلاج يقول: "أشرقت شمس من أحب بليل"، وحجاج يصيح: "إنى لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان وقت  قطافها"!.. يمضى تاريخ البشر ويحفل  بالمقتولين في ميدان العشق والهيام.

وفى شعر الحب العربى إشراقات وشطحات وكلام لا يقال ولكن الحب صادق، لم يكتمه قيس وغيره فماتوا كمدا وهياما!

وكتمه آخرون واكتفوا بالتلميح دون التصريح، فعاشوا مدتهم على الأرض فى سلام نسبى.

ومن كانت لكلماته أجنحة عاش فى الذاكرة، سواء عمّر حتى جاوز التسعين أو مات مقتولا !

لم يكن "قيس بن الملوح" مجنونًا وإنما لقب بذلك لهيامه في حب العامرية ليلى ابنة عمه التي نشأ معها وعشقها فرفض أهلها أن يزوجوها به، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري، فيرى حينًا في الشام وحينًا في نجد وحينًا في الحجاز!

ولد قيس بن الملوح  في نجد في شبه الجزيرة العربية عام ٦٤٥ م

نشأ قيس في حي بني عامر وإلى هذا الحي نسبت ليلى فسميت بالعامرية في هذا الحي وفي وادٍ يعرف بوادي الحجاز وهو وادٍ يقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة انطلقت أكبر قصة حب عرفتها البشرية جمعاء (قيس وليلى).

قصة حب ذاع صيتها وانتشر دويها محلقا في آفاق الكون الكبير ليتغنى بها العشاق ويترنم بها الشعراء ولتدور حول أفلاكها أسنة الكتاب والأدباء جيلا بعد جيل.

  أحب قيس ليلى، وكبُرَ هذا الحب معه وزادت هذه المشاعر يومًا بعد يوم، ونتيجةً لهذه المشاعر  الفياضة عاش قيس محروما غريبا وقد مات في واد منعزل وحيدًا فريدا بعد أن حالت الاقدار بينه وبين من أحب!

ورغم ألم النهاية لهذه القصة الفريدة ورغم بشاعتها إلا أنها تبقى نقطة فارقة وعلامة مؤثرة في تراجيديا الأدب والشعراء ومن ثم كتب لها الخلود في دنيا الناس.

نشأ الصغيرين معا وتربيا في بيئة واحدة حيث البادية وصفائها و الطبيعة وهدوئها .

في براءة الطفولة ترعرعا سويا فكانا يرعيان مواشي أهلهما وهما رفيقا لعب ومرح في أيام الصبا.

وكما هي العادة في البادية، عندما كبرت ليلى حجبت عن ابن عمها، وهكذا نجد قيس وقد اشتد به الوجد متذكرا أيام الصبا البريئة ويتمنى لها أن تعود كما كانت لينعم بالحياة جوار من أحب فكان يتحين الفرصة للمرور بحيها والنزول بواديها حتى أنه أعلن بين أشعاره اسمها مقررا أنه يحب حتى ما شابهه من الأسماء فجادت قريحته:

أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ

 وَقَد عِشتُ دَهرًا لا أَعُدُّ اللَيالِيا

وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني

 أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا

أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها 

بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا

وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا

أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها 

أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا..

 وهكذا ظل  قيس هائما على وجهه ينشد الأشعار المؤثرة في حب العامرية متمنيا لأيام الصبا أن تعود.

فكان يقول:-

وَإِنّي لَأَستَغشي وَما بِيَ نَعسَةٌ

لَعَلَّ لِقاها في المَنامِ يَكونُ

تُخَبِّرُني الأَحلامُ إِنّي أَراكُمُ

فَيا لَيتَ أَحلامَ المَنامِ يَقينُ

تقدم قيس لخطبة  ليلى بعد أن جمع لها مهرًا كبيرا هو حصالة عمره وأهله  فبذل لها خمسين ناقة حمراء!

ولكن كما يقولون: "إن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهيه السفن" 

رفض أهلها أن يزوجوها إليه، حيث كانت العادة عند العرب تأبى تزويج من ذاع صيتهم بالحب وقد تشبب بها (أي تغزل بها في شعره)

 لأن العرب قديمًا كانت ترى أن تزويج المحب المعلن عن حبه بين الناس عار وفضيحة.

وفي تلك الأثناء تقدم "ورد بن محمد العقيلي" إلى ليلى عارضا مهرا عشرة من البعير وراعيهم وتم الضغط على ليلى من أهلها أن تقبل بذلك وبالفعل تزوجها "ورد" ودموعها تنزف!

زفت ليلى إلى آخر بينما قيس هناك يسير على الرمضاء حافي القدمين لا حول له ولا قوة متذكرا أيام ليلى ودارها وحيها منشدا:-

فؤادي بين أضلاعي غريب

يُنادي مَن يُحبُّ فلا يُجيبُ

أحاط به البلاء فكل يوم

تقارعه الصّبابة والنّحيب

فأخذ يتنقل من منزل إلى آخر ومن دار إلى أخرى بين الجبال والأودية لا يعبأ بظلام ليل مخيف ولا صوت ذئاب عاوية وسباع ضارية !

وهكذا ظلت حياة هذا العاشق المكلوم لا يهدأ له بال ولا يسكن له قرار ما بين نجد والحجاز حتى عثر عليه ميتا بين حجرين،تحرك خصلات شعره المتناثر رياح الغضا قابضا على حبه الدفين بين راحتي يده وقد خطت يده على الرمال 

تَوَسَّدَ أحجارَ المهامِهِ والقفرِ

وماتَ جريح القلبِ مندملَ الصدرِ

فياليت هذا الحِبَّ يعشقُ مرةً 

فيعلمَ ما يلقى المُحِبُّ من الهجرِ