السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

الغطاس على الطريقة المصرية.. عادات وتقاليد اندثرت.. وأكلات وأغانٍ لاتزال إرثًا للأجيال

ايقونة
ايقونة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وسط أجواء روحية طقوس كنسية يعيشها الأقباط في شتى الأنحاء تزامنًا مع احتفال عيد الغطاس المعروف بـالعديد من الأسماء ومنها" الظهور الإلهي أو عيد الأنوار أو الابيفانيا"، تشهّد مصر على وجه الخصوص معالم الاحتفال بصورة مختلفة عبر التاريخ والزمن، وتزخر بالعادات والمواريث التي يتشارك فيها المصريون إحياء لذكرى معمودية السيد المسيح على يد «يوحنا المعمدان» في نهر الأردن.

وتترنم الكنائس بالألحان ويحرص الكثيرون أن يجروا طقس معمودية أبنائهم في طيات الاحتفال ويقوم رجال الدين بصلوات وطقوس منها اللقان- تبريك المياه-  وغيرها من معالم الاحتفال الكنسي بأحد الأعياد السيدية (الكبرى) داخل التقليد القبطي الأرثوذكسي، فيما يتغنى الشارع بالأغاني القديمة المعتادة وبخاصة في صعيد مصر لإحياء الاحتفاء على أنوار الشموع وفوانيس مصنوعة من قشور اليوسفي والبرتقال.

وعن احتفال الزمن الجميل بأعياد الغطاس قال الخال عبدالرحمن الأبنودي في كتابة ’’أيامى الحلوة‘‘.. البلابيصا  الاحتفال المستمر من قديم الأزمان إلى الآن لكن الكهرباء افقدته الكثير من بهجته و سحره وغموضه وتوهته فى حياتنا كما تاه ” المسحراتى ” وكما فقد فانوس رمضان إضاءته الموضوعية لتتحول إلى إضاءة رمزية  فى  عيد الغطاس  وفى زحمة الأعياد والمناسبات القبطية المتواليه، لم يكن نصارى مصر – فى الجنوب بالذات – يحتفلون بأعيادهم بعيداً عنا نحن أولاد المسلمين، بل كنا نستولي على هذه الأعياد في حميمية المشاركة.

ورغم أن معالم الاحتفال الشعبي بالغطاس اختلفت عن سابق عهدها حيث كان يعتبر عيدًا قوميًا يتشارك فيه المصريين بإجراء طقوس واحدة خلال العصر الإخشيدي والفاطمى وصل حد مشاركة قادة وحكام البلاد في تلك الملامح الشعبية الاحتفالية.

فكان يأمر الحكام بإيقاد المشاعل والأنوار بالآلاف على ضفاف النيل تجاه قصر الحكم – منيل الروضة وتتزين الشوارع ويقومون بتوزيع المأكولات والصدقات، وإقامة عموم المصريين خيامًا على ضفاف النيل ضمن معالم الحفل الشعبي والجماهيري يتشارك فيها المسيحي والمسلم، ويغطس ويغتسل الحضور في مياه النيل للتبارك في ذاك العيد مُتحديين برودة الجو وتجمد المياه.

كما يأمر الخليفة أو الحاكم بترك بوابات المدن والحواريٍ مفتوحة مع انتشار الأنوار في ربوعها وعادة ما كان يُصنع شموع ضخمة وفوانيس خصيصّا لذلك الحدث الجلل بمنطقة قصر الشمع بمصر القديمة.

وسط أجواء مبهجة وفرحة عارمة كانت يحتفل الجميع بالعيد وسط بساطة الحالة وزينة وأنوار الشموع التي كانت تضفي تمييزًا للعيد الذى يغزو أنواره عتمة المناطق ومواعيد إغلاق بوابات الشوارع والميادين، ولكن مع التطور ووجود الكهرباء وانتهاء تلك الحقبة توارى عن المشهد معالم للاحتفال بهذه الطريقة الشعبية.

وكانت الدولة والحكام يوزعون أكلات الغطاس المعروفة حينها وفق مرسوم« يفرق على سائر أهل الدولة الترنج والنارنج والليمون المراكبي، وأطنان القصب، والسمك والبوري رسوم مقررة لكل واحد من أرباب السيوف الأقلام»، وظلت هذه الطقوس قائمة حتى قامت الدولة الشراكسة بدأت في طمس تلك العادات والتقاليد.

بينما لا يزال المصريون خاصة في صعيد مصر وضواحيها يستقبلون العيد بصورة تحافظ على الإرث القديم، بعض القرى والبلدان يقوم الأهالي أو صانع الأقفاص الخشبية من جريد النخيل بإعداد الصلبان من "جريد النخيل وأعواد القصب" يحرص على اقتنائها الأطفال ويضعون أعلاها فانوس من "قشر البرتقال" وقاموا بإيقاد شمعة، ويجوب الشوارع علي أغنية شعبية من واقع التراث الموروث مرددين "البلابيصا ..بلبص الجلبة.. يا على يا بنى.. قوم بينا بدري.. نقيض القمري والسنة فاتت.. والمرة ماتت.. والجمل برطع.. كسر المدفع..‎ يا عيد الغطاس الشمع والقلقاس".

ومع اقتراب الغطاس يفترش باعة «قصب السكر» ويزداد السؤال عن القلقاس وفاكهة الشتاء من البرتقال واليوسفي، فإن الجميع دون استثناء مسلمين ومسيحيين منذ سنوات عدة  يحتفلون بهذه الطريقة والأكلات الخاصة.

ولعل كل من الأكلات يحمل دلالة أو تفسير عند الأقباط مثل "القصب والقلقاس" كرمز على أن المعمودية والميلاد مع المسيح، والتي يؤمن المسيحيون بأنها تطهر من الخطية الجدية الوراثية عن آدم أبوالبشرية، فإن القلقاس يحتوي على مادة سامة ومضرة للحنجرة، وهي المادة "الهلامية" تتحول مادة نافعة عندما يتم غسلها بالماء وتشبه بذلك «ماء المعمودية»، التي تطهر الشخص من الخطية.

ومن التفسيرات أيضا أن القلقاس يدفن في الأرض ثم يصعد ليصير طعامًا مفيدا، ويربطون بينها وبين المعمودية (بالغطس) التي ترمز إلى الدفن والموت والقيامة مع المسيح، وأيضا لا يأكل إلا بعد إزالة القشرة السميكة الخارجية عنه ودلالة بأن يتعين أن يخلع ثوب الخطايا بالمعمودية ويكون هناك رداء الطهارة.

وعن تفسيرات الحرص على أكل القصب أكل القصب لأنه نبات مستقيم، وأن الإنسان بعد نوال سر المعمودية الذي هو ضمن أسرار الكنيسة السبعة ينمو في استقامة روحية ودينية، وانقسام القصب إلي عقلات منفصلة يعد إشارة للفضيلة التي يستمدها الإنسان في كل مرحلة عمرية حتى الوصول للاعلي، وطعم القصب حلو ولونه أبيض دلالة عن حلاوة الإيمان ونقاوة قلب المؤمن.

أما بالنسبة للبرتقال واليوسفى فمن المعروف أنَّ من سماتهما، غزارة السوائل داخلهما، وفي هذا رمز واضح إلى مياة المعموديّة.