الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

فورين بوليسي: عراقيل كثيرة أمام "البوابة العالمية" الأوروبية لمنافسة مبادرة "الحزام والطريق"

مبادرة الحزام والطريق
مبادرة "الحزام والطريق"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل نحو عام، وفي خطوة استهدفت استعادة الاتحاد الأوروبي لمكانته الاقتصادية على المستوى العالمي، أعلنت المفوضية الأوروبية عن مشروع اقتصادي ضخم يحمل اسم "البوابة العالمية"، ستحشد له مئات المليارات من اليورو، للاستثمار في مشاريع البنى التحتية خارج الاتحاد.
ويهدف المشروع الأوروبي إلى مواجهة المشروع الصيني مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد)، التي أعلنها الرئيس الصيني "شي جين بينج" عام 2013، واستثمرت من خلاله بكين عشرات المليارات من الدولارات في الموانى، والطرق، وغيرها من البنى التحتية الأخرى في جميع قارات العالم. 
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه بعد مرور عام على إطلاق الاتحاد الأوروبي البوابة العالمية، ما تزال بروكسل تكافح لإقناع المتشككين داخل وخارج الكتلة الأوروبية بأهمية المشروع، وأن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون لاعبا موثوقا به في "اللعبة" التي سيطرت عليها الصين لمدة عقد من الزمان.
ووفقا للمفوضية الأوروبية، سيتم حشد ما يصل إلى 300 مليار يورو من الأموال العامة والخاصة لهذا المشروع بحلول عام 2027، وذلك لاستثمارها في مشاريع البنية التحتية خارج الاتحاد الأوروبي، في غرب البلقان، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وآسيا. وستكون الأولوية للاستثمار في القطاعات الرقمية، والصحية، والمناخية، والطاقة، والنقل، فضلا عن التعليم والبحث.
وأوضحت المفوضية الأوروبية أن "البوابة العالمية هي مشروع قائم على القيم، حيث تعكس الاستثمارات الأوروبية المعايير الاجتماعية والبيئية للكتلة الأوروبية. كما أنه مشروع جيوسياسي، خاصة وأن البنية التحتية هي جوهر الجغرافيا السياسية في عالم اليوم".
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت هذه الجهود كافية لإبراز دور وأهمية الاتحاد الأوروبي أم لا؟! خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن الصين قدمت ما يصل إلى 400 مليار دولار من القروض الخارجية في الفترة من 2014 إلى 2018، وتزعم أنها وقعت على عقود في إطار مبادرة "الحزام والطريق" بقيمة 100 مليار دولار في عام 2022 فقط، تلك المبادرة التي تهدف إلى تصدير كل من القدرة الاقتصادية الفائضة للصين والتأثير الجيوسياسي إلى العالم الخارجي، وهو ما دفع أوروبا إلى محاولة اللحاق بالركب واستدراك التأخر والنقص على المستوى الاقتصادي العالمي، والحفاظ على نفوذها الجيوـ استراتيجي.
وفي هذا الصدد، يؤكد "ستيفانو سانينو" الأمين العام لجهاز العمل الخارجي الأوروبي (الفرع الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي) أن البوابة العالمية تمثل نهجا جديدا للمساعدات الخارجية للاتحاد، وهو نهج لم يعد يركز فقط على مساعدة البلدان المستهدفة ولكنه يأخذ في الاعتبار أيضا أوروبا بشكل أكبر، بمعنى مراعاة المصالح والسعي لبناء شراكات متبادلة المنفعة، واصفا ذلك بأنه "تغيير هائل" في السياسات.
وأشار سانينو إلى مشاريع تم بالفعل تمويلها ويجري تنفيذها على أرض الواقع كنتاج لمشروع البوابة العالمية، ومن بينها كابل بحري جديد من الألياف الضوئية سيربط العديد من البلدان في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، وكذلك مشاركة الاتحاد الأوروبي في بناء محطة للطاقة الكهرومائية بتكلفة 5 مليارات يورو في طاجيكستان مما سيقلل من اعتماد آسيا الوسطى على الطاقة الروسية.
ويتوقع سانينو تسريع مشاريع "البوابة العالمية" هذا العام، حيث أعطى الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر في ديسمبر الماضي لـ 40 برنامجا استثماريا في إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
لكن حجم الخطط الأوروبية –وفقا لفورين بوليسي- يتضاءل مقارنة بالتحديات، حيث تحتاج إفريقيا وحدها لاستثمارات في البنية التحتية تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار سنويا، بينما ما تقدمه أوروبا لا يتعدى كونه "قطرة في محيط".
ويرى منتقدو "البوابة العالمية" أن المشروع الجديد لم يجلب أي تمويل إضافي، حيث يعتمد على الموارد المخصصة سلفا من قبل الدول الأعضاء بصورة فردية أو بواسطة ميزانية الاتحاد الأوروبي 2021-2027، وأن العديد من المشاريع قيد التطوير والتنفيذ حاليا تتم تحت اسم "البوابة العالمية" في حين أنها كانت ستنفذ على أي حال تحت مسميات أخرى.
كما أنه ليس من الواضح حتى مقدار الأموال التي ستتحول بالفعل من مرحلة الوعود إلى التنفيذ، حيث إن ما يقرب من نصف المبلغ المعلن من جانب المفوضية الأوروبية (300 مليار يورو) والذي يستحوذ على العناوين الرئيسية هو في الواقع استثمارات خاصة يأمل الاتحاد الأوروبي في توليدها من خلال نظام من الضمانات المالية.
لكن المحاولات السابقة للاتحاد الأوروبي لإشراك القطاع الخاص في مشاريع التنمية لم يحالفها النجاح، حيث توجد فجوة كبيرة في الثقة بين مجتمع التنمية ومجتمع الاستثمار، ونقص في التفاهم في كلا الاتجاهين.
بينما في المقابل، فإن ما يعتبر مشكلة بالنسبة لأوروبا، ليس بالمعضلة نهائيا بالنسبة للصين، التي لديها فائضا ثابتا في القدرة الإنتاجية وحكومة يمكنها استخدام نفوذها على البنوك الحكومية والشركات الخاصة لتوظيفهم في مساعيها الجيوسياسية، والدليل على ذلك قيام شركة هواوي الخاصة الصينية (عملاق التكنولوجيا العالمي) ببناء حوالي 70 في المائة من شبكة الجيل الرابع في إفريقيا بالكامل.
ويتفق أوفيجوي إيجيجو الخبير النيجيري في العلاقات الصينية الأفريقية مع الطرح سالف الذكر، حيث يؤكد أنه في حين أن نصف موارد "البوابة العالمية" المعلنة مخصصة لإفريقيا، إلا أن القادة في القارة السمراء لاحظوا وجود نقص في التمويل وعدم اليقين بشأن الأموال المأمول توفيرها عبر القطاع الخاص الأمر الذي يفسد مخطط الاتحاد الأوروبي بالكامل. 
بدورها، أشارت سولانج شاتيلارد الباحثة في جامعة "يو إل بي" المفتوحة في بروكسل إلى أن الأفارقة يمكن أن يروا أن أهميتهم في نظر الأوروبيين تتلخص في قضية الهجرة، بينما يثقون في أن الاستثمار في البنية التحتية الأجنبية بالنسبة للصين هو مكون أساسي لنموذج بكين الاقتصادي.
واعتبرت شاتيلارد أن مبادرة "البوابة العالمية" بأكملها عبارة عن "مستحضرات تجميل" لجعل الاتحاد الأوروبي يشعر بالرضا تجاه نفسه، في حين أن مبادرة "الحزام والطريق" ورغم كل الأشياء السيئة التي يمكن أن تقولها عنها، إلا أن لديها أجندة وانجازات تتحقق على الأرض.
ومن بين الأشياء السيئة التي تقولها الحكومات الغربية عن مبادرة "الحزام والطريق" هي أن الصين تثقل كاهل الدول المستقبلة لاستثماراتها بديون لا يمكن تحملها من أجل السيطرة على بنيتها التحتية وزيادة نفوذها؛ ويستشهد الكثيرون بالاستيلاء على ميناء "هامبانتوتا" في سريلانكا كمثال. ولكن وفقا للعديد من المحللين، فإن قصة "فخ الديون" لا أساس لها من الصحة إلى حد كبير ولا تتمتع بأي مصداقية على الإطلاق.
والملاحظ –وفقا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية- أنه رغم واقع أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر مزود عالمي للمساعدات الخارجية للتنمية حيث قام الاتحاد، في الفترة بين عامي 2014 و2018، بتخصيص 350 مليار يورو في شكل منح، إلا أن الأمر المحبط للغاية بالنسبة لأوروبا هو أن الجميع يتحدث فقط عن الصين.
وختاما، إذا نجح الاتحاد الأوروبي في تنفيذ هذا المشروع (البوابة العالمية)، فسيكون ذلك بلا شك في مصلحة أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، وآسيا، لأنه سيقود نحو تنافس عالمي حول الاستثمار في هذه المناطق، ولكن الأشهر والسنوات المقبلة ستكشف عما إذا كانت أوروبا قادرة بالفعل على تبديد الشكوك لدى هذه المناطق وإثبات جديتها والعودة كلاعب محوري هناك أم لا.