أثار تخلي الصين خلال الأسابيع الأخيرة عن إجراءات الإغلاق الصارمة المرتبطة بجائحة (كوفيد-19) تفاؤلا في الأسواق العالمية، إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما تحول إلى تشاؤم مع الانتشار السريع لفيروس كورونا هناك.
وترى مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية، أن معظم الأشخاص المنطقيين يتفقون على أنه بعد سنوات من النجاح الملحوظ في احتواء الفيروس، تحول وضع "كوفيد-19" في الصين إلى ما يمكن وصفه بـ "الكارثة الحقيقية"، مع انتشار متحور أوميكرون بصورة كبيرة عقب إنهاء السلطات الصينية وبشكل مفاجئ سياسة "صفر كوفيد" الصارمة، ووقفها اختبارات كوفيد الإلزامية ورفع قيود السفر، لتكون الصين آخر دولة كبرى تتجه نحو التعايش مع الفيروس.
وفي حين رحب كثيرون بتخفيف الإجراءات، إلا أن الأسر والنظام الصحي الصيني يبدوا أنهم لم يكونوا –وفقا للمجلة- على استعداد لمواجهة حالات الإصابة المرتفعة، حيث تكافح المستشفيات لتوفير الأسرة، والصيدليات لتوفير الأدوية، كما أن خدمات سيارات الإسعاف مستنزفة بالكامل بسبب "طوفان" مكالمات الطوارئ، فيما لا تستطيع محارق الجثث التي تعمل على مدار الساعة مواكبة الأعداد التي يتم تسليمها.
وتعتبر "فورين بوليسي" أن أزمة (كوفيد -19) في الصين ليست أزمة صحة عامة، بل أزمة مرتبطة بطريقة إدارة الجائحة (صفر كوفيد)، والتمسك بهذا النهج رغم تحذيرات المتخصصين.
فقبل ثلاث سنوات، أصابت استجابة الصين المبكرة للجائحة، والتي اتسمت بعمليات إغلاق غير عادية أثرت على مدن كبيرة ومناطق فرعية بأكملها، العديد من الناس في جميع أنحاء العالم (خاصة في البلدان الغنية التي تعطي الأولوية للحريات الشخصية) بالصدمة، باعتبارها إجراءات قاسية. ولكن من الواضح أن هذه الطريقة لم تكن وسيلة للخروج من الجائحة، حيث أن أي شخص لديه فهما أساسيا لعلم الأوبئة أو الصحة العامة سيدرك أنه بمجرد وقف العمل بهذا النظام، سينتشر الفيروس في الصين كما حدث في معظم أنحاء العالم الأخرى. ويمكن القول إن التجربة الطويلة مع عمليات الإغلاق والتطبيقات الخاصة بالاختبارات والتتبع الإلزامي للمصابين كانت تأجيلا لما يمكن وصفه بـ "يوم الحساب".
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل فشلت الصين في التعاطي مع فيروس كورونا؟ وهل ضيعت بكين السنوات الثلاث الماضية في إجراءات جل ما قدمته هو تأجيل لتفشي الفيروس؟!
للإجابة على هذه الأسئلة، يجب النظر إلى تجارب دول أخرى، فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا أن الصين اتخذت إجراءات مماثلة لما اتخذته الولايات المتحدة في بداية الجائحة، أي الاكتفاء بفرض تدابير حجر صحي وضوابط اجتماعية محدودة، لكان الوضع بلا شك كارثيا، لاسيما وأن الصين بها عشر مدن تقريبا بحجم نيويورك التي لقي بها نحو 44 ألفا حتفهم بسبب الجائحة، وأكثر من 100 مدينة يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة. كما أنه مع عدم وجود علاجات محددة ومتوفرة حتى الآن لكوفيد، وعدم وجود مناعة محلية بين الصينيين، فلا يمكن تصور عدد الأشخاص الذين قد يفقدون حياتهم حينها.
ففي الولايات المتحدة، تم - بموازاة الإجراءات سالفة الذكر - طرح لقاحات فعالة في ديسمبر عام 2020، ما مثل انتصارا غير عادي للعلم المطلق الذي ساعد في تعويض نقاط الضعف الخطيرة والمستمرة في نظام الصحة العامة في الولايات المتحدة. ولكن الصين –على النقيض- لم تتمكن من توفير لقاحات بتقنية "ميرنا" mRNA المصنوعة في الخارج، وبدلا من ذلك سعت إلى تحقيق اختراق في مجال اللقاحات المحلية. وتم تكرار ارتكاب الخطأ نفسه لاحقا، عندما لم تقم باستيراد أو إنتاج أو توزيع الأدوية المضادة للفيروسات الفعالة ضد كوفيد مثل Paxlovid، على نطاق واسع، استنادا إلى أنها من أصل غربي؛ حيث غالبا ما يصر مسؤولو الصين بشدة على وجود حلول محلية حتى للمشكلات التي استطاع الآخرون حلها منذ فترة طويلة.
ويمكن القول إن الصين أمضت معظم السنوات الثلاث الماضية –وفقا للمجلة الأمريكية- في استخدام الجائحة لأغراض دعائية تروج لفكرة أن "بقية العالم يمرض، ولم تكن الصين كذلك".
لكن الكارثة الكبرى تتمثل في حالة الإنكار المستمر من جانب بكين للوضع الحالي للجائحة، وعدد الوفيات المرتبطة بالفيروس، حيث تصر الحكومة الصينية –وفقا للمجلة- على عدم تسجيلها حالات وفيات تقريبا بسبب تفشي المرض الذي يشبه حرائق الغابات رغم وجود أدلة قاطعة عكس ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى لحظة إعلان بكين تغيير سياستها الصارمة حيال "كوفيد-19"، كانت الآلة الإعلامية الصينية تنقل عن المسؤولين هناك أهمية التمسك بسياسة "صفر كوفيد"، والحاجة إلى الخضوع لاختبارات PCR بشكل مستمر، ولكن قرار الحكومة الصينية بتغيير هذه السياسة وضع هؤلاء المسؤولين أمام أزمة حقيقية، حيث فشلوا حتى الآن في الوصول إلى تبرير أو تفسير منطقي لهذا التغيير، أو الخروج ببيان يعترف بارتكاب أخطاء في التطبيق السابق لهذه السياسة.
والأمر الذي يجب إدراكه هو أن الحقبة، التي كان من الممكن لنظام الدعاية أن يتجاهل فيها الحقائق المزعجة والروايات التي تدين سياسات بعينها، قد ولت، وأن الأزمة الحالية تشير إلى بداية حقبة جديدة تماما، على حد قول "فورين بوليسي".
وعلى الرغم من جهود بكين للتحكم بصورة كبيرة في المعلومات ومصدرها وتدفقها، إلا أن الناس يتلقون الآن المزيد من الأخبار من مصادر متعددة، سواء كانت محلية أو أجنبية، من خلال الشبكات الرسمية أو غير الرسمية.
واختتمت المجلة بأن الفترة المقبلة ستكشف عن التصور الذي وضعته بكين لكيفية التعاطي مع الأزمة الحالية المرتبطة بتغيير سياساتها تجاه "كوفيد" من النقيض للنقيض.
العالم
فورين بوليسي: إنهاء الصين لسياسة الإغلاق الصارمة المرتبطة بكورونا يتحول إلى "كارثة حقيقية"!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق