الملك لله والملك هو الله، والملكوت من صنعه وله حكمة فى خلقه، أما نحن بنى آدم، نأتى الدنيا ونخرج منها صفر اليدين، يسمح لنا الخالق بحق الانتفاع لفترة قصيرة محددة من الأزل، وهى فترة اختبار يمنحنا الله خلالها الإختيار، ويضعنا فى المكانة اللائقة بأفعالنا، ولكل منا دور فى هذا الملكوت الذى صنعه الله من أجلنا.. فهل ندرك ما هو المطلوب منا خلال تلك الفترة التى تسمى عمر الإنسان؟! المطلوب باختصار أن نؤثر فى هذا الكون ونترك أثرا ينتفع به غيرنا، سواء كان هذا الأثر علما ينتفع به ويتداوله البشر على مر الزمان، أو أثرا إبداعيا يشهد لصاحبه، أو غرس شجرة تنتفع بها مخلوقات الله، أو حفر بئر مياه، أو التفوه بالكلمات الطيبة التى تصلح المجتمع وتجبر الخواطر.. أو ولدا صالحا يفيد مجتمه، فيصبح والداه سيرة حسنة وقدوة لغيرهما وإن تركا الحياة، فهل استطعنا أن نفهم هذا الدور المطلوب؟ وهل أدركنا هذه الرسالة السامية التى يضعها الإنسان فى صندوق الدنيا؟! وهل علمنا أولادنا أهمية العلم المثمر!.. وأوصلنا إلى مداركهم أن المال ليس له أهمية أو قيمة أمام العمل الصالح، أى أن إجادة العمل بغرض النفع وليس الحصول على أجر، وبهذه الإجادة فى العمل سيأتى المال رغما عنه دون السعى إليه!..هذا هو ما يجب أن يكون دستور حياة، ويجب أن تتوارثه الأجيال، ونقل هذا الإرث.
دور الآباء والأمهات والمعلمين والمربين، دورنا جميعا مع الأجيال المتتالية، علينا أن نعلمهم قيمة العلم والعمل وأهميتهما، بعد أن فقد الكثيرون الاهتمام بهما لتسيد بعض الجهلاء على العلماء!..وانتشارهم من خلال المنابر الإعلامية، والتربح السريع من توافه الاعمال!.. لذلك كثيرا ما نتناسى الحكمة من وجودنا، ونسعى فى الدنيا ونغترب عن أهلنا، ونجوب البلاد للحصول على أكبر عائد مادى!..ولماذا ؟ حتى نتمكن من إمتلاك الأشياء!..نهدر الكثير من أعمارنا فى السعى والادخار كى نستطيع أن نمتلك بيتا، ونسعى وندخر كى نغير البيت بأكبر أو أحدث أو أرقى، ونسعى لنمتلك العديد من الأشياء!..فهل نمتلك حقا أم نخدع أنفسنا حتى تنتهى المهلة ونترك ما خيل لنا أنها أملاكنا!..ننسى أو نتناسى أننا لم ولن نمتلك! لأن كل ما حولنا ليس لنا به إلا حق الانتفاع! لأن الملك لمالك الملك فقط، نحن زائرون وضيوف على هذه الدنيا، وفكرة الامتلاك التى نضيع سنوات عمرنا فيها وعليها فكرة خادعة، تسرق العمر ولا تضيف شيئا.
علينا أن ننظر بعين الاعتبار لميراث المشاهير، أين فيلا أم كلثوم ومحتوياتها؟! زالت ولم يبق إلا أعمالها ميراث لا يموت.. وأين مقتنيات العديد من الفنانين والفنانات والكتاب والعلماء؟! لقد هزنى ماسمعته من الكاتب الصحفى أستاذ وائل سمرى خلال حواره فى برنامج “حديث القاهرة":(اشتريت كل ما وقعت عليه عيناي من مقتنيات سمير صبري التي بيعت على الأرصفة.. أفيشات وصور شخصية...)!! ومن قبلها قرأت عن بيع مماثل لمقتنيات للفنان القدير نور الشريف.. ومع ذلك لا نلتفت ونتوقف عن اللهاث وراء مقتنيات وأملاك!.. لذا الأهم من الامتلاك الاستمتاع، الاستمتاع بالعائلة والأسرة، وإمتاع الأبناء وإشباعهم بالحنان وتلبية رغباتهم المشروعة قدر استطاعتنا، علينا أن ننتبه أن المادة والمادية تسرق أعمارنا وتفوت علينا فرص الإمتاع والاستمتاع، فخيرا من ترك أرصدة فى البنوك، أو أراض وبيوت، ترك الذكريات الجميلة، الضحكات الصافية والكلمات الرقيقة والمجاملات الإنسانية، وكما قال المبدع عبد الرحيم كمال (والصحبة سبحة فى ايد ولى) الصحبة هى الدفء البشرى الذى افتقدناه وأصبحنا نخشى بعضنا، وبدلا مشاركتنا لأحبتنا في عطاءات الله، نخشى الحسد والحقد وما يوسوس به الشيطان لصناعة الجفوة والتباعد بين البشر!.. وتناسينا وتعاونوا على البر والتقوى، كما أمرنا الخالق الذى خلق الداء والدواء ويعلم ما يصلح خلقه، افتحوا قلوبكم وأعيدوا فتح البيوت للأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، وأطعموا الطعام يرزقكم الله الخير فى الدنيا والآخرة.
آراء حرة
الدنيا حق انتفاع دون تمليك
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق