تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا فيديو صادم للقمص صموئيل البحيري أحد كهنة منطقة عزبة النخل حول الزواج البروتستانتي واصفًا إياه بالزنا، الفيديو تفوح منه رائحة الكراهية والعنصرية والتحقير لشريحة في المجتمع هم أقرب الشرائح لشريحته كونهم مكونا أساسيا داخل المجتمع القبطي، وقد يكون للكاهن أقارب وأصدقاء ضمن تلك الشريحة التي يطعن في شرف أعضاءها ويخوض في أعراضها دون أن يقصد أو لربما يقصد جيداً ما يقوله.
مقطع الفيديو المتداول يعج بكل عوامل الجهل وغياب الحكمة بل وعدم إدراك لأدنى مستويات المعرفة بأساسيات القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع وحول العالم وعبر تاريخ البشرية، فيما يختص بمفهوم الزواج الصحيح بين الذكر والأنثى!
الكاهن الذي يفتقر لمعلومات أساسية حول مفهوم الزواج يجاهر ويتفاخر بفقر معلوماته وركاكة ثقافته ناعتاً الزواج البروتستانتي بالزنا، متهماً كل المتزوجين حول العالم خارج منظومة الزواج الأرثوذكسي في شرفهم واصفاً مليارات البشر بالزناة!
الكاهن يفتقر أصلاً لأدنى مستويات المعرفة حول أسرار الكنيسة الأرثوذكسية، ويجهل بمفهوم سر الزواج داخل الكنيسة بكونه يضفي القدسية على العلاقة الزوجية، ولكنه لا يعد شرطاً لشرعية العلاقة أو عقد الزواج، كما يعكس حديث الكاهن جهلاً بمفهوم خطية الزنا كما جاءت بالنصوص الإنجيلية ووصايا العهدين القديم والجديد، تلك التي لم تجد فيها أي إشارات لضرورة إعادة مراسم وطقوس الزواج للمتزوجين خارج منظومة الإيمان المسيحي من الأساس قبل إنضمامهم لجماعة المؤمنين.
القمص صموئيل البحيري قبل أن ينطق بحديثه هذا لم يعود لأراء الأباء السابقين منهم والمعاصرين حول مفهوم الزواج وشرعية الزواج خارج منظومة أسرار الكنيسة الأرثوذكسية، والذين أجمعوا على شرعية عقد الزواج بين أي زوجين سواء تم الزواج داخل الكنيسة أو خارجها، وسواء كانت داخل منظومة الزواج المسيحي من الأساس أم خارجه، طالما توافرت أركان العقد من حيث القبول والإشهار وقانونية العلاقة الزوجية بين الزوجين، مفرقين جميعهم بين شرعية الزواج والبركة التي يكتسبها بفعل السر المقدس.
بل أن الكاهن لم يدرك أن حديثه حول شرعية الزواج غير الأرثوذكسي يمتد ليشمل فئات وشرائح مجتمعية أخرى خارج المكون القبطي أو المسيحي، فإن كان يتهم شرائح مجتمعية مسيحية بالزنا لمجرد أن زواجهم كان بكنيسة أخرى غير الكنيسة الارثوذكسية، فماذا عن أخوتنا المسلمين داخل الوطن وخارجه؟ ألا يمتد حديثه أيضاً إلى علاقاتهم الزوجية كونها نشأت خارج إطار الزواج القبطي الأرثوذكسي؟
ثم ماذا عن مليارات البشر حول العالم من كل المذاهب والأديان، فوفقاً لحديث الكاهن يعد كل هؤلاء زناة وأبنائهم ولدوا سفاحاً من علاقات غير شرعية، لان في رأيه ان العالم كله يعيش في زنا عدا حوالي خمسة عشر مليون شخص قبطي أرثوذكسية، متغافلاً أن كل المذاهب والأديان لدى أتباعها قناعات كافية بقدسية طقوس الزواج لديهم، وجميع الشرائح الدينية تقوم بإتمام مراسم الزواج داخل دور عبادتها أو على الأقل بوجود رجل دين وتحت مظلة دينية، مؤمنين بقدسية العلاقة الزوجية تحت تلك المظلة الدينية أيما كانت طبيعتها وإيمانها.
حديث الكاهن لم يقتصر على التطاول الاجتماعي فقط بل أيضاً له تداعيات قانونية، لكونه يتعدى على القانون ويتهم شرائح مجتمعية بجريمة يحاسب عليها القانون، وبينما تقبل الدولة والقانون والدستور نمطاً ما من العلاقات الزوجية، يجرمها الكاهن متعدياً بذلك على القانون والدستور قبل تعديه على المواطنين، وبخطابه غير المتزن يعرض نفسه للمسائلة القانونية ويعرض الكنيسة للإحراج أمام المجتمع ومؤسسات الدولة، ويكدر السلم الاجتماعي بين المواطنين أثر تداول البعض لذلك الخطاب الموتور الذي يخلق حالة من السجال المجتمعي المجتمع في غنى عنها.
وأخيراً فخطاب الكاهن الذي يفتقر للثقافة والوعي والمعلومات، ويفتقر أيضاً للحكمة والدبلوماسية في مخاطبة الشرائح المجتمعية الأخرى، يضعنا أمام إشكالية هامة وهي إشكالية إختيار وسيامة الكهنة، فنحن الأن أمام أجيال جديدة بأدوات إتصالية معاصرة، وما كان يتم التعتيم عليه سابقاً لم يعد كذلك الأن، وشريحة الكهنوت باتت من أهم الشرائح المؤثرة والتي يتم تسليط الضوء عليها، وإختيار أعضائها يجب أن يتم وفقاً لمنهج علمي وروحي سليم.
فلم يعد حفظ الألحان وخدمات الشموسية والعلاقات المتقاربة مع رجال الإكليروس معياراً سليماً للاختيار، لكن هناك جوانب أخرى كثيرة ينبغي توافرها في المرشحين للكهنوت، أبرزها المستوى التعليمي والثقافة العامة والإطلاع على كافة العلوم الاجتماعية، وتوافر قدر من منهج التفكير النقدي والرؤية المجتمعية الثاقبة ومهارات التحليل، وكذلك مهارات التواصل والرؤية الدبلوماسية للتعامل مع القضايا المتشابكة، فالكاهن لا يمثل نفسه فقط بل يمثل كنيسته وإيمانها وتقاليدها، وما يتفوه به قد يمثل ملايين المؤمنين بفكر وعقيدة الكنيسة والجماعة القبطية، بينما ما نطق به القمص صموئيل البحيري لا يمثل لا الكنيسة ولا المكون القبطي بل يمثل فقط نقص معلوماته ويعكس ركاكة تفكيره وثقافته.