كثيرًا ما يخطف التفكير ذهني، أحقًا أن تدافع جماعة ما عن الدين من أجل الدين بلا شريك يزاحمه على مختلف تخصصات أفرادها أم تلك أماني غير مشروعة لإرهاصات ينتظرونها في زحام عواطف شعب لديه نزعة دينية بالفطرة وشاء القدر له ذلك؟ والحق أن هناك مؤسسة تخطت جدرانها الألفية الأولى من عمرها باثنين وأربعين عامًا، دومًا ما تمد المسلمين أجمعين على مختلف الأزمان والظروف بالغذاء الروحي السليم دون كلَل ولا ملَل، ولما استمدت لونها من الدستور الإلهي استمر هذا اللون ولم يبل كالمتعارف عليه، فهذا الصُّنع صُنع الله وليس صنع البشر كما نجد ألوان صنعهم تتغير بتغير ظروف المناخ وتأثيراته.
الحديث هنا عن مؤسسة الأزهر الشريف الوطنية التي تولت مسئولية الدين منذ نعومة أظافرها، وراحت تبحث في كل أمور الدين وقدمته للأمة جمعاء في وسطيته وسماحته، ومن هذا المنطلق أخذه المسلمون مرجعية لهم في أمورهم الحياتية والتشريعية دون غيره، فلم نسمع قط أنه دعا ولو مرة واحدة للعنف، أو استهزأ بعقول البسطاء، أو طمع يوما ما في سلطة، أو ولَّى نفسه يومًا وصيا على الدين كما فعلت جماعات التطرف وأهل الشر، وفي هذا المقال نستطرد سويًا كيف بدأت هذه الجماعات وما مثلهم الأعلى الذي أخذوا منه منهجهم وهمجيتهم إلى أن وصلنا إلى هذا الشكل.
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أثناء التجهيز للدفن، حدث اختلاف طفيف، فتمنى الأنصار أن يكون الخلفية منهم، وعلى الصعيد الآخر تمنى المهاجرون أن يكون الخليفة منهم، وبعد مُضي وقت قليل امتنع الأنصار عن أمنيتهم وتمسك المهاجرون بما تمنوا، وبعد دفن الرسول انفرد المهاجرون، ولا أرغب في وصفه بخلاف ولكنه على أية حال كذلك.
رأى البعض من المهاجرين أحقية علي بالخلافة؛ كونه من آل بيت النبوة، وصهر الرسول، ولكن أجمعت آراء السيدة عائشة ومعها سيدنا عمر بن الخطاب والبعض الآخر على أن يتولى سيدنا أبو بكر الصديق الخلافة، حدث ما حدث واستتب الأمر أن يكون الخليفة أبو بكر، ومن ذلك الحين بدأ ظهور تيار سياسي إسلامي جديد أنصار الإمام علي (الشيعة) يعترضون على عدم تولية الإمام على أمور المسلمين والأمر خرج من بيت النبوة، بعد موت الصديق حدث نفس ما حدث، ولكن تولي عمر بن الخطاب الخلافة، وقُتل عمر وقبيل موته سألوه من يتولى بعدك فقال لهم اختاروا أحد العشرة المبشرين بالجنة، فاجتمعوا ورفض عبد الرحمن ابن عوف الخلافة فقالوا له احكم انت بيننا فحكم بتولي عثمان ابن عفان الخلافة، فتولى ابن عفان.
بداية خروج الخوارج
وبدأ خروج طائفة جديدة من الشيعة سُميت "بالخوارج"، فهم من اعترضوا علي قبول الإمام علي بالتحكيم بينه وبين ابن عفان، وأذكر وأؤكد أن هذه الاختلافات كانت وقتها سياسية وليست دينية ولكن على غير ما يرضي الخوارج، وانتهي الأمر بقتلهم الخليفة وتولي الإمام علي الخلافة وحدث ما حدث بينه وبين معاوية ابن أبي سفيان وقتل الإمام علي علي أيدي الخوارج وتولي الإمام الحسن رضي الله عنه وتنازل عليها وقتلوه، ومن هنا بدأ الخوارج يكفرون القادة ويكفرون العصاة ويكفرون من يرتكب ذنب صغير واشتهروا بالمغالاة في الدين والتعصب.
حتى وصل بهم الأمر إلي تكفير السيدة عائشة وسيدنا أبو بكر وسيدنا عمر، وراحوا يبثون الفتن في الدولة الأموية والدولة العباسية ومن بعدها الأيوبيين والمماليك فكانوا يتسترون خلف راية الدين والعمل على نصرته من أجل تحقيق أهدافهم الدنيئة والوصول للحكم دون أن يكونوا أهلًا له، وصولًا بعصرنا الحديث حتى أنجبوا حسن البنا وقام بعمل إحلال وتجديد للخوارج وظهروا في ثوبهم الجديد والعمل علي تنظيمهم ويكون ولاؤهم وسمعم للمرشد الذي هو ولي أمرهم ومبايعته علي ذلك ومن دونهم كفار.
وابتكر ما يسمى بالوصايا وأكمل المسيرة سيد قطب وأخذوا يورثوها لبعضهم البعض فنجحوا في ذلك ولكنه نجاح زائف لاستغلالهم عقول البسطاء والفقراء وحاجة المحتاجين والمتعصبين لنصرة الدين كما زعموا لبث الأكاذيب والروايات المغلوطة تجاه الحكام وأساسيات الدين والدولة وتكفير من دونهم وتكاثرت الجماعة فأنجبت لنا جماعات أخري مثل التكفير والهجرة وأنصار بيت المقدس والجماعة الإسلامية وحركة فتح في لبنان بقيادة الملعون حسن نصرالله وحركة حماس في فلسطين وحركة طالبان في أفغانستان وكذلك تنظيم القاعدة بقيادة ابن لادن والظواهري وصولًا لأخر ثوب خلعوه تحت مسمي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" فكلهم شربوا من مستنقع تبول فيه الإخوان لتنفيذ أطماع الغرب وتفتيت الدول العربية والإسلامية، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
حتى أشرقت شمس الحقيقة، وطهرت آشعتها هذا الرجس ومع زيادة الوعي والثقافة حديثًا ظهروا على حقيقتهم للناس ورأوا ما وراء أحجبتهم، وعرفوا خبث نواياهم فأقلعوهم من جذورهم، وكانت البداية من مصر وتفهم الجوار ذلك، ولكن حديثًا وفعلوا ما فعلته مصر لينقذوا أرضهم من ذلك الرجس الذي حجب بركة السماء من ملامستها، وصدقت مقولة "الكذب ملوش رجلين".