يكتسب إنشاء آلية الإنذار البيئي المبكر والإعلان عنها في "كوب 27" أهميته من واقع تقارير مكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث البيئية التي تحذر من أن نصف دول العالم على الأقل غير محصنة ضد الأضرار البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية وأن أسوأها وضعا وأكثرها انكشافا هى البلدان الأقل دخلا.
ويأتي إنشاء تلك الآلية على ضوء استراتيجية الأمم المتحدة للحد من آثار الكوارث 2015 – 2030، ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش أهمية استثمار دول العالم الغنية فى إنشاء وتشغيل تلك الآلية للإنذار البيئي المبكر واعتبار استثمارها فيها استثمار في المستقبل وسيكون له مردوده الاقتصادى لدول العالم كافة الغنية والفقيرة على المدى الطويل.
وتشير التقارير الأممية إلى أن نصف بلدان العالم النامية وثلث جزر العالم تواجه الآن تهديدات بيئية خطرة، وأن معامل الخطر البيئي فيها يزيد على ثمانية أضعاف معامل الخطر البيئى فى الدول الأكثر تقدما.
وقد شدد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش فى مداخلاته على هامش قمة المناح المنعقدة حاليا فى شرم الشيخ على أهمية تلك الآلية، معتبرا أنها أحد وسائل نقل مفاهيم الوقاية البيئية من حيز الدراسات النظرية إلى حيز التطبيق العملى المفيد للبشرية.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة فى تقرير ذو صلة إلى أن فكرة إقامة آلية الإنذار المبكر للأنهار والبحيرات العذبة ستناقش فى قمة سيدني للمياه المقرر عقدها برعاية الأمم المتحدة العام القادم، مؤكدا أن قمة شرم الشيخ التى تتخذ شعار "من الوعود إلى التنفيذ" هى منصة انطلاق جيدة لإطلاق آلية الإنذار البيئي المبكر، وأنه سيتم في قمة المناخ القادمة "كوب – 28" مراجعة ما تم تنفيذه فى هذا الصدد وتذليل أية معوقات عملية أمام تشغيل الآلية الجديدة.
ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أن آلية الإنذار المبكر التي ترعاها الأمم المتحدة ووكالاتها البيئية المتخصصة ستكون جاهزة للعمل والتشغيل فى غضون خمسة أعوام فقط من الآن إذا أوفت دول العالم الغنية بما تعهدت به تمويليا فى قمم المناخ السابقة، وأشار إلى أن آلية الإنذار المبكر من آثار التغيرات المناخية ستكون أداة فعالة فى إدارة الكوارث البيئة ليس فى سواحل العالم فقط بل فى حالات الفيضانات والجفاف الممتد والموجات الحارة والعواصف وجميعها مهددات بيئية تكبد الاقتصاد العالمى خسائرا مليارية فى كل عام.
كما سيلعب مكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث United Nations Office for Disaster Risk Reduction دورا مهما في تنظيم تعاون الجهود الوطنية والدولية لمجابهة آية تهديدات بيئية متعاونا فى تحقيق هذا الهدف مع المجموعة الدولية الاستشارية المشكلة بمعرفة الأمم المتحدة لهذا الغرض وكان ذلك فى اجتماعات استضافتها القارة فى سبتمبر 2022، وتضم تلك المجموعة في عضويتها أكاديميون وخبراء فى المنظمات الإغاثية غير الحكومية ومؤسسات قطاع خاص ومنظمات أعمال كبرى وممثلو حكومات.
ويقول خبراء حماية البيئة في الأمم المتحدة إن عمليات الرصد العلمي للبيانات حول نقاط التهديد البيئي حول العالم قد بدأت بالفعل منذ مارس الماضي بمعرفة المنظمة العالمية للأرصاد ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وحددت عمليات الرصد متطلبات رفع حالة الجاهزية العالمية لمواجهة الكوارث والأعاصير مع التأكيد على أن حماية الإنسان وإنقاذ الملايين أن الإنسان " أينما حل" ستكون الهدف الأول والأخير لتلك الآلية.
فى سياق متصل، أوضحت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية أن آلية الإنذار البيئى المبكر تهدف إلى رصد واكتشاف الأخطار والتهديدات البيئية الناتجة عن التغير المناخي فى العالم، وأنها ستعمل وفق إطار دولي تقف أجهزة الأمم المتحدة على تنفيذه وتستفيد منها الدول الأقل نموا على كوكب الأرض التى تمتلك شواطئا، وكذلك تستفيد منها الجزر المنتشرة فى العالم والدول الأرخبيلية التى تتكون من جزر متعددة يؤدى ارتفاع مناسيب البحار والمحيطات إلى تآكلها ومن ثم محوها بالكامل من خارطة اليابسة فى العالم.
وبحسب تقرير صادر عن المنظمة الدولية للأرصاد التي تتخذ من باريس مقرا لها- وتشارك حاليا فى ( كوب – 27 ) – ستشتمل منظومة الإنذار المبكر من الكوارث البيئية على مئات الآلاف من المحطات الرصدية الساحلية التى تقوم بمتابعة وقياس ارتفاعات الأمواج وسرعتها واتجاهات الرياح والأثر البيئى الناتج عن ذلك والمتمثل فى عمليات النحر الساحلى للشواطئ وهو أمر يهدد السياحات الشاطئية فى الدول المتضررة من تلك الظاهرة وكذلك يهدد الحياة البحرية ومناطق الصيد فيها.
و تعتبر مناطق الكاريبى وإفريقيا والباسيفيك الجنوبى من أشد مناطق العالم تضررا من ارتفاع مناسيب المياه قبالة سواحلها وما يصاحب ذلك من عمليات نحر، وتعد كوريا الجنوبية من أنشط دول العالم إسهاما فى تمويل بحوث إنشاء تلك الآلية وتقديم العون الفنى والاستشارى للقائمين على ذلك الأمر.
وستعمل الآلية الجديدة وفق نسق متكامل للإنذار من الكوارث البيئية تبدأ بمرحلة جمع المعلومات والرصد لأية تغيرات مناخية ومناحى الخطر وقوته وتحديد اتساقه مع الأبحاث العلمية التنبؤية المسبقة لمصادر التهديد البيئى ومن ثم تحديد مناطق الانكشاف البيئى المحتمل مبكرا قبل وقوع الكارثة.
تأتي بعد ذلك مرحلة بناء القدرات ذات الطابع الدولي والأخرى ذات الطابع الوطني في نقاط العالم الأشد تعرضا للتهديدات البيئية وذلك بعد حشد التمويل الدولي اللازم لذلك.
وأخيرا تأتي مرحلة الإنذار الجماهيرى من خلال التوعية والتواصل عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى لحماية السكان فى المناطق المهددة بيئيا ومد يد الغوث لهم فى الوقت المناسب.
وسترتبط مراكز الرصد المبكر فى الآلية الجديدة بمحطات استقبال الصور الفضائية التى تلتقطها الأقمار الاصطناعية وتغطى كافة أنحاء كوكب الأرض، وفي هذا الصدد شدد بيان الأمم المتحدة على أهمية إنشاء شبكات الربط وإقامة الشراكات اللازمة بين دول العالم ووكالاته المتخصصة لتحقيق أقصى درجات الاستجابة والجاهزية حالة رصد أية مهددات بيئية فى أى مكان فى العالم، لاسيما النقاط الأعلى خطورة فى أمريكا الجنوبية وإفريقيا والباسيفيك الجنوبى.