أوشكت الأزمة الأوكرانية على بلوغ ذروتها إما بتصعيد أمريكى أوروبى عبر تعزيز قدرات جنود زلينيسكى لاستهداف العمق الروسى فى جمهوريتى الدونباسك ومناطق خيرسون وزبوروجيا، أو تحرك الشعوب الأوروبية لإجبار حكوماتها على الابتعاد خطوة عن سياسات واشنطن التى تقود العالم إلى حافة حرب نووية مدمرة.
الفيلسوف الروسى الكسندر دوجين صاحب الرؤية الاستراتيجية والفلسفية لمستقبل روسيا العظمى الذى يؤمن الرئيس بوتين بأفكاره أكد فى مقابلة صحفية مطلع هذا الأسبوع أن روسيا تواجه قوة بربرية، وأن كل القواعد قد انهارت، وبناء عليه لم يعد سبيل للحلول اللطيفة عبر التفاوض بحسب تعبيره وليس من خيار أمام روسيا سوى الانتصار دفاعا عن مصالحها وعن العالم بأسره لمواجهة الحضارة الأنجلوسكسونية وحلف النيتو التى يعبر عن واجهتها مدمن المخدرات زيلينيسكى والرئيس الأمريكى جو بايدن العجوز الذى بتخاطب مع الأرواح.
حديث دوجين جاء على خلفية تصعيد الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين بإصرارهما على تعزيز قدرات الجيش الأوكرانى بهدف استنزاف الجيش الروسى واستعادة المزيد من الأراضى تحت تأثير نشوة ما يعتبرونه انتصارًا أوكرانيًا بانسحاب القوات الروسية من خاريكوف وليمان المدينة الاستراتيجية من الناحية العسكرية وبعض قرى منطقة خريسون.
المؤكد أن نجاح موسكو فى ضم أربع مناطق جديدة إلى سيادتها عبر استفتاء شعبى شمل جمهوريتى لوهانسك ودويتيسك ومناطق خريسون وزبروجيا يعد انتصارًا سياسيًا حاسمًأ وثمرة من ثمار العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا؛ ومن الناحية العملية والواقعية ليس ثمة أثر يذكر لإعلان واشنطن وحلفائها الأوروبيين عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء وما أسفر عنه من مصادقة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والمحكمة الدستورية العليا ومجلس الدوما (البرلمان الروسى)؛ ذلك أن الوضع مشابه تمامًا لما حدث عندما استردت روسيا جزيرة القرم عام 2014 حيث لم تعترف إلى الآن عواصم الدول الغربية بمشروعية ضم الجزيرة وكل ما نتج عن ذلك فرض عقوبات اقتصادية لم تفلح فى التأثير على الاقتصاد الروسى على نحو يدفع بوتين إلى الإحجام عن إطلاق عمليته الخاصة فى 24 فبراير الماضى لمنع الولايات المتحدة من توسعة حلف النيتو فى شرق أوروبا بضم أوكرانيا ليضع رؤوسه النووية قبالة مدينة موسكو.
بوتين فى خطابه أثناء التوقيع على ضم المناطق الأربعة الجديدة (15% من أراضى أوكرانيا) شدد على أن هذه الأراضى بحدودها الجغرافية والإدارية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من روسيا الاتحادية وأن الدفاع عنها سيكون بكل الوسائل المتاحة، ومنح أوكرانيا فرصة جديدة للسلام مطالبًأ زعمائها بوقف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات التى لن تطرح وضع الأراضى الجديدة للنقاش.
ربما تكون تلك هى الفرصة الأخيرة أمام زيلينسكى، خاصة وأن بعض السياسيين الروس قد تحدثوا عن منح فرصة للتفاوض مع الجنود الأوكران المتواجدون فى بعض مناطق خريسون وزبروجيا وجمهورية دينوتسك؛ ما يعنى أن القادم سيكون أسوأ بالنسبة للجيش الأوكرانى إذا أصر على استمرار عملياته العسكرية.
غير أن يومى السبت والأحد الذين تليا توقيع بوتين على ضم الأقاليم الأربع الجديدة شهدا تقدمًا لوحدات الجيش الأوكرانى فى مناطق ومدن استراتيجية ترافق معه تصعيد أمريكى أوروبى بالإصرار على مد أوكرانيا بأسلحة متطورة وهو الأمر الذى ضاعف من الضغوط على بوتين وصناع القرار السياسى والعسكرى فى الكرملين وليس حديث أهم فيلسوف روسى معاصر (الكسندر دوجيه) إلا أحد مظاهر هذه الضغوط، كما أن بوتين ومن الناحية الاستراتيجة مطالب بتعزيز الانتصار الذى حققه بنجاح هذا الاستفتاء.
لن يكون النووى التكتيكى الذى طالب به الزعيم الشيشانى رمضان قاديروف الخيار العسكرى الأول لبوتين لكنه قد يذهب خلال الأيام القليلة القادمة وبعد إعادة تموضع قواته المنسحبة من خاريكييف وليمان وبعض مناطق خريسون وتعزيزها بالاحتياطات الجديدة إلى استخدام أسلحة أكثر تطورًا ذات قوة نارية هائلة لأنه يحتاج إلى طرد القوات الأوكرانية من الأراضى التى أعادوا احتلالها، واستكمال تحرير جمهورية دنيوتسك ومناطق خريسون وزبروجيا من ناحية لتثبيت ما حققه من انتصار سياسى ومن ناحية أخرى لإفهام واشنطن وحلفائها أنه جاد فى استخدام النووى التكتيكى إذا واصلوا إمداد قوات زيلينسكى بمنظومات صاروخية تهدد حدود روسيا السياسية الجديدة لأن هذه الأراضى باتت شأنها شأن موسكو وباقى مدن وأقاليم العمق الروسى.
بالنسبة لبوتين من وجه نظرى يتيح استخدام أسلحة أكثر تطورًا لا ترقى إلى النووى التكتيكى مجالًا لتصاعد التفاعلات الغاضبة للرأى العام الأوربى وليس من مصلحة بوتين أن يخسر تعاطف جانب كبير من الشعوب الأوروبية والذى ظهر مع رفع صوره واللافتات المؤيدة لروسيا فى بعض المظاهرات التى شهدتها إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
هنا يصبح النووى التكتيكى خطأ استراتيجيا يدركه بوتين على ما يبدو وهو ما انعكس فى خطابه عندما قال أن الحكومات الاوروبية تعى جيدًا أن تبعيتها لسياسات واشنطن يخدم مصالح الأخيرة على حساب مصالح ورفاهية وتقدم شعوبها.
وفى ظنى أن إشارة الرئيس الروسى إلى البحث عن المستفيد من تدمير خطوط مد الغاز إلى أوروبا (السيل الشمالى 1و2) وتوجيه الاتهام إلى أمريكا محاولة للفت انتباه الشعوب الأوروبية وهى إشارة تجد ما يعززها فى تغريدة وزير خارجية بولندا السابق وعضو البرلمان الأوربى التى شكر فيها الولايات المتحدة لتفجيرها تلك الأنابيب.
صحيح أن المسئول البولندى السابق حذف تغريدته فيما بعد إلا أن أصابع الاتهام باتت موجهة اليوم إلى استخبارات أوكرانيا وبولندا وأمريكا فى ظل مساعى البولنديين والأمريكيين السابقة لتعطيل العمل فى تلك الخطوط وكلنا يذكر موقف الرئيس الأمريكى السابق ترامب من مشروع السيل الشمالى2 وحجم الضغوط التى مارسها على المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بل وفرضه بعض العقوبات الاقتصادية على الشركات العاملة فى المشروع وهو الموقف الذى سبق بطبيعة الحال تصريحات الرئيس الأمريكى الحالى بايدن بشأن تدمير هذه الخطوط فى فبراير الماضى.
التفاعلات الغاضبة فى الشارع الأوروبى سوف تتصاعد بحلول الشتاء وارتفاع معدلات التضخم ونسب البطالة ومع توقف المصانع وشبكات التليفون المحمول بحسب التقارير الأوروبية وهما قد يمثل سلاحًا فى يد بوتين سيكون أخطر بكثير من النووى التكتيكى فى ظل انتخابات بلغاريا التى يتوقع أن تأتى بحكومة يمينية تربطها علاقات وطيدة بالكرملين وتداعى حكومة المحافظين فى بريطانيا بزعامة ليزى تراس.
مجمل القول.. حلف النيتو أكد أنه ليس طرفًا فى الصراع وألمانيا شددت على أن المساعدات التى يرسلها أعضاء الحلف إلى أوكرانيا إنما تعكس موقف الدول بشكل فردى وليس موقف الحلف وبلغاريا أعلنت رفض انضمام أوكرانيا إلى النيتو، وكل هذا يعنى أن واشنطن وحلفائها لن يستطيعوا الرد على بوتين بشكل حاسم حتى إذا لجأ إلى النووى التكتيكى خوفًا من اندلاع حرب ثالثة تقضى على الجميع.
آراء حرة
رهانات بوتين بين النووي وخيارات الأوروبيين!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق