ذكرت مجلة "ذا ديبلومات"، المتخصصة في الشئون الآسيوية، أن هذا الصيف كان الأكثر جفافا وحرارة في تاريخ الصين منذ أن بدأ تسجيل حالة الطقس بشكل ثابت في عام 1961، لافتة إلى أن موجة الحر الشديدة التي شهدتها مختلف أنحاء البلاد أسفرت عن موجات جفاف متفاقمة، وحتى مع انحسار الموجة الحارة، تستمر مستويات المياه في الانخفاض في بحيرة بويانج، أكبر بحيرة للمياه العذبة في الصين، وأجزاء أخرى من حوض نهر يانجتسي.
وأكدت المجلة أن الصين أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري وأكبر منتج ومستورد للأغذية أيضا، كما أنها موطن لمنابع معظم الأنهار الكبرى في آسيا، ولذلك فإنه من المتوقع أن يكون للجفاف الحالي في الصين تداعيات إقليمية وعالمية طويلة المدى لا سيما على إمدادات الأرز العالمية حيث ينتج حوض نهر يانجستي ثلثي محصول الأرز في الصين.
ونقلت المجلة عن تقارير صحفية صينية أن موجة الحر الحالية أثرت على أكثر من 900 مليون شخصا في أكثر من 17 مقاطعة صينية، بالإضافة إلى إلحاقها أضرارا بنحو 2.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الصين، مشيرة إلى أن الجفاف أدى أيضا إلى انخفاض في إنتاج الطاقة الكهرومائية وبالتالي عجز الكهرباء في البلاد، وهو ما أثار تساؤلات حول أمن الطاقة، وكذلك مخاوف بشأن الأمن المائي والغذائي في الصين.
ومن ناحية الأمن الغذائي، ذكرت المجلة أن الصين كحال باقي دول العالم في خضم الأزمة الغذائية العالمية غير المسبوقة نتيجة البيئة الجيوسياسية المعقدة كانت تشهد بالفعل مخاوف متزايدة بشأن حالة الأمن الغذائي؛ حيث شدد كبار قادة الصين عدة مرات خلال الشهور الأخيرة على الأهمية الاستراتيجية لحماية الأمن الغذائي للبلاد، خاصة بعد أن ربط الرئيس الصيني شي جين بينج الأمن الغذائي بالأمن القومي للصين، داعيا إلى بذل مزيد من الجهود لحماية أمن الحبوب وحماية الأراضي الزراعية من زيادة الإنتاج المحلي.
ولفتت المجلة إلى أن حوض نهر يانجتسي مسئول عن ما يقرب من 50% من إنتاج الحبوب في الصين، لذلك يلعب دورا حيويا في الأمن الغذائي للبلاد، وبالتالي هناك بالفعل مخاوف ضخمة من أن الجفاف قد يؤثر على حصاد الحبوب خلال فصل الخريف في الصين، وهو ما أشار إليه نائب وزير الموارد المائية الصيني ليو وي بينج مؤخرا، بقوله إن محاصيل الخريف في الصين ستمر "بفترة حرجة". لكن يظل مصدر القلق الأكثر أهمية في الصين هو إمدادات الأرز؛ نظرا إلى أن الأرز هو العنصر الأساسي الأكثر استهلاكا في البلاد، لا سيما في المناطق الجنوبية، وبحسب المجلة، تعتبر حماية إمدادات الأرز في الصين دائما مسألة ذات أهمية قصوى فيما يتعلق بالأمن الغذائي.
من ناحية أخرى، أشارت المجلة إلى أن أزمة الجفاف تلقي بظلالها أيضا على قطاع الطاقة، خاصة الطاقة النظيفة، موضحة أنه بعد التزام الصين الجريء بتحقيق أقل نسبة من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030 وتحقيق نقطة الحياد الكربوني قبل عام 2060، أصبح هدف خفض الانبعاثات الكربونية والانتقال إلى الطاقة النظيفة أحد أولويات السياسة المركزية في الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين، لتحل بدائل الطاقة النظيفة مثل الطاقة الكهرومائية مكانة بارزة محل المصادر التقليدية مثل الفحم الذي يشكل 70% تقريبا من حجم الاستهلاك في الصين.
وذكرت أن نهر يانجتسي الذي يعاني من خطر الجفاف، هو أحد الأنهار ذات الإمكانيات الهائلة في توليد الطاقة الكهرومائية الضرورية لتحويل هيكل الطاقة في الصين إلى الطاقة النظيفة، إلا أن موجات الحر تسببت في جفاف ما يصل إلى 50% من خزانات مدينة سيشوان المسئولة عن توليد 80% من الطاقة الكهربائية للإقليم، وهو ما أثر بالتالي على تصديرها للطاقة الكهرومائية إلى المقاطعات المجاورة.
وأوضحت المجلة أنه في بعض المناطق مثل سيشوان وشونجكين، أجبر نقص الكهرباء وتقنين الاستهلاك العديد من المدن على استيراد الكهرباء من مناطق أخرى، كما أُجبرت المصانع في سيشوان على إيقاف أو تقليل النشاط لتوفير الكهرباء للاستخدام السكني، ولذلك أعلنت شركة المرافق الكهربائية الحكومية محاولاتها لإرسال الطاقة إلى سيشوان وذلك بالعودة إلى استخدام الفحم لتوفير الوقود إلى محطات الطاقة.
وأشارت المجلة إلى أنه بالنظر إلى انخفاض مستويات المياه في احتياطي سيتشوان من المياه وانخفاض مستويات هطول الأمطار، من المتوقع أن يستمر الجفاف وآثاره لفترة طويلة، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى موثوقية مصادر الطاقة المتجددة، لا سيما تلك التي تعتمد على المياه.
وأثار الجفاف تساؤلات حول مسار الإمداد الغربي ضمن خطة الصين لتحقيق الأمن المائي في البلاد، ووفقا للمجلة، فإن الصين كانت تشهد توزيعا غير متكافئ للمياه، حيث يعاني الشمال من نقص حاد بينما يتعرض الجنوب للفيضانات الشديدة، ولذلك طرحت الحكومة الصينية مشروع نقل المياه بين الجنوب والشمال عبر ثلاث مسارات: الغربي والوسط والشرقي، حيث يحول المسار الشرقي المياه من إقليم جيانجسو إلى أقاليم شاندونج وتيانجين، بينما ينقل المسار الأوسط المياه من مقاطعة هوبي إلى بكين وتيانجين، لكن المسار الغربي لم يتم بنائه بعد.
ولفتت المجلة إلى أن المسار الغربي من المقرر أن يربط نهر يانجتسي والنهر الأصفر عبر هضبة التبت لتتدفق عبره سنويا 17 مليار متر مكعب من المياه من منبع نهر يانجتسي وروافده في سيشوان إلى نهر تاوهي، أحد روافد النهر الأصفر في قانسو، لتصل المياه في النهاية إلى المقاطعات القاحلة مثل تشينجهاي، وقانسو، ونينجشيا، ومنغوليا الداخلية، وشنشي، وشانشي.
وبالنظر إلى المستقبل، نوهت المجلة بأن الصين ستكون بين أكثر البلدان تضررا من الصدمات المناخية بفعل تغير المناخ، وذلك وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، لافتة إلى أن الجفاف الحالي في نهر يانجتسي هو مجرد تحذير آخر لصناع القرار في الصين من أن اقتصاد الدولة والمجتمع في خطر متزايد من الظواهر المناخية المتطرفة، وهناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين آليات التأقلم مع الأوضاع الجديدة.