اتفق خبراء على أن قرار البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي خالف كل التوقعات في السوق للسيطرة على التضخم وتعزيز الاستثمار.
وأشادت رانيا يعقوب، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، بقرار البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة في ظل المخاوف التي يواجهها العالم من موجة التضخم العالمية، مضيفةً أن رفع سعر الفائدة في مصر لم يكن سيؤتي بثماره في جذب استثمارات أجنبية غير مباشرة والتي هجرت الأسواق الناشئة ومنها مصر، في المقابل كان سيؤثر سلبيًا على مناخ الاستثمار وسيؤدي إلى زيادة حالة الركود.
كما أشادت بقرارات الحكومة والبنك المركزي لتخفيف بعض قيود الاستيراد لتشجيع حركة البيع والشراء في الأسواق، وجاء قرار تثبيت سعر الفائدة ليتماشى مع هذه السياسة بما يشجع الاقتصاد الوطني.
وأشارت إلى أن البنك المركزي المصري استخدم آلية الاحتياطي الإلزامي للتحكم في السيولة النقدية في البنوك مما يقلل من معدل التضخم، لافتةً إلى أن البنك المركزي أجرى خلال الأسابيع الماضية عمليات سحب سيولة من البنوك للسيطرة على معدلات التضخم.
وقد قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في اجتماعها الأخير الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوي 11.25%، 12.25% و11.75% على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوي 11.75%.
كما قرر البنك المركزي المصري زيادة نسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لدى البنك المركزي المصري لتصبح 18% بدلًا من 14% وسيساعد هذا القرار في تقييد السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي.
ومن جانبه قال الدكتور كريم العمدة، أكاديمي اقتصادي، إنه رغم مخالفة المركزي المصري لتوقعات الجميع تقريبًا وقراره تثبيت الفائدة على الإيداع والاقتراض للمرة الثالثة، وهذا الأمر أظهر جليًا شخصية رئيس البنك الجديد حسن عبد الله، إلا أنه اتخذ قرارًا يعادل رفع سعر الفائدة وهو زيادة نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي للبنوك لدى البنك المركزي.
وأشار العمدة، إلى أنه رغم زيادة التضخم الشهري ووصوله إلى ما يقارب 15% الشهر الماضي واتجاه جميع المؤشرات إلى رفع الفائدة، فإن المركزي المصري فضل عدم تحميل موازنة الدولة أعباء جديدة تخص خدمة الدين لأن كل 1% زيادة في الفائدة تقابلها زيادة في خدمة الدين ما يتخطى 10 مليارات جنيه إضافية.
وتابع، أن المركزي المصري اتجه إلى سياسة نقدية انكماشية أخرى وهي زيادة الاحتياطي الإلزامي الذي تلتزم البنوك بوضعه تحت تصرف البنك المركزي من دون فوائد للتعامل مع الأزمات، وبالتالي هو قلل السيولة النقدية لدى البنوك ويحقق هدف رفع الفائدة نفسه وهو تقليل الإقراض ومن ثم تقليل نسبة التضخم، وهذا يحقق أهداف مصر أيضًا في توفير اشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، والذي قاربت المفاوضات بشأنه على الانتهاء بحسب وزير المالية.
وقال جون لوكا، خبير اقتصادي، إن البنك المركزي المصري اتجه لتثبيت سعر الفائدة نتيجة عدة أسباب أهمها أولًا استقرار ارتفاع معدل التضخم، حيث يتوقع أن يواصل هذا المعدل نموه خلال الشهور القليلة المقبلة نتيجة عوامل خارجية أهمها زيادة أسعار السلع الأساسية والنفط عالميًا، وبالتالي لن تنجح السياسة النقدية بزيادة الفائدة في السيطرة على معدلات التضخم محليًا في ظل استمرار الأسعار عالميًا.
وأضاف لوكا، أن العامل الثاني هو التأثير المحدود لزيادة سعر الفائدة على الاستثمار الأجنبي في محفظة الأوراق المالية الحكومية، حيث لا يزال المستثمر الأجنبي متحفظا على دخول الأسواق الناشئة ومنها مصر للاستثمار في أدوات الدين.
وأرجع الخبير الاقتصادي، أن أسباب تحفظ الاستثمار الأجنبي غير المباشر للأوراق المالية الحكومية، بسبب عاملين أولًا عدم وضوح الرؤية في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وحتى يتم الاستقرار في سعر الصرف سيحجم المستثمر الأجنبي عن الاستثمار في أدوات الدين، ثانيًا أن عائد الاستثمار في السندات الدورية مختلفة الآجال يصل إلى 15% في حين يصل عائد الاستثمار في سندات الخزينة بالجنيه المصري حوالي 12%، وبالتالي لن ينجذب المستثمرين الأجانب لشراء الجنيه المصري ومن ثم دعم الاحتياطي النقدي.
وأشار إلى أن مصر خالفت موجة رفع الفائدة التي تشهدها المنطقة بعد زيادة الفيدرالي الأمريكي للفائدة؛ لأنها ترغب في الحد من معدل التضخم، وفي الوقت نفسه غير مجبرة على زيادة الفائدة لجذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة التي تحجم في الوقت الحالي عن كل الأسواق الناشئة وليس مصر وحدها.
وتوقع لوكا، أن يستقر معدل التضخم بين مستوى 15-16% خلال الشهور القليلة المقبلة نتيجة الإفراج عن البضائع المكدسة في الموانئ وتثبيت سعر الفائدة، بالإضافة إلى التحريك التدريجي لسعر الدولار أمام الجنيه حتى يصل إلى قيمته العادلة.
من جهته قال الدكتور عمرو سليمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، إن البنك المركزي أعلن أن الهدف الأولى خلال هذه المرحلة هو السيطرة على التضخم وليس سعر الصرف لضمان تحقيق معدلات نمو مستدامة، خاصة أنه في ظل رفع سعر الفائدة من الفيدرالي الأميركي وعدد من البنوك المركزية في العالم لن يكون رفع مصر لسعر الفائدة عاملًا فعالًا لجذب لمزيد من التحويلات الدولارية إلى مصر.
وتابع، أن البنك المركزي المصري قام خلال عام 2022 برفع سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس مستبقًا باقى بنوك العالم فعلًا، وسعر الفائدة ليس الأداة الوحيدة لمحاربة التضخم وامتصاص السيولة.
وأشار إلى أنه لذلك نجد أن قرار تثبيت سعر الفائدة صاحبه استخدام أداة أخرى فعالة هي زيادة نسبة الاحتياطي القانوني للبنوك التجارية من 14% إلى 18%، وكذلك خلال الأسابيع الماضية لوحظت زيادة معدلات دخول البنك المركزي في عمليات السوق المفتوحة بطرح مزيد من السندات الحكومية.
ومن جانبه قال الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم، إن قرار البنك المركزي المصري بتثبيت سعر الفائدة هدفه عدم الانسياق وراء الزيادات المتتالية من جانب الفيدرالي الأميركي، خاصة أن زيادة أسعار الفائدة يؤثر بالسلب على البورصة وعلى خدمة الدين وعلى تكلفة الاستثمار.
وأوضح، أن المركزي المصري اعتمد على أنه بالمشاركة مع وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة اتخذوا عدة إجراءات أخيرًا بهدف خلق استقرار للمصانع وإعادة عجلة الانتاج من خلال تخفيف إجراءات استيرات المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وكل ذلك يؤدي إلى تقليل التضخم وخفض الأسعار.
وأشار إلى أن الأداة الجديدة التي استخدمها المركزي هذه المرة وهي زيادة الاحتياطي الإلزامي من البنوك تحقق نفس هدف رفع الفائدة وبتأثيرات سلبية أقل، أو لا تذكر ومن ثم يتم تقليل التضخم دون إحداث حالة من الركود الذي يحدث عند رفع أسعار الفائدة.
توزيع الأعباء
وقال هاني جنينة، محاضر بكلية إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية، إن البنك المركزي بقراره رفع نسبة الاحتياطي النقدي الذي تلتزم البنوك بوضعها لديه من دون فوائد من 14% إلى 18%، هو بذلك قام بتوزيع الأعباء المالية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية على قطاعات أكبر في الدولة بدلًا من تحميلها للدولة وحدها.
وشدد على أن هذا القرار جاء في ظل مفاوضات صعبة جدًا مع صندوق النقد الذي اشترط على لبنان وتونس رفع الدعم بالكامل عن الوقود، ومصر لا تفضل الدخول في هذا الطريق الآن ومن ثم عملت على اعتماد أداة لتوزيع الأعباء على قطاعات أخرى هي البنوك لحين اتخاذ قرار سياسي فيما يشترطه صندوق النقد.
وأوضح أن قرار رفع الاحتياطي الإلزامي سيسبب ضررًا للبنوك لأنها أصبحت تضع جزءًا كبيرًا من سيولتها النقدية لدى البنك المركزي من دون فوائد، وستتضح كيفية تعامل البنوك مع هذا الضرر خلال الأسبوع المقبل، فهل ستقوم بتسعير جديد للقروض ولأذون الخزانة أم ستمتص هذا الضرر؟ وكذلك سيتحمل جزءًا من هذا الضرر القطاع الصناعي والأفراد الذين سيصبح العائد على مدخراتهم أقل.
حماية الاستهلاك
قال الدكتور محمد شادي، الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي تثبيت سعر الفائدة اليوم هام للغاية، وخالف كل التوقعات في السوق، مضيفًا أن البنك المركزي إنحاز لحماية الاستهلاك والاستثمار ولم ينحز لمنع التدفقات الأجنبية في الخارج على عكس كافة التوقعات في السوق.
وأضاف شادي، أن قرار تثبيت أو تحريك سعر الفائدة يكون في اتجاهين، الأول رفع سعر الفائدة للحفاظ على الدولار الموجود في السوق، والذي يبقي على الاستثمارات في أدوات الدين، والاتجاه الثاني أن تثبيت سعر الفائدة عند مستوياتها أو تخفيضها سيعزز الاستثمار، حيث إن الأنشطة في مصر سيكون لديها قدرة أكبر على الاقتراض، وقدرة أكبر على التوسع، وفتح الأعمال، وفي نفس التوقيت سيكون هناك قدرة أكبر على الاستهلاك حيث سيقوم المواطن بالحصول على قروض استهلاكية ما يؤدي إلى التنوع بشكل أكبر في السوق.
وتابع، أن تثبيت أسعار الفائدة أمر مميز، خاصة بعدما أخطر المركزي البنوك بقرار الاحتفاظ بسيولة 18% بدلًا من 14%، وهو ما يجعل البنك يحافظ على السيولة لديه بشكل أكبر، على سبيل المثال أنا معايا 100 جنيه البنك بيلتزم بالحفاظ على 14 جنيه ويقرض الباقي ولكن البنك المركزي النهاردة قاله تحتفظ بـ 18 جنيه وبالتالي قلل القدرة على الإقراض.
وأوضح، أن البنك المركزي بهذا القرار يعلن أنه يريد تعزيز النشاط الاقتصادي، حيث يوجد معضلة هامة للغاية، حيث إنه حال قلة النشاط الاقتصادي سينتج عنه قلة معدلات النمو، ويزيد من معدلات البطالة في الدولة المصرية، ونفس الأمر بالنسبة لمعدلات الفقر.