فى مثل هذا اليوم 9 سبتمبر 1881م قامت الثورة العرابية وهي الثورة التي قادها الزعيم الراحل أحمد عرابي ابن محافظة الشرقية، ضد الخديوي توفيق والتدخل الأجنبي في مصر، وسميت آنذاك "هوجة عرابي".
بدأت الثورة العرابية بحسب الرأى الشائع كرد فعل للضباط المصريين ضد قادتهم الأتراك الذين لا يريدون ترقيتهم إلى الرتب العالية ونتج عنها:
• موافقة الخديوي و هو مرغم على عزل عثمان رفقي و تعيين محمود سامي البارودي بدلا منه
• إرتفاع شأن عرابي كزعيم وطني مناهض للنفوذ الأجنبي.
وفي 9 سبتمبر 1881م إندلعت الثورة العرابية، وهذه المرة لم تكن في نطاق عسكري فقط بل شملت أيضا المدنيين من جميع فئات الشعب بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، والتدخل الأجنبى في شؤون مصر، و نمو الوعي القومي، و شارك الشعب المصري بكامل طوائفه مع الجيش بقيادة عرابي الذي أعلن مطالب الشعب للخديوي توفيق ، وهي :
• زيادة عدد الجيش المصري إلى 18,000 جندي
• تشكيل مجلس شورى النواب على النسق الأوروبي
• عزل وزارة رياض باشا
وإستجاب الخديوي لمطالب الأمة، وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة ، وعهد إلى شريف باشا بتشكيل الوزارة ، و كان رجلا كريمًا مشهودًا له بالوطنية و الإستقامة، و تولى محمود سامى البارودى وزارة الحربية بها ، وسعى لوضع دستور للبلاد، ونجح في الإنتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، ثم عصف بهذا الجهد تدخل إنجلترا و فرنسا في شئون البلاد بإرسال مذكرة مشتركة في 7 يناير 1882 والتي أعلنتا فيها مساندتهما للخديوي، فتأزمت الأمور، وتقدم شريف باشا باستقالته بسبب قبول الخديوي تلك المذكرة.
وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، و شغل عرابي فيها منصب وزير الحربية ، و قوبلت هذة الوزارة بالإرتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية و المدنية لأنها كانت تحقيقًا لرغبة الأمة ، فأعلنت الدستور ، و صدر المرسوم الخديوي به في 7 فبراير 1882 م و سميت هذه الوزارة باسم وزارة الثورة لأنها حققت رضا الشعب و الجيش كليهما.
إزدادت الأمور سوءًا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية ، و كان سببها قيام مكاري “مرافق لحمار نقل” من مالطة من رعايا بريطانيا بقتل أحد المصريين فاستغلت إنجلترا الفرصة ، فشب نزاع تطور إلى قتال سقط خلاله العشرات من الطرفين قتلى و جرحى.
وعقب الحادث تشكلت وزارة جديدة ترأسها إسماعيل راغب، و شغل "عرابي" فيها نظارة الجهادية الحربية وقامت الوزارة بتهدئة النفوس، وعملت على استتباب الأمن في الإسكندرية، وتشكيل لجنة للبحث في أسباب المذبحة، ومعاقبة المسئولين عنها.
ثم حدث وأن قدم محمود سامى البارودى إستقالتة بسبب أنه عندما بدأت وزارة الثورة قام أحمد عرابى بالإصلاحات في الجيش المصري حيث اقتصر على ترقية المصريين مما أدى إلى مؤامرة اغتيال عرابى من الأتراك والشراكسة و تم القبض على الشراكسة والاتراك قبل تنفيذ المؤامرة و حكم عليهم بتجريدهم من رتبهم العسكرية و نفيهم إلى أقاصى السودان فتدخلت إنجلترا و فرنسا حيث أرسلت المذكرة المشتركة الثانية في 25 مايو 1882م إلى الإسكندرية و كان من نتائجها: تقديم البارودى لاستقالته والتفاف الشعب حول عرابى و تثبيته في منصبة كوزير للحربية.
وتوالت أحداث الثورة العرابية بعقد مؤتمر في الآستانة ثم تعقدت الأحداث بقيام إنجلترا بضرب الإسكندرية و تدمير قلاعها و بعض أحيائها وبسبب موقف الخديوي توفيق المخزي أمام حادثة ضرب الإسكندرية تم تكوين جيش من المقاومة الشعبية بجانب الجيش المصري وكان رد فعل الخديوي هو عزل عرابي من منصبه، ولكن عرابي لم يمتثل للقرار، واستمر في عمل الاستعدادات لمعركة كفر الدوار التي إنتصر فيها عرابي و تلتها معركتي القصاصين والتل الكبير.
وبعد دخول الإنجليز القاهرة في 14 سبتمبر 1882م ووصول الخديوي قصر عابدين، تم عقد محاكمة لعرابى و بعض قادة الجيش في المعركة و بعض العلماء و الأعيان و تم الحكم عليهم بالنفى إلى جزيرة سرنديب “سيلان” أو سريلانكا حاليا.
أما عمن ساندوا عرابى أو قاتلوا معه أو حرضوا الجماهير على القتال من العلماء مثل الشيخ محمد عبده، والعمد والأعيان فقد كان الحكم أولا بقتل من أسموهم برؤس الفتنة من هؤلاء وعزل الباقين ثم خفف لعزل الجميع فعزلوا من مناصبهم و جردوا من نياشينهم وأوسمتهم.
وعاد أحمد عرابى بعد 20 عام من نفيه ومحمود سامى البارودى بعد 18 عام و عاد عرابى بسبب شدة مرضه أما البارودى فعاد لاقتراب وفاته وأصابته بالعمى من شده التعذيب.
أسباب فشل الثورة العرابية :
• موقف الخديو توفيق: فقد ساند التدخل الأجنبى في شئون مصر منذ بداية توليه
• موقف ديليسبس : صاحب شركة قناة السويس، والذي اقنع عرابى بعدم ردم القناة لأن الإنجليز لا يستطيعون المرور عبرها لأن القناة حيادية، ولكنه سمح للانجليز بالمرور.
• خيانة بعض بدو الصحراء : و الذين أطلعوا الإنجليز على مواقع الجيش المصري.
• خيانة بعض الضباط : و خاصة على يوسف ، وقد ساعدوا الإنجليز على معرفة الثغرات في الجيش المصري.
• موقف خنفس باشا قائد حامية القاهرة.
• موقف السلطان العثماني : أعلن عصيان عرابى في 9 سبتمبر 1882م بتحريض من إنجلترا مما جعل الكثير من الأشخاص ينقلبوا ضده.
• قوة أسلحة الإنجليز
• عنصر المفاجأة الذي استخدمه الإنجليز
أحمد عرابي وعشرون عاما في المنفى
بعد عقد محاكمة لعرابي والحكم بنفيه، كان السفر إلى المنفى على متن الباخرة الإنجليزية “ماريوتيس”، وأعلنت صحيفة “الأوبزرفر” السيلانية عن موعد وصول الباخرة فبدأ الناس يفدون من كل أنحاء الجزيرة لرؤية البطل العربي.
إنجازت عرابي في المنفى:
عرابي هو الذي أدخل الطربوش الى الجزيرة، والمسلمين هناك يرتدونه حتى اليوم، كما أدخل عرابي الزي المصري و بعض الأطعمة المصرية هناك، كما أنه طلب من المسلمين هناك أن يتبرعوا لإنشاء مدرسة يتعلمون فيها فقه الدين و فعلاً وضع عرابي أساس المدرسة الزاهرة.
وفي عام 1901م أصدر الخديوي عباس حلمي الثاني قرار العفو عن عرابي و عاد على متن الباخرة الألمانية “برنسيس إيرين” وتوفي بعد عودته بعشر سنين في 21 سبتمبر 1911م ليتحقق حلمه حين قال و هو في المنفى : “ أريد أن أموت في بلدي و أن أدفن في الأرض التي دافعت عنها”.