عشق المخرج التونسي أنور الشعافي المسرح من الصغر، ومارسه بتقنية عروس القفّاز بصحبة أصدقائه، فقام بتحويل حكايات «كليلة ودمنة» لحوارات مسرحية، ثم نَمى أبوالفنون بداخله خاصة بعد انتهاء دراسة علومه في 1988، حتى احترف فن الإخراج المسرحي، فأخرج العديد من المسرحيات منها: «ليلة 27، رقصة السرو، الدرس، حضنك يا رمل، من ليلى إلى جولييت، قصور الشوق، بين اثنين، ترى ما رأيت، أو لا تكون، هوامش على شريك الذاكرة، كابوس آينشتاين» وغيرها من العروض التي لاقت نجاحًا كبيرًا، مما جعلت اسمه محفورًا في ذاكرة المسرح العربي؛ اختارته إدارة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ليصبح أحد مكرمي الدورة الـ29، وذلك تقديرًا لمسريته الإخراجية في الوطن العربي.
عمل «الشعافي» مديرًا ومؤسسًا لمركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين في الفترة من 2010 حتى 2012، والمدير العام للمسرح الوطني التونسي في الفترة من 2012حتى 2014، كما تولى عضوية لجان تحكيم وطنية ودولية، وشارك في العديد من الندوات داخل تونس وخارجها. قدم رسالة بحث بعنوان «المسرح الحديث في تونس بين التجربة والتجريب» توّجها بإقامة فنية بمسرح شتوتجارت بألمانيا حول فن الإخراج، وقد قام بتربصات عديدة أهمها جمالية الحركة وفن الميم بالمهرجان العالمي للبونتوميم عامين 1990 و1991، وتقنيات الركح مع البلجيكي إيريك فانيوتان، والرقص المسرحي بمهرجان أفينون بفرنسا 1985 وغيرها.
التقت «البوابة نيوز» المخرج المسرحي التونسي أنور الشعافي، للحديث حول تكريمه من المهرجان، والمشهد المسرحي التونسي والحراك السياسي، ومشاريعه الإبداعية المقبلة إلى نص الحوار...
* ماذا يمثل تكريم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي لك؟
- القاهرة هي أيقونة تاريخية ورمز للفن، وهي أيضًا عاصمة التجريب المسرحي في العالم، لذلك أنا ممتن لهذا المهرجان الأعرق في اختصاصه وحيث قضيت مسيرتي تجريبيًا فإن تكريمي أعتبره تتويجا لهذه المسيرة وتحفيزا لمزيد من البحث والإبداع، لأن الفنان لا يتقاعد أبدًا، فبيتر بروك الذي تحمل هذه الدورة اسمه غادرنا منذ مدة عن عمر ناهز ٩٧ سنة وظل إلى آخر عمره مجرّبًا، وقد قلت عن هذا المهرجان: «إذا كانت مصر هبة النيل كما قال هيرودوت فإن تجريبي القاهرة هو هبة مصر للمسرحيين في العالم».
* تحمل دورة هذا العام اسم المسرحى الراحل بيتر بروك.. فمن هو بيتر بروك لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة؟
- بيتر بروك هو أحد أهم المجدّدين في المسرح العالمي، وصاحب نظرية الفضاء الفارغ، التي ضمّنها في كتابه الحامل لنفس الاسم، وقد بدأها منذ سنة ١٩٦٢ في مسرحية «الملك لير» وهو يدعو إلى مسرح خالص خال من الشوائب مبينا وجود أربع أشكال من المسرح هي: «المسرح الصلب، والمسرح المقدّس، والمسرح الميت، والمسرح المباشر»، وحسنًا فعل تجريبي القاهرة بإطلاق اسمه على الدورة الحالية رمزًا واعترافًا لهذا العبقري الذي أخرج مسرحية «هاملت» شكسبير بتقنية مسرح العرائس وعمره خمس سنوات فحسب.
* كيف كانت البداية مع فن المسرح؟
- غُرمت بالمسرح طفلًا ومارسته بتقنية عروس القفّاز بصحبة الأصدقاء نحوّل حكايات «كليلة ودمنة» إلى حوارات مسرحية، ثم في المسرح المدرسي فالهاوي فالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس ثم اخترت التكوين الميداني عبر إقامات فنية وتربصات بمسارح عالمية أهمها مسرح شتوتجارت بألمانيا وهو أكبر مسارح أوروبا، وأسست فرقة سميتها «مسرح التجريب» سنة ١٩٩٠، بالإضافة إلى مهرجان وطني في هذا الاختصاص عام ١٩٩٢، وبدأت وظللت أقدم مسرحًا مُنزاحًا عن السائد ففي مسرحية «ترى ما رأيت» اختبرت تقنية الممثل عن بعد وفي «أو لا تكون» وظفت السيرك الفني في تركيب لمسرحيات شكسبيرية وليس مجرد استعراض وفي «من ليلى إلى جولييت» في إخراج مشترك مع مخرج فرنسي عملنا على مزج سلس بين لغتين في حوارات المسرحية.
* «هوامش على شريط الذاكرة» تحتل مكانة خاصة فى حياتك.. حدثنا عن هذه التجربة؟
- بالفعل وكان في أصله مشروع تخرّجي عام ١٩٨٨، ثم أعدت صياغتها سنة ٢٠١٨ في إنتاج للمسرح الوطني التونسي الذي أدرته سابقًا مع تغيير المواقع، حيث أخرجت المسرحية والممثل على الركح هو نفسه الدكتور المؤطر لمشروع تخرجي قبلها بثلاث عقود، وفي هذه المسرحية عملت على التركيب السلس بين الصورة السينمائية والصورة المسرحية.
* كيف تأثر المسرح التونسي خاصة بعد الثورة التونسية؟
- إن التأثر الجمالي كصدى للتغيرات الاجتماعية يستدعي مسافة وتفكيرًا متأنيًا، حتى يعيد المسرحيون تحسين أدواتهم على ضوء المتغيرات، لذلك لم نر تغييرًا لافتا للمشهد المسرحي التونسي، لأن المتغيرات الاجتماعية ما زالت في حراك مستمر، فبحيث لا نستطيع الحديث عن تأثّر دون تأثير.
* «كابوس آينشتاين» يطرح تساؤلًا كبيرًا أى مصير للإنسان مع تنامى وسيطرة تكنولوجيا التواصل على حياتنا.. حدثنا عن ذلك؟
- هذه المسرحية من تأليف الكاتب التونسي المُقيم بألمانيا كمال العيادي الملقب بالكينج، وهي التسمية التي أطلفها عليه أحد وزراء السابقين للثقافة في مصر، التي أقام بها لفترة والمسرحية تتناول كما ذكرت التأثيرات السلبية لاستعمال وسائل الاتصال الحديثة والخرافة طريفة، حيث وضعت آلة الزمن آنشتاين لخطأ في التقدير في عصر الجاهلية عندنا، لكن بمعارف معاصرة فيصطدم بمواقف متناقضة وساخرة تؤسس لمسافة نقدية لوسائل التواصل الحديثة، وقد اعتمدت في أدواتي الإخراجية على بعض تقنيات الرياضات القصوى، التي يستعملها شباب اليوم مثل الهوفربولد، والسكايتبورد، واستعمالها ليس مجانيا، بل في علاقة بالحركة في الزمكان حسب نظرية النسبية العامة لآنشتاين، وكذلك بحثًا عن إيقاع مختلف لحركة الممثل على الركح.
* أسست فرقة مسرح التجريب عام 1990 هل حققت كل ما تتمناه؟
- التمني في التجريب لا يتحقق، فإن تحقق كفّ عن أن يكون تجريبًا هو سير لا يتوقف ونحن لا نسبح في نهر التجريب مرتين استعارة لمقولة هيرقليطس، وقد واصل مركز الأنون الدرامية بمدينة مدمدنين جنوب تونس، والذي أسسته سنة ٢٠١٠ هذا التوجه التجريبي بعد أن غادرته لإدارة المسرح الوطني.
* ما قراءتك للحراك السياسي في تونس الآن؟
- لقد مررنا بعشرية سوداء انحدرت فيها تونس على كل المستويات وشهدنا فيها فوضى عارمة وما يحدث الآن هو فعلا حراك ولا نعرف مآلاته، لأن رؤاه ما زالت غير واضحة المعالم، نتمنى طبعًا أن نرسو على شاطئ أمان ينتظره كل الشعب التونسي.
* هل أصبح لدينا الآن مسرح تجريبى عربى يحمل كل خصوصيات التفرد والتميز؟
- يوجد فعلا مؤشرات لذلك في عدة تجارب عربية في بلدان المغرب العربي وفي مصر، والكويت خاصة، وقريبًا الإمارات التي وضعت استراتيجية واعية لذلك، أنا كلي ثقة في شباب المسرح العربي المجرّب الرافض للأشكال والأنواع المحنطة، وقد شاهدنا تجارب واعدة بمسرح جديد ومختلف ومتفرد.
* ما الاختيارات الجمالية التى راهنت عليها النصوص المسرحية العربية التجربية؟
- يمكن القول من خلال ما شاهدت هى اختيارات جمالية تستند إلى إعادة صياغة ركحية لنصوص عالمية مثلما فعل الكويتي سليمان اليسام في «آى ميديا» وأعتبر كل هذا توجها مرضيًا، لأن المسرح هو فن إنساني يتجاوز الثقافات، فمن الممكن العمل على إعادة صياغة مسرح توفيق الحكيم الذهني مثلًا أو كما فعل سامح مهران في نصه «هاملت بالمقلوب».
* كيف ترى المسرح المصرى فى الوقت الراهن؟
- منبهر بأعمال فرقة مسرح الورشة وقيمتها الفنية العالمية مثل «طيور الفيوم» التى عرضت في مهرجان أفينيون، وساندت أيضًا أعمالًا خاصة لجيل مهرجان القاهرة الذي أثر في أجيال ما بعد ١٩٨٨ وهذا أحد أهداف المهرجان.
* ما المشروع المسرحى الحالى الذى تعمل عليه الآن؟
- سأتفرغ قريبًا للإبداع، وأعمل على مونودراما في ما يسمى مسرح السيرة، وأيضًا على عمل بصيغة عالمية سيمثل عصارة تجربتي وسيرافقه مؤلف تنظيري.
* ما الرسالة التى توجهها لشعب تونس من مصر؟
- أحبوا بلدكم وأخلصوا له وكونوا متسامحين في تقبّل اختلافاتكم وستتجاوزون كل الأزمات وسترجع تونس خضراء، فالأمم العريقة قد تتعثر لكنها لا تسقط.