من أهم مؤشرات مبادرة الحوار الوطني أنه يؤكد أن الحياة الحزبية لمصر تاريخ لا ينقطع، وأن أي فترات خمول للنشاط الحزبي لا تخرج عن كونها بياتا شتويا مؤقتا، بسبب الظروف الملتبسة، وبعض من حالات الظرف الطارئ على المجتمعات نتيجة تطورات الأحداث، والمراحل الانتقالية.
حتى لو اختلف البعض على آليات الحوار الوطني، وأهدافه، إلا أن الاتفاق العام يفرز أن أعاد بعض من الحياة للحالة السياسية في البلاد، انطلاقا من طموح أعلى في اتجاه تنشيط الحياة الحزبية والسياسية في مصر، فبعض من القوى السياسية يرى أن هذا الحوار ساهم في دب النشاط مجددا في مقرات الأحزاب، والتي وجدت في الدعوة لحوار وطني حول مجمل قضايا الوطن نقطة انطلاق نحو مرحلة حقيقية للتشارك في بناء جمهوريتنا الجديدة.
ولا يمكن أن يحقق الحوار الوطني أهدافه دون مشاركة حزبية ومن القوى السياسية المنظمة في البلاد، فلا يمكن أن يقام حوار ناجح دون أن تتواجد مثل هذه القوى في القلب منه، ومن هنا قد حرصت الأمانة العامة للحوار الوطني على عقد العديد من اللقاءات مع الأحزاب وخصوصا الرئيسية منها، وعلى أن تضم من بين أعضائها ممثلين للقوى والتيارات السياسية والمجتمع المدني، لتبادل الرؤي حول محاور الحوار الثلاثة الرئيسية «السياسية والاقتصادية، والمجتمعية».
وأعتقد، ووفقا لتصريحات مسئولين حزبيين، أن العديد من الأحزاب أعدت، أو تعكف على إعداد، أوراق عمل تشكل رؤيتها لدعم مخرجات الحوار الوطني بما يأتي بنتائج تصب في بناء كامل لجمهورية مصرية جديدة تجمع في سياسياتها كل أطياف أبناء الوطن، بكل رؤاها، ليجد الجميع نفسه فيها.
ولا شك أن الانطلاق نحو حوار جامع وشامل يبدأ من السياسية، ولهذا نتفق مع القول بأن رحلة قطار الإصلاح تنطلق من محور السياسة، لأنه البداية القوية والطبيعية في اتجاه مرحلة إصلاح شامل للبلاد، يصب في باقي القطاعات.
ومن هنا جاءت مطالب مثل أهمية إجراء تعديلات على الدستور، وتوفير مظلة قانونية تدفع للأمام بنشاط الأحزاب والنشاط الحزبي بشكل عام، إلى جانب أهمية إعادة إحياء المحليات، وإبراز دورها المحوري في الحياة السياسية، وغير ذلك من تفعيل أي مواد قانونية أو قرارات ذات علاقة بالحياة السياسية والحزبية.
ونؤكد هنا أن القطاع السياسي، هو القاطرة التي تقود مختلف القطاعات الأخرى، بما في ذلك القطاع المجتمعي، والقطاع الاقتصادي، لمعالجة العديد من القضايا التي تواجه الدولة في المرحلة الحالية، في ظل أزمات عالمية تركت بصماتها على كل اقتصاديات العالم.
وفي تفاصيل ملفات الحوار الوطني، وفي محاوره المختلفة، تأتي أهمية البحث والنقاش، للعمل على تعزيز مفهوم أن تصبح مصر دولة إنتاج وتنمية، تعتمد على منتجاتها المحلية، ورفع عبء الاستيراد، وتعزيز مفهوم التصدير، من خلال خطط مدروسة بدقة، ترفع شعار حقيقي وواقعي «صنع في مصر»، بجودة عالمية، للمستهلك المحلي قبل الأجنبي.
ومن المهم أن نتبع مفهوما جديدا في استقطاب الاستثمارات الخارجية، من خلال شراكات مع صناديق سيادية عربية تدخل كشركاء بدلا من المستثمرين الأجانب والغربيين الذين يعتمدون دائما على نموذج الأموال الساخنة، دون أن نحصر أنفسنا في سياسات الاستحواذ على المشروعات الناجحة، باتباع رؤى تعزز من القيمة المضافة لاستثمارات جديدة.
وفي القلب من القضايا تأتي قضية الديون، والبحث فيها والمخرج من معضلة لم تواجه مصر فقط، بل واجهت العديد من دول العالم، مع الحاجة لصناعات كثيفة العمالة، مع سياسات زراعية تُعظم من الاكتفاء الذاتي وتستند على الابتكار في عالم محاط بأزمات لا تنتهي.
وأنا على يقين أن الأحزاب المصرية لديها العديد من القدرات والكفاءات التي يمكن أن تساهم بأوراق عمل لبناء مصر الجديدة، في مختلف المجالات، والتي تحتاج من الأمانة العامة للحوار الوطني الأخذ بكل قيمة مميزة من رؤاها وأفكارها، لمصر في عهد جمهورية جديدة تضاف إلى تاريخ هذا البلد، فالمؤكد أن الحياة الحزبية مهمة ولا يمكن الاستغناء عنها، وستبقى زاخرة وإن خفت ضوءها في فترات، نستطيع القول إنها انتقالية، وتفرضها الضرورة على مر السنوات.
والمهمة الأخرى أن يستقطب الحوار الأسماء التي خرجت من الحياة السياسية والحزبية لأسباب مختلفة، والعمل على تفتيت الخلافات وما يمكن أن نسميه بـ"صخور الجبال السياسية، فالمؤكد أن الحوار هو للمصلحة العامة وليس للمناظرة، من المهم أن تكون الحكومة شريكا في الحوار ليس لمجرد الردود بل للاستفادة من نتائج مسار الحوار.