بداية الرحلة كانت من مقعد لحوار مع الأمين العام لحزب التجمع آنذاك السيد خالد محيى الدين لمجلة «المرأة المناضلة» التى كانت تصدر عن اتحاد النساء التقدمى بحزب التجمع، لتتحول إلى مقعد الحارس الأمين ومدير مكتب زعيم الحزب طيلة أكثر من أربعين عامًا.
كان ذلك الحوار بداية لقائي الأول بالزعيم خالد محيى الدين.. رجل بشوش ذو ابتسامة حانية لا تحس رغم ثقله السياسي والتاريخي إلا أنه إنسان بسيط، فكانت نظراته الأولي جسر أمان للتعامل والعمل. كاريزما الزعيم هادئة: ابتسامة كلها إشراق وأمل وعيناه تفيضان بالقوة والحيوية في نفس الوقت.
هل كان ذلك الحوار مفتاح الوصول إلى مقعد مدير مكتب الزعيم، أم هي الأقدار التي رسمت خطاها لكي أنهي دراستي الجامعية وألتحق بالعمل بالحزب؟
أعتبر نفسى محظوظة بالعمل مع الزعيم خالد محيى الدين، وأعتقد أننى محظوظة أيضًا بأن أنال محبة واحترام أهل دائرته التي لم تنقطع صلتهم بي إلى يومنا هذا.
انتهج الزعيم سياسة الباب المفتوح لكل قادم فلا يغلق بابه أبدًا في وجه أحد، حتى لو كان من خارج الدائرة.
استطعت بفضل الله أن أنال ثقة ومحبة أهل الدائرة الذين كانوا بعد انتهاء مقابلاتهم مع الزعيم يقضون معي أوقاتًا طويلة في الفضفضة والحكي بأشياء كثيرة حياتية، مما أثقل عقلي بالأفكار والحكايات، واستطعت أن أنسج حكايات من الواقع تمشى على الأرض، وكان لهم الفضل أن أنال بحكاياتهم عضوية اتحاد الكتاب بعد سردها فى قالب قصصى وطباعتها في كتيبات كحكايات واقعية تتعايش مع أسر كثيرة حولنا.
وهناك موقف لم أعرفه إلا بعد وفاة زعيمى وقائدى.. حكي لي عضو مجلس شعب ما زال موجودًا بيننا متعه الله بالصحة، ويحكى سيادة النائب أنه أثناء اجتماع أمناء المحافظات طلب الزعيم خالد محيى الدين من كل محافظة أن تشترى خمس أو عشر نسخ من مجموعتي القصصية على سبيل التشجيع والدعم الأدبى.. يومها شعرت باستغراب واعتقدت أن الأعضاء اشتروا المجموعة بناء على إعلان كنت قد وضعته على الحائط المقابل للباب الخارجي للحزب، وبعد وفاة الزعيم فاجأني سيادة النائب بدعم الزعيم لي، وهكذا كان مع كل العاملين معه.
كان الزعيم يتحدث معي ومع سائقه الخاص وحارسه الخاص ومع طباخه الخاص ومع كل من يعملون عنده في المنزل فى بعض الأمور الحياتية التي تمس المواطن العادي، وعن طريق ذلك يعرف نبض الشارع من مجريات بعض الأمور.
نسجت الظروف معي بداية لميلاد جديد يوم التحقت بالعمل مع الزعيم خالد محيى الدين.. كان العمل يبدأ من العاشرة صباحًا إلى الثالثة عصرًا.. يأتي إلى المكتب من يحملون آمالهم وطموحاتهم في عمل أو وظيفة أو من له مظلمة ما ويأمل في حلها، وكان الزعيم بابتسامته الحانية يداوم على الاتصالات اليومية بالوزراء وبرؤساء الشركات حول التماسات أهل دائرته، وفى بعض الأحيان يجمع بعض الطلبات لمقابلة الوزراء وعرض التماسات أهل دائرته.
لا أنسى يوم جاءت إحدى السيدات تريد أن تلحق ابنها بوظيفة ما لدى إحدى الوزارات.. على مكتب الزعيم وضعت التماس السيدة ونحاه جانبًا فاعتقدت أنه لم يره، فكررت المحاولة وكرر الأستاذ إبعاد الالتماس، وبعد مرة ثالثة وأخيرة، أخذ الالتماس ووضع عليه علامة ووضعه أعلى الطلبات المقدمة للوزير.
ذهب الزعيم لمقابلة الوزير وعند عرض الطلبات، أخذ الالتماس الأول ونحاه جانبًا على مكتب الوزير، واستجاب الوزير لكل الطلبات فقد كانت هناك شركة جديدة وتطلب مؤهلات عليا بتقدير.. وبعد أن وقع على كل الطلبات، بادر بسؤال الأستاذ خالد ما هذا الالتماس فرد عليه الزعيم: «هذا لفتاة مؤهل متوسط، لذلك لم أرفقه بالطلبات لأن المطلوب مؤهلات عليا».. فرد الوزير: «هات الطلب سوف أوافق عليه ونشوف لها فرصة عمل مناسبة».
رجع الزعيم سائلًا إياى: «لمن هذا الطلب؟».. قلت: «لا أعرف ولكن عنوانها مرفق مع الطلب».. فطلب منى إرسال برقية لها لمقابلة الزعيم، وعندما جاءت وشاهدت التوقيع بالموافقة لم تتمالك نفسها وانهارت في بكاء شديد لفترة طويلة، وهى تدعو للأستاذ خالد.
ومن الإنسانية أيضًا التى يملك ناصيتها الزعيم والتي حباه الله بها، كان يعمل معه مندوب للعلاقات العامة منذ فترة طويلة وكان معه في أيام الجيش أيضًا، وعندما توفى إثر حادث أليم، ما كان منه إلا أن تواصل مع عائلته وقرر أن يلتحق ابنه بنفس وظيفة والده إرضاءً لروح هذا الرجل.. أيضًا توفى أحد الذين يعملون في خدمته بالمكتب فظل يرسل راتبه إلى زوجته طيلة حياته، والحكايات فى هذا المجال كثيرة.
ولا أنسى قراره التاريخي وأجمل محطات حياته إشراقًا ذلك القرار الذي زاد رصيده في قلوب محبيه سواء داخل الحزب أو خارجه وقطاعات واسعة من الشعب المصرى.
الفقرة الأولى بالمادة الثامنة من لائحة الحزب والتي تنص على: «يحظر تولى أى قيادة نفس المسئولية الأساسية أكثر من دورتين متتاليتين»، أثارت جدلًا عنيفًا بين أعضاء الحزب وأصدقائه وأراد البعض تعديلها ليظل الزعيم رئيسًا للحزب، ولكنه كقائد شجاع اتخذ قراره في ظل التفاف جميع الأعضاء حوله فكان القرار من موقف قوة لا موقف ضعف، وكانت السابقة الأولى في الحياة السياسية المصرية أن يترك رئيس حزب موقعه ليفسح الطريق أمام قيادة جديدة، وقال: «آن الأوان لإتاحة الفرصة لقيادات جديدة لنقدم نموذجًا للتغيير وتداول السلطة بشكل ديمقراطي».
كم افتقدك زعيمى وقائدى رحمك الله.
آراء حرة
حكايات من دفتر الإنسانية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق