تحل اليوم الأحد الذكرى الـ41 لوفاة رائد الشعر العربي الشاعر صلاح عبدالصبور، الذي عمل محررا أدبيا لجريدة الأهرام، ومجلتي روز اليوسف، وصباح الخير، ثم نائبا لرئيس تحرير مجلة روز اليوسف، ومديرا عاما لدار الكتاب العربي، ورئيس تحرير مجلة الكاتب، ووكيل وزارة الثقافة لشئون الثقافة الجماهيرية كما تولى رئاسة مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب في الفترة من 1979 حتى وفاته.
ولد الشاعر محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكى في 3 مايو 1931 بمدينة الزقازيق، التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية في عام1947 وفيها تتلمذ علي يد الشيخ أمين الخولي الذي ضمه إلى جماعة (الأمناء) التي كوّنها، ثم إلى (الجمعية الأدبية) التي ورثت مهام الجماعة الأولى.
كان للجماعتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبي والنقدي في مصر، على مقهى الطلبة في الزقازيق تعرف على أصدقاء الشباب مرسى جميل عزيز وعبد الحليم حافظ، وطلب عبد الحليم حافظ من صلاح أغنية يتقدم بها للإذاعة وسيلحنها له كمال الطويل فكانت قصيدة لقاء، تخرج صلاح عبد الصبور عام 1951 وعين بعد تخرجه مدرسا في المعاهد الثانوية ولكنه كان يقوم بعمله عن مضض حيث استغرقته هواياته الأدبية.
ودع صلاح عبد الصبور بعدها الشعر التقليدي ليبدأ السير في طريق جديد تماماً تحمل فيه القصيدة بصمته الخاصة، زرع الألغام في غابة الشعر التقليدي الذي كان قد وقع في أسر التكرار والصنعة فعل ذلك للبناء وليس للهدم، فأصبح فارسا في مضمار الشعر الحديث. بدأ ينشر أشعاره في الصحف واستفاضت شهرته بعد نشره قصيدته شنق زهران وخاصة بعد صدور ديوانه الأول الناس في بلادي إذ كرسه بين رواد الشعر الحر مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب.
وظف صلاح عبد الصبور النمط الشعري الجديد في المسرح فأعاد الروح وبقوة في المسرح الشعري الذي خبا وهجه في العالم العربي منذ وفاة أحمد شوقي عام 1932 وتميز مشروعه المسرحي بنبرة سياسية ناقدة لكنها لم تسقط في الانحيازات والانتماءات الحزبية.
كما كان لعبد الصبور إسهامات في التنظير للشعر خاصة في عمله النثري حياتي في الشعر. وكانت أهم السمات في أثره الأدبي استلهامه للتراث العربي وتأثره البارز بالأدب الإنجليزي.
تنوعت المصادر التي تأثر بها إبداع صلاح عبد الصبور من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي، مروراً بسيَر وأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب مثل الحلاج وبشر الحافي، الذين استخدمهما كأقنعة لأفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات. كما استفاد الشاعر من منجزات الشعر الرمزي الفرنسي والألماني (عند بودلير وريلكه) والشعر الفلسفي الإنجليزي (عند جون دون وييتس وكيتس) بصفة خاصة.
كتب عبدالصبور الكثير في العلاقة بين " جريمة قتل في الكاتدرائية لإليوت ومأساة الحلاج لعبد الصبور، لم يُضِع عبد الصبور فرصة إقامته بالهند مستشارا ثقافياً لسفارة بلاده، بل أفاد خلالها من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة وكذلك كتابات كافكا السوداوية، إلى جانب تأثره بكتاب مسرح العبث. وكما ذكر بتذيل مسرحيته " مسافر ليل ".
اقترن اسم " صلاح عبد الصبور " باسم الشاعر الأسباني " لوركا " خلال تقديم المسرح المصري مسرحية " يرما " لكاتبها " لوركا " بستينات القرن الماضي، إذ اقتضي عرض المسرحية أن تصاغ الأجزاء المغناة منها شعرا ، وكان هذا العمل من نصيب " صلاح عبد الصبور " ظهرت ملامح التأثر بلوركا من خلال عناصر عديد بمسرحيات عبد الصبور مثل " الأميرة تنتظر، بعد أن يموت الملك، ليلي والمجنون " فبهذه المسرحيات تشابهت الموضوعات فيما بينهم.
واستقي عبد الصبور منابع موضوعاته من خلال التناص الواضح مع طبيعة الموضوعات والتيمات المسرحية، صاغ الشاعر باقتدار سبيكة شعرية نادرة من صَهره لموهبته ورؤيته وخبراته الذاتية مع ثقافته المكتسبة من الرصيد الإبداعي العربي ومن التراث الإنساني عامة، وبهذه الصياغة اكتمل نضجه وتصوره للبناء الشعري.
رحل الشاعر صلاح عبد الصبور إثر تعرضه إلى نوبة قلبية حادة أودت بحياته، اثر مشاجرة كلامية ساخنة مع الفنان الراحل بهجت عثمان، في منزل صديقه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وكان عبد الصبور يزور حجازي في منزله بمناسبة عودة الأخير من باريس ليستقر في القاهرة.
وقالت أرملة صلاح عبد الصبور السيدة سميحة غالب: سبب وفاة زوجي أنه تعرض إلى نقد واتهامات من قبل أحمد عبد المعطي حجازي، وبعض المتواجدين في السهرة وأنه لولا هذا النقد الظالم لما كان زوجي قد مات، اتهموه بأنه قبل منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، طمعاً في الحصول على المكاسب المالية، متناسيا واجبه الوطني والقومي في التصدي للخطر الإسرائيلي الذي يسعى للتطبيع الثقافي، وأنه يتحايل بنشر كتب عديمة الفائدة لئلا يعرض نفسه للمساءلة السياسية.