رئيس تحرير «البوابة نيوز» تُحاور المفكر الكبير عبد المنعم سعيد فى حديث لا تنقصه الصراحة
الدستور يحتاج مراجعة
«البرادعى» معملش حاجة غير «التويتات».. وترك مصر خلال معركتها مع الإرهاب لا بد من تحديد فترة الحبس الاحتياطى بإجراءات من النيابة العامة
نسعى حاليًا لتغيير الصورة السلبية التى نجحت جماعة الإخوان فى رسمها زيفًا عن مصر
الصحف القومية تعانى من أزمات كثيرة.. وأنا من المنادين بخصخصتها
الأحزاب ليست طفلًا يحتاج رعاية.. وهناك مسافة كبيرة بينها وبين المواطن
هناك العديد من القوانين تحتاج لتوافق اجتماعى وسياسى حتى تتمكن من اكتساب شرعية الحوار
الإخوان وقت الضعف يسعون للحوار.. لكن وقت القوة استراتيجيتهم التمكين والعنف وما بيننا وبينهم «صراع»
استدعاء بعض الرموز من الخارج للمشاركة فى الحوار الوطنى خطوة موفقة
الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة تايوان نتائجها سيئة على مصر
يجب ألا نلتفت للمشككين فى جدوى الحوار الوطنى
حوار- داليا عبد الرحيم
تصوير- علاء القصاص وعبدالله محمود وشريف خيري
«لا يوجد قرار سياسي ليس له ثمن مادي أو معنوي أو زمن يتم فيه، الأصل في المجتمعات السلمية الحوار السياسي المستمر، والمتصور أن الحوار سوف يكون منطلقًا من نقطة التوافق الوطنى على أن الهدف المصرى هو بناء الدولة المصرية “المدنية الديمقراطية الحديثة”.
بهذه الكلمات استهل، المفكر الكبير وعضو مجلس الشيوخ، الدكتور عبدالمنعم سعيد، كلماته عن الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكدًا أنه جاء فى توقيت مهم جدًا نظرًا للتحديات والقضايا الداخلية والخارجية التى تواجهها الدولة فى الفترة الحالية ما يجعل له العديد من المكاسب أبرزها خلق وعى عام شامل بمختلف التحديات وجذب استثمارات جديدة، مؤكدًا أن الحوار يساهم في معالجة عدد من القضايا المحورية والمنتظر تناولها في الجلسات مثل فتح المجال العام ومكافحة التطرف والإرهاب وحقوق الإنسان وتفعيل المجتمع المدنى ودور الدولة الاقتصادى والقطاع الخاص.. وإلى نص الحوار:
■ رغم مرور وقت على دعوة الحوار إلا أن السؤال الرئيسي لماذا الدعوة للحوار الآن، وكيف ترى مكتسبات الحوار للوطن؟
الرئيس عبد الفتاح السيسي، دعا لحوار سياسي، وأحيانًا نستخدم تعبير حوار وطني وأحيانًا حوار مجتمعي وهناك فرق بين الثلاثة تعبيرات، فالحوار الوطني يحدث حينما يكون هناك انشقاق في الأمة بين المعارضة والحكم، ويسعيان لتجاوز الخلافات الموجودة بينهما، والحوار المجتمعي يكون للتوفيق بين الطوائف المختلفة في المجتمع، بينما الحوار السياسي له علاقة بالقرار، والقرار دائمًا ثمن وزمن، فلا يوجد قرار سياسي ليس له ثمن مادي أو معنوي أو زمن يتم فيه، الأصل في المجتمعات السلمية الحوار السياسي المستمر، ولأي حوار سياسي يتعلق بزمن وثمن ما لم يكن هناك مرجعية مشتركة للحوار، والمرجعية تستند لرؤية من الناحية التنفيذية وهو الدول الصناعية في العالم التي حققت معدلات نمو مرتفعة خلال فترات زمنية قليلة، وتقوم بعمل أشياء متوازية تصنيع وتعليم وفتح السوق الداخلية للعالم للاستثمار فيها، ومصر بها كثير من ملامح هذه المرجعية.
كما أن دعوة الرئيس السيسي للحوار الوطنى جاءت فى ظل ظرف تاريخى مليء بالأزمات العالمية المتتالية والمركبة وتلك الأزمات تشمل الإرهاب وأزمة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الغلاء العالمى، وكل هذا له تأثير واضح على المجتمع، والحوارات السياسية جزء من الحياة السياسية لأي دولة ناضجة، وأمر ضروري بين الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني والمجالس النيابية لكن تكون هناك حاجة إلى حوار سياسى خاص عندما يكون هناك منعطف أو أزمة أو وضع استراتيجى يتطلب التشاور مع بقية أركان الأمة، فالحوار السياسي أمر مهم جدا ودعوة الرئيس للحوار الوطني تعكس المرحلة الحالية.
■ ما يدور من أحاديث في الشارع السياسي المصري وتوقيت الدعوى للحوار.. هل ترى هناك ضغوطا داخلية أو خارجية لعقد الحوار؟
لا يوجد أي ضغوط داخلية أو خارجية لعقد الحوار، ولا يمكن لأحد توجيهنا لعمل حوار وطني من عدمه، "مفيش حد يقولنا اعملوا حوار أو متعملوش"، خاصة أن الحوار يتحدث مع القوة السياسية الوطنية ويتحدث عن مستقبل بلد، وقضايا واضحة، مثل قضايا كيف نحافظ على معدلات نمو عالية، وكيف نتعامل مع الزيادة السكانية، وكيف نتعامل مع قضايا مثل الغذاء والدواء، وكيف نتعامل مع قضية الاحتباس الحراري ونحن من الدول المتاثرة بتلك القضية للغاية، هناك قضايا كثيرة كقضية الاستقرار الإقليمي بالنسبة للسياسة الخارجية وهذه من القضايا السياسية التي تحتاج إلى إجابة على السؤال كيف ومتى وكم، وليس الرد بكلام عاطفي أو كلام مغلغل في التعقيد.
■ حدثنا عن توقيت الدعوة للحوار.. وهنا أقصد من يقول إنه كان من الأفضل إقامة الحوار الوطني في الفترة الأولي لعهد الرئيس السيسي ولكن الرئيس كان واضحًا، وقال: إننا لدينا أولويات والسياسة ليست هي الأولوية؟
السياسية تدار بالعقول ولا تدار هكذا، الأصل في الحوار هو وجود مجالس نيابية "مجلس النواب ومجلس الشيوخ"، ومؤسسات المجتمع المدني وهما أساس الحوار باعتبارهما صوت للمواطن، إنما القضية هي الطريقة والمنهج للحوار، وأي حوار سياسي مرتبط بقضايا مرتبطة بشىء معين، ومن هنا يكون الحوار، هو يفترض أن يكون موجودا ولكن بمنعطف معين ونقطة تحول معينة وهذا توقيته.
■ من خلال مشاركتك في جلسات الأمانة العامة للحوار الوطني.. كيف ترى الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن من الدعوة للحوار؟
أنا متطلع للاستماع أكثر إلى قرارات وأمور لها علاقة بالقرار السياسي الذي يتضمن تقييمًا للمرحلة الماضية، ما نقصنا في المرحلة الماضية، وما نحتاجه لتعديل المرحلة المقبلة، هل نحتاج لتفعيل المادة ٢٤٨ من الدستور والتي تنص على الواجب الأول لمجلس الشيوخ في التعامل مع النظام السياسي مع توسيع عباءة الديمقراطية في البلاد؟ هل في ذلك التوقيت السليم وما نريد أن نفعله على وجه التحديد للحياة الحزبية؟ وهناك أمور في الدستور لم تستكمل بعد لها علاقة باللامركزية في مصر وقوانين متعددة في الدستور، ودائمًا نقول المادة طبقًا للقانون، هذه القوانين لم تنجز بعد، وتحتاج لتوافق اجتماعي وسياسي داخل الدولة حتى تتمكن من اكتساب شرعية الحوار الذي جرى وأيضًا شرعية التنفيذ.
■ هل ترى في قرار إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي استجابة لشروط المعارضة للجلوس على طاولة الحوار؟ وما رأيك في وضع بعض قوى المعارضة شروطًا للمشاركة في الحوار؟
أقولها بصراحة.. من لا يريد أن يجلس على طاولة حوار هذه حريته الخاصة، وللأسف الشديد أصبت بخيبة أمل منذ الإعلان عن الحوار لوجود محاولات لتركيز الحوار على شيء واحد مثل الحبس الاحتياطي والإفراج عن المحبوسين، وجزء منه محاولة لإظهار وجود انقسام في المجتمع، وفهم أن الدعوة للحوار عملية تشير لضعف ما أو محاولة لمنع العنف والانفجار، كما لو أن هناك مشكلة في الدولة.
■ كيف ترى استدعاء بعض الرموز من الخارج للمشاركة في الحوار الوطني وما الرسالة المراد توصيلها بذلك؟
خطوة موفقة في تقديري، ومعظم هذه الشخصيات مفكرون وساهموا في التفكير من قبل في الساحة العامة سواء بالكتابة أو الحديث أو بأمور شتى ومشاركتهم مرحب بها، ولكن لا أعتقد أن الكثير منهم راغب في أخذ القرار، وبعضهم ينتظرون ماذا سيحدث في مصر.
■ يتردد في الأوساط السياسية أنه تم توجيه الدعوة للبرادعي للمشاركة في الحوار تعتقد ذلك.. وما تعليقك؟
الدكتور محمد البرادعي لم يفعل شيئًا لمصر غير أنه يكتب تويتات يعبر فيها عن مشاعره إزاء ما يجري في مصر وفي المنطقة، إنما لم يطرح برنامجًا ولا رؤية ولا مشروعا، إلا تعليقات على الحياة السياسية في الوقت الذي كانت الدولة تحارب الإرهاب وسط تفجيرات وسقوط قتلى بالمئات، وبفضل جهود الدولة انتصرنا انتصارًا عظيمًا، وفي الوقت ذاته كان البرادعي في باريس أو في الخارج وتارك مصر مستقيلًا خلال معركة مهمة جدًا مع الإرهاب إبان اعتصام رابعة.
■ الإخوان فصيل مارس العنف وسفك الدماء، كيف ترى مغازلته للحوار من أجل الدعوات للدخول فيه؟
الإخوان المسلمين أعداء مصر، ولا يمكن الدخول في حوار معهم وما بيننا فقط هو صراع، حيث إنهم طوال تاريخهم لم يقدموا مقترحًا واحدًا للحل والتنمية، وإنما كان دورهم طول الوقت التشكيك فقط، كما أن الإخوان لديهم استراتيجية خاصة بهم يسمونها التمكين والاستعداد لأقصى درجات العنف والشدة حتي يستمروا في السلطة لسنوات طويلة، حتى انهار وتفتت وانقسم مشروعهم في منطقة الشرق الأوسط.
■ لماذا طغى الجانب السياسي على الجانب الاقتصادي في المقترحات المقدمة للحوار؟ وهل هذا معناه أن الأحزاب والقوى السياسية لا تشعر بمطالب ومعاناة الشارع أم أننا في حاجة ماسة لإصلاح سياسي؟
أنا لا أنتمي لأي حزب سياسي، ورأيي أننا نجرى حوارا سياسيا حول قرارات لا علاقة لها بالسياسة وهي موجودة بالدستور، ولكن السؤال كيف نفعل ذلك عن طريق تفعيل المادة ٢٤٨ من الدستور، إنما الجانب الاقتصادي مهم والمنعطف الذي دعا للحوار وجود ضغوط نتيجة أوضاع عالمية لها علاقة بسعر العملة والمشروعات التي تبنى والمشروعات التي سوف يتم إقامتها، أمور كثيرة جدا، ولكن هناك ثلاثة ملفات رئيسية تهتم بها الدولة المصرية، وهى الملف الأمني والملف الاقتصادى والملف السياسى، الملف الأمني علي سبيل المثال يحتاج للاستكمال مثل قضايا الإرهاب والتطرف الديني واستخدام العنف الأمني، وإعداد البيئة التي تحارب هذا النوع من الإرهاب الديني وهذه قضية مهمة، الأمن له علاقة بمواجهة الإرهاب الذي لم يمت بعد حتي بعد اغتيال زعيم القاعدة ولا يزال قائما مثل مقتل البغدادي ولا يزال تنظيم داعش قائما، وهناك تنظيمات كثيرة. فالإرهاب مرض أشبه بالسرطان في المجتمع وهناك مكافحة له قوية من قبل الجبهة المصرية، وجزء من الاستراتيجية الوطنية العليا تجديد الفكر الديني، وهذا موجود في كل المجتمعات في السعودية والأردن والمغرب، كما أن الجزء الأمني لا يتعلق بمكافحة الإرهاب إنما يتعلق بتغيير البيئة المتسببة في وجود الإرهابيين في الأصل، هذا الموضوع لا يزال مفتوحًا للاجتهاد، والجانب السياسي به جزء شعبوي هدفه الأساسي الإفراج عن المحبوسين وفي رأيي كان يحدث من خلال جزءين، الأول من خلال لجنة العفو التي أنشئت منذ عدة سنوات وأيضا في المناسبات المختلفة، والجزء الثاني متعلق بالحبس الاحتياطي والاستراتيجية الوطنية التي أقرها الرئيس السيسي، و"مفيش حد بيصحى الصبح في مصر ويقول هنقبض علي مين النهارده"، المسألة وجود كلام يدخل في دائرة التحريض أو من الممكن أن يخل بالاستقرار الوطني، وأعتقد أنه يجب تحديد فترة للحبس الاحتياطي من خلال إجراءات تقوم بها النيابة العامة.
■ كيف يمكن للمعارضة خوض الحوار الوطني على أرضية قبول الآخر واحترامه، خصوصا أننا نرى المعارضة في ممارساتها الديمقراطية غير جاهزة، وهذا رأيناه في انتخابات أحد الأحزاب منذ أيام عندما اعترض أحد القيادات الحزبية على النتيجة وقدم استقالته؟
"يقال إنه منعرفش الطريق غير لما نمشي فيه"، يعني التدريب السياسي وممارسته مع وجود قيادة رشيدة متمثلة في ضياء رشوان والمستشار محمود فوزي المشرفين في اختيارنا أعتقد علينا أن ننتظر ونرى كيف سنخرج من هذه التجربة، حتى الآن واضح أنه يوجد توافق واسع من الممكن أن يكون مفيدا.
■ مع الحديث عن عدم الاقتراب من الدستور هل هذا غلق للباب لأي إصلاحات دستورية وقانونية؟
الاجتهاد دائمًا جائز، أرى أننا في حاجة للمراجعة المستمرة، ولكن هل الآن أم لاحقًا، الدستور لدي ملاحظات عليه وذلك نتيجة مواقف فنية من العلوم السياسية، كتبت عنها وذكرت أننا في حاجة أولًا لدستور يكون دستورا فقط، الدستور الحالي يحتوي على أكثر من ٣٠٠ مادة تقريبًا تتحدث عن المبادئ التي تعيش عليها الدولة ثم حاجتها للقوانين بمعنى تحديد الأمور الإجرائية التي يقوم بها القانون، الخلط بين الدستورية والقانونية في دستور ٢٠١٤ يحتاج للمراجعة، والخلطة البرلمانية ما بين النظام البرلماني والرئاسي، أنا من أنصار النظام الرئاسي وهو أقرب للروح المصرية التي تعطي القيادة قدرا كبيرا من المسئولية مع الرقابة في النظم الرئاسية.
■ ألا ترى أن صلاحيات الرئيس في الدستور الحالي تحتاج إلى تعديل دستوري اتساقًا مع النظام الرئاسي؟
في الحقيقة، أنا مهتم بالنظام السياسي ككل وليس السلطات، النظام السياسي ككل القائم على النظام الرئاسي وبوجود رئيس منتخب لديه سلطات كثيرة، لكن في نفس الوقت يوازنه برلمان قوي، إنما الوضع الحالي به خلط بين الاثنين، وإذا جرى تفعيل للمادة ٢٤٨ من الدستور ودخلت المجال الفكري لمجلس الشيوخ ونُقشت بالطبع سوف أدلي بما أراه كمتخصص في هذا الموضوع.
■ ما الأولويات والقضايا المهمة التي تراها ضرورة لطرحها على طاولة الحوار؟
أنا مهتم جدًا بالمرجعية، يعني مصر عرفت في الفترة الملكية بمرجعية معينة، كان النظام لمصر سياسيا لكن المرجعية كانت ملكية وبالتالي النظام السياسي لم يمارس دستور ٢٣ يوليو كما يجب ممارسته، لكن كانت في العموم، الفكر المصري كان مستمدا من مرجعية غربية، معظم المفكرين الكبار من أحمد لطفي السيد، وحسين فوزي، وطه حسين إلى آخره، كلهم جميعًا استمدوا من التجربة الفرنسية، والتجربة الأمريكية، والتجربة الإنجليزية، ولكن مصر سارت في النظام الألماني الهتلري الفاشي والإخوان، فالمرجعية في كل الأحوال أوروبا والأمريكان، في وقت الرئيس عبدالناصر المرجعية الاشتراكية للدولة بدأت مع الميثاق الوطني، وفي مرحلة الرئيس محمد أنور السادات عمل علي الانفتاح الاقتصادي، وفي بداية فترة حكم الرئيس مبارك ألغى الانفتاح الاقتصادي، في كل الأحوال لم يحدث في مصر استدامة في النمو ولا في الانطلاق ولا تحقيق التقدم، ولكن الآن لدينا مرجعية مختلفة ويطلق عليها المثقفون المرجعية المستندة إلى تجربة الدول الصناعية الجديدة، النمور الآسيوية وغيرها، التي بنت أساسًا على مركب من الأفكار يقوم في الأساس على الكمون الاستراتيجي، يعني عدم التورط في صراعات خارجية.
أعتقد أن المرجعية الموجودة في كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وإندونيسيا وتايلاند وبلاد أخرى في العالم أخذت هذا النموذج ووجدت أن الصين تجربة مهمة واليابان قبلها، ونحن في حاجة لمناقشتها بهدف تنظيم الحياة السياسية في مصر.
■ هل لدينا رؤية من واقع الحاضرين والغائبين عن الحوار للتعامل مع ما يسمى الإسلام السياسي.. “السلفيين ودورهم”؟
علي سبيل المثال ضياء رشوان هو من العلماء الذين عملت معهم في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وعمل على إصدار مجلد اسمه "الحالة الدينية في مصر" بالتعاون مع نبيل عبدالفتاح، وصدر منها عددان لسنتين متتاليتين كانت تتميز بقدر هائل من الشمول والمراجعة والفهم والتحليل لظاهرة أصول الإسلام السياسي، أيضًا هو أصدر مجلدًا ضخمًا عن الحركات السياسية الإسلامية التي نسمع عنها في الوقت الراهن مثل القاعدة وغيرها، وأعتبره ثروة معلوماتية لكل من يدخل في هذا المجال، ومن الضروري وجود موضوع تجديد الفكر الديني كجزء أساسي من التعامل مع الظاهرة الإرهابية ككل، نحن نقول إن المرجعية هي رؤية مصر ولدينا كل شيء مكتوب وهو ليس فقط شعارات.
■ ما الاَلية المناسبة التي ترى أنه يمكن من خلالها قياس التوافق في الرؤى في القضايا المختلفة داخل الحوار الوطني؟
حجم التوافق سوف يظهر في البيان الأخير، بمعنى أنه سيتم إجراء عملية بلورة للآراء المختلفة ويعلن أنه جرى التوافق علي عدد من النقاط، والسلطة التنفيذية مدعوة للأخذ بتلك النقاط في الاعتبار عند وضع القوانين أو وضع التشريعات.
■ الرئيس وعد بالمشاركة في الجلسات النهائية للحوار الوطني كيف ترى هذه المشاركة وما سوف تعطيه للحوار من زخم خارجي وداخليًا؟
أنا متشوق أن أرها هذه المشاركة، فالرئيس السيسي منهجة دائمًا أنه يطرح الأفكار الجديدة أو في النهاية عندما يرى أن هناك أمور تحتاج إلى تحديد أو تعريف أو انضباط أكثر، فمشاركة الرئيس تتوقف على مدى الغنى الذي سوف يكون في الحوار، ومن المبكر أن نتحدث عنه.
■ هل ترى أننا في هذه المرحلة بتنا في حاجة إلى انطلاقة جديدة في العمل الإعلامي والصحفي وحرية الرأي والتعبير، كأحد مكاسب الحوار الوطني؟
نحن في حاجة لذلك، ولدينا مشاكل كبيرة لها علاقة بتراكمات، ولدينا نظم لها علاقة بالإعلام بعضها من أيام الملكية وبعضها عند تأميمها في العهد الناصري، ثم الانفتاح، والثورات "يناير ويونيو" خلقت مناخا جديدا ومشاركين جددا في السياسة منهم الشباب، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات فيها كثير من الفوضى الإعلامية لكنها خلقت من نفسها طرفا في الحوار رغم أنه في تقديري أنها غير مؤهلة، كما أنها تفتقد المعيار الأساسي للحوار "الزمن وثمن" وتترك الحكم للأهواء، ولكن هناك أمورا كثيرة موجودة في الساحة في تقديري تحتاج للمراجعة، منها مسألة الصحافة العامة والمؤسسات القومية، الأمر الذي اندثر في الكثير من الدول المتقدمة، ونحتاج لمراجعة وخاصةً بعد نزيف موارد العامة، وأمامنا قضايا كثيرة جدًا بعضها ذات طبيعة اقتصادية وطبيعة سياسية وطبيعة فنية ومهنية إعلامية.
■ مراكز الأبحاث في الخارج لها دور قوي، لكن في مصر ضعف دور مراكز البحوث؟وحضرتك ترأست مركز الأهرام لفترة طويلة، وكان له سمعة كبيرة في هذا المجال والآن لا نسمع عنه شيئًا؟
نسمع عنه أو لا نسمع هذا سؤال يوجه لهم، إنما في تقديري نحن نحتاج لمراكز بحوث لكن القضية الأساسية فيها التمويل، مراكز البحوث في العالم كله إما أنها ممولة من الدولة أو ممولة من منظمات أهلية أو أحزاب سياسية ويكون ذلك بطريقة فيها شفافية وخاضعة لأدوات البحث العلمي المختلفة والاختبارات بالنجاح، وهو ما جعل من مركز الأهرام مركزا كبيرًا من أوائل الذين تناولوا الظاهرة الإرهابية في مصر، وميزة مراكز البحوث في المجتمعات الغربية ليس فقط ما تقدمه للدولة ولكن أيضًا ما تقدمه للمجتمع، تحليل المعلومات والمعرفة العامة عن المجتمع وظيفة أشخاص مهنيين.
■ ما تقييمك لإصدار وردود الفعل عن الحوار الذي يدور الآن وموقف الرأي العالمي؟
العالم ينتظر أن يرى، والجميع يعلم أنه منذ ٣٠ يونيو لم يكن لدينا إعلام كافٍ قادر علي تغير الصورة السلبية عن مصر التي روجت لها جماعة الإخوان المسلمين للمجتمع الدولي، لكن هناك متغيرات جرت في مصر أعتقد أنها بدأت تدفع بعض مراكز البحوث لإعادة النظر في مصر، إدارتنا لأزمة كورونا على سبيل المثال، والنمو الاقتصادي.
■ ما الضمانات التي تؤكد تنفيذ مخرجات الحوار الوطني؟
الضمانة الأساسية في تنفيذ مخرجات الحوار هي الدولة، إذا صار الحوار الوطني للطريقة التي تفيد الرؤية المصرية والمشروع الوطني الحالي ستكون من مصلحة الدولة والقيادة وكل الوطن وخاصةً أننا نتحدث عن أنه حوار سياسي، وبالتالي يحل إشكاليات مهمة على سبيل المثال نحن نريد معدل نمو ٨٪، علينا أن نتخذ إجراءات معينة بالنسبة للاقتصاد غير الرسمي المقدر بحوالي ٤٠ ٪ من الاقتصاد المصري، فضلا عن قضية الزيادة السكانية، وأنا من أنصار تراجع معدلات الزيادة السكانية عند وصول الدولة لمعدل نمو ٨٪ مثل كوريا وبلاد كثيرة حول العالم، لكن هل هناك إجراءات أخرى لإقناع المواطنين بأن طفلين عدد كافٍ، أو علينا أن نوازن بين الموارد والإنفاق على التعليم والإنفاق على الأولاد، هنقدر نقدم نماذج للمجتمع وللشعب المصري.
■ كيف يمكن استعادة دور مصر الريادي سواء إعلاميًا أو ثقافيًا؟
أنا سعيد شخصيًا من دور مصر الريادي وسوف يظل دائما له علاقة بالنموذج الذي نقدمه منذ بدأناه من ٢٠١٣، أولًا كنا على استعداد لتقديم التضحيات اللازمة حتى لا يكون هذا البلد فاشيا دينيا، ثانيًا أن نقوم بعمل مشروعات إصلاح عملاقة تتم بسرعة وتقدم قاعدة أساسية لدعم الصناعة والزراعة والخدمات في مصر والعالم، ونقدم نموذجا فكريا في العالم كله يتعلق بالسلام ونحن لا نبحث عن حرب، ولدينا نماذج للتعاون الاقتصادي للدول غير مكررة في الدول، مثل منتدي شرق البحر المتوسط موجود فيه فلسطين وإسرائيل ومصر والأردن وغيرها من الدول، يعني الاتفاق المصري الإسرائيلي مع الاتحاد الأوروبي، لكي يكون هناك تعبئة للغاز الموجود في المنطقة لصالح تقييد الضغط الروسي على أوروبا والاتحاد الأوروبي، أنا أعتقد أنها عودة لدور مصر الإقليمي.
■ المؤسسات الصحفية القومية تعاني من أزمات كثيرة.. كيف ترى حل هذه الأزمات، وما رأيك في الدعوات حول خصخصتها أو بيعها؟
أنا من المنادين بخصخصتها، دائما نقول إننا مستقلون في الأهرام أو بيننا وبين الحكم مسافة ولا يوجد ذلك في العالم، إما أنك عامل مؤسسة حكومية أو أنك مؤسسة خاصة، والرابط بينهما الاثنين، أنهما ليسا أعداء تربطهما المهنة التي لها قواعد لا تكذب، والالتزم بالقواعد المهنية الموجودة في ميثاق الشرف والموجودة في العالم، حق الناس والرد والدقة في نقل المعلومة والبحث ورائها والتأكد أنها صحيحة، وهذا الأمر من المفترض أن يكون قائما سواء حكوميًا أو خاصًا، ومن الملاحظ أن الخسائر كثيرة، ولا يجوز أن نخسر المعركة الرقمية في العالم، فلا يوجد من بين المؤسسات القومية مؤسسة أولى في الجانب الرقمي من حيث عدد المشاهدات ومن حيث الإقبال والنوعية الفنية لما هو منتج الآن، فالصحافة الورقية حدث لها تراجع كبير.
■ كيف ترى الخريطة السياسية في مصر الآن؟ وكيف يمكن النهوض بها وتفعيل دور الأحزاب بشكل أكبر؟
الخريطة السياسية في مصر دائما كانت مشوهة بمعني أنه يقال لك يمين أو يسار أو دينيين أو لا دين يعني علمانيين، ومصطلح لا دين ليس بمعني أنه غير متدين لكن بمعنى أن الدين يتحول لدستور هو الحاكم، لأن هو الأمر الممكن تراجعه إنما ليس كتابا مقدسا يقدر يراجع أصول مقدسة، أرى أن الأحزاب اليوم تعيش على الماضي، ولا بد من البحث فى آليات جديدة لتتحدث عن المستقبل، فضلًا عن ضرورة اهتمامها بالقضية الأساسية وهي بناء مؤسسات سياسية حقيقية، تكمن مهمتها فى تعليم الشباب وتثقيفه، مع وضع قواعد داخلية تضمن العمل بشكل ديمقراطي كي تستطيع إفراز قيادات وكوادر مؤهلة قادرة على تولى المسئولية والمناصب القيادية بالدولة.
■ كيف يمكن تقوية الأحزاب وجعلها أقرب إلى المواطن المصري وتشجيعه على المشاركة في الحياة الحزبية والمشاركة فيها؟
أنا لا أجد ضرورة لتقوية الأحزاب السياسية، يعني من الناس يعتقدوا أن الأحزاب السياسية قوية، حزب العمال وحزب المحافظين والحزب الديمقراطي، معظم الأحزاب مازالت موجودة، لأن لديها مشروعا تاريخيا تسير وراءه وعلى أساسه يتم اختيار المرشحين وعلى ويتم اختيار المشروعات، ولكن الأحزاب تتعرض لمرحلة قوة ثم تتعرض لمراحل ضعف ونحن نرى الآن أن الأحزاب السياسية بعد ما حدث في مصر أصبحت بينها وبين المواطن مسافة كبيرة تحاول أن تقرب هذه المسافة وتحاول التواجد الآن في المشاركة في الحوار الوطني وتقديم رؤى سياسية لمستقبل مصر، فالأحزاب لا ينبغي أن نعاملها معاملة الطفل تحتاج إلى غذاء وأموال، فالأموال تخلق نفسها بأمور مشروعة وأيضا بقدرة هذه الأحزاب على إقناع الناس بمشروعها السياسي.
■ كيف ترى تأثير الأحداث والمتغيرات العالمية على مصر، خاصة الأزمة الروسية الأوكرانية وقد قطعت شوطا كبيرا، والأزمة الحالية بين الصين وأمريكا؟
الأزمة الحالية بين الصين وأمريكا في رأيي ليست أزمة، فموضوع تايوان من الموضوعات المستمرة في الحديث بين الأمريكيين والصينيين منذ اتفاق "ريتشارد نيكسون" مع "ماوستونج" سنة ٧٢ الذى أقر فيه بأن الصين الشعبية هي الصين الوحيدة وأن علاقتها مثل علاقتها بمناطق سابقة بتايوان مثل هونج كونج، وميكاو، التي جرى عليها تفاوض من أجل الدخول الطبقي تحت السيادة الصينية وهذا أصل الاتفاق الامريكي، وأصبحت المنافسة من الصين كقوة عظمى، وفي تقديري أن أمريكا لا تريد أن تكون هناك قوة عظمى جديدة. بيتكلموا عن التنافس مع الصين، وأن الصين استفادت من نظام العولمة أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية وأن الصين به آليات لإنتاج منتج رخيص، وهذا هو أساس الرأسمالية في رأيي، إنما القضية الأخطر هي مع روسيا الآن، خاصةً بعد سعي روسيا والصين لعمل مراجعة للنظام العالمي.