يقال إن التوصيف الحقيقي لطبيعة الأزمة هو ثلاثة أرباع الطريق للخروج منها. وهنا يثار سؤال مهم متعلق بموضوع هذه المقالة: هل أزمة الشباب العربي معنوية مرتبطة بالتنشئة والتعليم، أم مادية مرتبطة بالدخل ورغيف الخبز؟ وربما تكون الأزمة ناتجة عن العاملين معا. بيد أن الطريق لمواجهة أي تحدي هو التقاط خيط للحل وليس مواجهة كل العوامل معا. فأيهما له الأولوية بحيث إذا عالجناه يتم علاج الآخر بالتبعية. رأي كاتب هذا المقال أن أصل الأزمة هو العامل النفسي التربوي المعنوي. وكما يقول المثل الصيني بدلا من أن تعطيني سمكة علمني الصيد. التعليم يأتي برغيف الخبز. ولا يوفر رغيف الخبز تعليما.
لا بد من المواجهة. هناك خلل عميق في التكوين النفسي والمعرفي للشاب العربي على امتداد بلاد العروبة أيا كان انتماؤه العرقي أو الطائفي. هذا الخلل الضارب في جذور شخصية الشاب العربي يعيقه من أن يحيا حياة كريمة متحققة ذاتيا. وإصلاح هذا الخلل على ما يتطلبه من جهود جبارة هو الذي يكفل له مواجهة أعباء الحياة بما فيه عبء مواجهة الفساد السياسي والاقتصادي والفقر والجهل والمرض.
حين نتحدث عن العطب والشرخ في التكوين النفسي، فنحن لا نقصد إجراء اختبارات فرويدية للشباب العربي بتمديده على " الشيزلونج" يكفي الإشارة الى أزمة " الحرية" في المسار التربوي في الأسرة والمدرسة. لا يمكن خلق النضج النفسي بدون حرية. والحرية في العالم العربي مطروحة فقط في الشارع وليس في البيت ولا في المدرسة. لذلك هي أقرب للفوضى. رفوف مكتباتنا العامة والخاصة ممتلئة بكتب ودراسات حول مناهج التربية خاصة في القرآن الكريم. بيد أن كل هذا لا قيمة له في واقع الأمر دون " تفعيل" قيمة " الحرية" في المناهج التربوية.
و كل ما قيل حول التكوين النفسي والحرية يمكن ان يقال حول التكوين المعرفي مع إضافتين هامتين. أولا وكما تشير بالفعل الكثير من الدراسات، يجب أن تتحول مناهجنا الدراسية والمعرفية من مفهوم " تغذية " المعرفة الى تنمية مفهوم " الحصول " على المعرفة وذلك منذ نعومة الأظفار مع تنمية روح النقد. أيضا يجب أن يترسخ لدى الشباب أن الثورة المعرفية هي أساس الثورة السياسية وليس العكس. إذا قبل كل شيء يجب علاج الخلل النفسي والخلل المعرفي الناتجين عن غياب الحرية. بدون ذلك لا يمكن تلافي اضطراب وضعف شخصية الشاب العربي الذي لن ينفعه التحلي بكل الفضائل الواردة في الكتب المنزلة ما لم يشعر بأنه فرد حر. ولن ينفعه كذلك جميع الوصفات الاقتصادية والانقلابات السياسية. ويمكن هنا الإسترشاد بالحديث عن ثلاث تجليات للأزمة المعنوية: إشكالية الهوية والإشكالية النفسية والإشكالية الدينية. وبالطبع يوجد خيط رفيع يلتئم هؤلاء الثلاثة.
لا يستطيع أي مراقب ان ينفي وجود أزمة هوية لدى الشباب العربي. وهذه الأزمة نتاج عدة عوامل سياسية وتاريخية ودينية ولكنها في النهاية تعود الى الحرية بعد ان عانينا كعرب عهودا من الاستبداد الداخلي والخارجي. ويتعلق مفهوم الهوية بأولويات الرؤية الذاتية كفرد وبالتالي كمجتمع. كيف أرى نفسي في دوائر الانتماء. ثم يتحدد مفهوم الهوية برؤية السلطة التي تفرضها على مواطنيها. ففي مصر الناصرية على سبيل المثال ترسخت فكرة ان العروبة أولا ثم الدائرة المصرية ثم الافريقية ثم الإسلامية.
و لعل الازمة النفسية هي اخطر الازمات التي اصابت الشباب العربي. وتدل الاحصائيات على تزايد حالات الاكتئاب والانتحار. لقد تعود منذ طفولته على القهر والكبت من والدية اللذان هما اقرب الناس اليه. وهذا يولد إحساس عميق بعدم الأمان والعبودية. وكما يقول الكاتب الليبي الصادق النيهوم الطفل والمراهق العربي محاصر بين الأوامر والنواهي والكبت الجنسي.
اما عن الإشكالية الدينية فحدث ولا حرج. القاصي والداني يتحدثان عن تجديد الخطاب الديني مع غياب مفهوم واضح عن " الخطاب " وعن " الدين" كما يقول المفكر المصري حسام الحداد. ويجد الشاب نفسه امام سيلا من الخطابات التي لا تقول في نهاية الأمر شيئا محددا.
اذا الازمة معنوية قبل ان تكون مادية. وهي ناتجة عن غياب الحرية بشقيها النفسي والمعرفي وتتجلى في إشكاليات الهوية والخطاب الديني والتأزم النفسي. وفي النهاية لا يجد الشاب نفسه الا في الهجرة الداخلية (المخدرات أو الغلوالديني) او الهجرة الخارجية على قول الدكتور حسن حنفي رحمه الله.