لكل عصر أدواته ومعطياته، ورغم التطور التكنولوجي الذى يعيشه العالم يظل الإنسان هو محور الاهتمام، وتعتمد الكنيسة المصرية على الوسائل التكنولوجية الحديثة في تقديم خدماتها فى كافة مناحى الحياة، بدءا من وسائل الإيضاح، واستخدام منصات التواصل الاجتماعى وغيرها، لكن تظل طريقة التواصل المباشر هى فرس الرهان.
ويلجأ الكثير من الكهنة ورجال الدين إلي التواصل مع الشباب وأبناء الكنيسة عبر جروبات واتس آب أو الفيسبوك وغيرها، ولكنها لا تغني عن التواصل المباشر من اجتماعات وتنظيم رحلات ترفيهية وخدمات مباشرة ولقاءات خلال القداسات او اجتماعات روحية وغيرها.
وغاية الخدمة هى الوصول بالمعلومات إلي فكر المتلقي، ولذلك تنامى خلال الآونة الأخيرة فكرة تبسيط المعلومة خاصة للأطفال بشرح القصص الواردة بالكتاب المقدس بطرق سهلة الحفظ، ولعل أبرزها ما يقدمه البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بعنوان "البابا وحكايات الأطفال" ينقل تعاليم المسيحية بصورة سلسة، ويحاول من خلالها غرس القيم فى إطار حدوتة، ومحاكاة وتفاعل مباشر مع الأطفال.
وتوجد العديد من الفيديوهات المتداولة لخدمات أساقفة لكنائس كاثوليكية غربية تتفاعل مع الحضور والمشاركين في الاجتماعات بالرقص على نغمات الموسيقي، ولدينا أيضا مدخلات على ساحة الخدمة من استخدامات الناي والجيتار والدف والكثير من الآت الموسيقية، لخلق مزيج من التفاعل وكثير من الإصغاء والتعايش مع الترتيل فالأذن - مدخل إلي الروح - من خلال طريق النغم.
كما أن هناك العديد من فيديوهات تظهر مشاركة كهنة وأساقفة من الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، منهم: الأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة، وسكرتير المجمع المقدس سابقًا، فى احتفالات بالكنائس الأفريقية وتحديدا في إثيوبيا وإرتيريا وكينيا، وتصل مظاهر الاحتفال للتصفيق والرقص من البعض، على غرار فيديوهات مشابهة للكنيسة الإنجيلية بعدد من المناطق بالقاهرة أثناء الترنيم والتسبيح، تصل لحد الرقص بالجسد دون اعتبارات لأى شىء سوى الخدمة والتواصل.
كما يستغل الكهنة أو الرعاة أحيانا، الرحلات الترفيهية لكسر الحواجز مع الشباب بهدف خلق روح الإخوة لا الوصاية، يشاركونهم الألعاب والفعاليات مثل: مباريات كرة القدم والطائرة والألعاب المائية وغيرها من الأمور والمسابقات، بهدف خلق جو من الألفة القوية ومد جسور تواصل مع هذه الأجيال؛ وهناك فيديوهات متداولة لكاهن يلعب مع الشباب مستخدما بطة تصدر أصوات لقياس الثبات الانفعالي، وفى بعض الأماكن نجد نزول كهنة إلي مقاهى لمحاولة استقطاب أبناء الكنيسة البعيدين عنها حتى يدعونهم للصلاة والتواصل.
ومن ضمن الفيديوهات المتداولة، قيام الأنبا بشارة جودة، مطران إيبارشية أبو قرقاص للأقباط الكاثوليك، بالرقص والتحطيب بالعصا مع صبي من ذوي الاحتياجات الخاصة واحتضانه، وكان رد فعل الحضور هتاف “يا أبانا بشارة يا جميل”، ولكل شخص طريقته وأسلوبه لجلب الشباب للكنيسة بعضها محل جدل والآخر مصدر ترحيب.
هناك من يرى كسر تابوهات الجمود بين الكاهن والشباب أمرًا في غاية الأهمية لكسب وجذب الشباب للكنيسة، فلم تعد وسائل التواصل الاجتماعي أو الهاتف كافية لتلك المهمة، والبعض الأخرى يراها تنال من وقار الكهنوت، وأن استحداث طرق لجذب الشباب يجب أن تكون من خلال أندية الكنائس وغيرها مع الاحتفاظ بالوقار الكامل للكهنوت.
ستايل جيل
في ظل الثورة التكنولوجية المتطورة التى يشهدها العالم، وحالة الانفتاح التى يعيشها الجيل الحالى، يتطلب العديد من الجهد لكسب وده، وفتح آفاق التفكير معه حتى يكون هناك جسور من التواصل الفاعلة غير الزائفة.
وفى سؤال وجهه خادم في اجتماع، إلي الأنبا زوسيما، أسقف أطفيح، بأنه متأثر نفسيا لعدم استفادة الأبناء فى مدارس الأحد منه، ولا يعرف ماذا يفعل حتى يستفيدوا من الدروس، وجاء رد أسقف أطفيح قائلا: “إن الأطفال وعاء فارغ مستعد استقبال ما يوضع فيه من معلومات وخبرات ومعرفة، ولكن الطريقة نفسها هى ما تحكم الأمور، الخادم عليه أن يدرس الطريقة الأفضل للتدريب والتعامل معهم، وعدم الحديث المطول ولكن إيصال المعلومات بصورة مبسطة، أو لفت انتباه الأطفال برفع الصوت أو طريقة الأداء والإلقاء، حتي يدعوهم للتركيز معه”.
ويرى القس مكاريوس فهيم قليني، كاهن بالقاهرة وحاصل على ماجستير فى اللاهوت، وعضو دائم باتحاد كتاب مصر، أن بولس الرسول كان يبشر في عهد الدولة الرومانية، وكانت قمة الفساد الإخلاقي، ولكنه كان ملتزمًا باللياقة وتعاليم المسيحية من عفة وطهارة وهو يبشر، ولم يتخذ طرقا ملتوية حتي يجذب الناس إليه، لذا فإنه يبدو عدم فهمنا الجيد لاستخدام الوسائل الحديثة فى الخدمة لجذب الشباب.
وقال القس مكاريوس لـ"البوابة"، إن الهدف المنشود وهو جذب الشباب، يجب ألا يتعارض مع المبادئ الكنسية وإعمالا بالنص الكتابي ’’كل الأشياء تحل لى ولكن ليس كل الأشياء توافق‘‘، ليس مقبولا أن ينزل كاهن للشباب على المقاهى أو في الأمكان المشابهة، فإن كرامة الكهنوت لا تسمح بالجلوس في تلك الأماكن، ولكن من الحكمة جلب خدام من العلمانيين وإرشادهم لمكان هؤلاء الشباب ليتحدثوا إليهم ويصادقونهم ويأتون بهم للكنيسة، مراعاة وقار الكهنوت أمر غاية الضرورة.
وأضاف: "أنه لا يليق مثلا مشاركة الكاهن رحلات بنات أو شباب إلي حمامات السباحة وخاصة كونه مكان عام والجلوس على البيلاج بالزى الكهنوتى، يضع وقار الكاهن فى دائرة الاستفهام من المارة، أو أبناء الكنيسة المشاركين أنفسهم، ونفس الأمر بالنسبة للترانيم الراقصة، فلا يجوز للكاهن أن يتراقص مع النغمات بحركات بحجة أنه يساير الشباب، هناك تروي وحكمة في التعامل، والخدمة بصورة تحفظ وقار وقيمة الكهنوت". مشيرًا إلي أن الآلات الموسيقية المستخدمة فى التراتيل والتسابيح موجودة من العهد القديم، ولاسيما بأن هناك فرقا مخصصة للترنيم كانت داخل هيكل سليمان استخدموا العديد من الأدوات الموسيقية؛ ولكن في العهد الجديد الترانيم والتسابيح اتخذت شكلا وقورا، مدللا على ذلك بأن العذراء مريم كانت تأخذ الفتايات إلي منطقة الزيتونة ويرتلن هناك ولم يسمع لهن صوت، وتلاميذ المسيح كانوا يسبحون بدون طبل أو زمر مثلما نرى هذه الأيام – بحد تعبيره.
وأوضح أن هناك فرقا شاسعا بين الترانيم الروحية والشعر العامي، مستشهدا بموقف البابا المتنيح شنودة الثالث، ورفضه أن تأتي الكنائس بألحان أغاني يُركب عليها ترانيم كنسية لأنها تفقدها الوقار.
وتابع: "لا يجوز أيضا مشاركة الشباب ألعاب مثل كرة القدم وغيرها، ويرون الكاهن يقوم بحركات مثلهم، ويأتي فيما بعد يدعوهم للهدوء والسكينة، ولو كانت هناك مشاركة ضرورية قد تكون التحكيم بينهم لتحقيق توازن وانضباط للرحلة، ولا أنسي أحد الكهنة كان من هواة الكرة ولعب مع الشباب وأدى حركة ’’دبل كيك‘‘ فأصيب ورقد شهرا للعلاج والراحة".
وشدد القس مكاريوس،على ضرورة احترام الكهنوت وفق ضوابط الكتاب المقدس، فلا يجوز بدعوة جلب الشباب والوصول إليهم، أن ينال ذلك من كرامة الكهنوت.
وأكد أن المسيح قبل صعوده ترك تعاليم للرسل وخلفائهم، فإنه لا يجوز النزول للخلاعة أو الهزار من أجل جذب الشباب للكنيسة، بينما المفترض أن أرتقي بالشباب إلى المستوى الروحى وليس النزول من جانبى إلي مستوى أقل، ولا يجب تعليق ذلك على شماعة هدف جذب الشباب.
واستطرد: "أن دورى إيصال كلمة الله بشكل مبسط ، دون الانحدار، وعلينا تذكر حينما انحدر أبينا إبراهيم إلي الجنوب وسقط وتورط مع ملك البلاد، فإننا علينا الحفاظ على الوقار فى الترنيم والألحان وكل شىء، فإن صناع ترانيم على خلفية أنغام صارخة أو رتم سريع تكون مبنوذة من الكبار، ولا سيما بأن الإحصائيات تقول غالبية الحوادث جاءت نتيجة النغمات والأغاني الصاخبة التى تثير انفعالات المستمع؛ فإننا نستهدف تطوير ممزوج بالوقار والتقدير وليس تدهور".
واستهجن "فهيم" ما شهده مسرح أحد الأديرة بأن يكون هناك مكبرات صوت ودرامز وآلات صاخبة بدعوى وزعم التطوير والمحبة، فإن ذلك لا يجب أن يلغي التقليد والموروث، مؤكدا أن الكتاب المقدس جاء فيه قول صريح ’’أنتم لستم من هذا العالم‘‘.
وألمح إلي أن التسبيح والترتيل هى وظيفة الملائكة يرنمون بهدوء ويسجدون فى سلام لله، ولا داعى للسير فى طرق مخالفة بدعوى الحداثة التى أراها تدهور، ونرجع إلي قول سليمان الحكيم بأنه للضحك وقت، وللبكاء وقت، وللنوح وقت.
وقال الدكتور القس نصر الله زكريا، مدير المركز الإعلامي للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر، إن كسر الحواجز مع الشباب يتلخص فى عدة محاور هى "لغة الشباب ، وجود القدوة ،والمشاركة والمعايشة ، الأثر والتأثير ، منهجية المقال ، التصرف".
وأوضح زكريا فى تصريح خاص لـ"البوابة " أن التواصل مع الشباب يحتاج للتعامل باللغة التى يفهم ويدرك معناها ببساطة، لا تكون مصطلحات فلسفية ولات كون بعيدة كل البعد عن مفردات الشارع الدارجة بهدف إيصال الرسالة أو المعلومات بشكل سهل ومواكب التفكير.
وأضاف مدير المركز الإعلامي للكنيسة، أن مشاركة الرعاة أو الخدام الألعاب مع الشباب مثل كرة القدم أو غيرها من سبل التفاعل، أمر جيد، مع الاحتفاظ بهيبة وكرامة مكانة الراعي أو القسيس والخادم، قد تبدو المباراة للعب الكرة ولكن المستهدف منها غرس تعليم الأمانة والصدق، والثبات الانفعالي مما يثمر عن إيجاد القدوة لهؤلاء الشباب حينما يجد تلك السمات فى الراعي، مستشهدا بقصة فريق كرة تابع لكنيسة بالخارج يشرف عليه راعى قس ومدرب من الخارج، والأخير يطالب اللاعبين باستخدام أساليب مخالفة للتعاليم الدينية من تدليس أو ما شابه وتدخل الراعي بقوله "المبادئ الدينية أكبر من المكسب " فإن اللعب بعدالة أهم ، وهنا يبرز المبدأ والتعليم والقدوة.
الأثر والتأثير
وأضاف أن الشباب لو وجدوا الراعي يعظ على المنبر بثوب الفضيلة، وعلى أرض الواقع مخالف لذلك، سيفقد الثقة التامة ويدمر مبدأ القدوة، ولذا فإن الأولوية أن يكون الراعى متسقا مع ذاته وثابت على أهدافه، مشددا على أن المخزون العقلي للشباب أو النشء يحمل الكثير وقد يتعلم منك شيئا يدرك قيمته فيما بعد ويكون له أثر كبير في حياته.
وأوضح "نصر الله" أن المشاركة الحقيقية من منطلق ديني وإنساني وليس بهدف جذب الرعية، والشباب لو استشعرها المخدوم (شعب أو شباب أو أطفال)، ينجذب إليك تلقائيا لأنه يجد من يشارك معه الأزمات والتجربة بدون مصلحة، ولكن بدافع المحبة، ودلل على ذلك بما يسطر عن الكاهن ستيفن لبط الكاثوليكي، الذى وافته المنية ويكتب محبوه مواقف عن مشاركته لهم في أحداث حياتهم.
المقام والمقال
وأكد أن لعب الكرة أو غيرها، لو كانت هى السبيل لكسر الحواجز مع الشباب لا يوجد مانع طالما يضمن هيبة المنصب ويتضمن فحوى موضوعى هدفه تعليمي أو تدريبي أو غرس قيمة دينية وإنسانية، اعمل عمل الله بطرق الله، فهل ذلك يعنى أن يسرق أحد حتي يتصدق بالطبع لا، ولكن يشبع أخوة الرب بقدر ما يملك من قوت.
ولفت إلي أنه أثناء تدريبهم على الخدمة قبل رسامته قسا، كانوا يتدربون على أن جذب الشباب للخدمة والتقرب منهم من خلال لعب الكرة، أما الفتيات المتدربات كان يقال لهن مشاركتهن التسوق، حيث أن كلاهما مساحة للتقارب.
التصرف
واختتم قائلا "مستعدون للتجاوب مع كل من يسأل، ولذا يجب أن يكون الراعى سريع البديهة ومتسقا مع ذاته فى تصرفاته، حتى لا يتسبب في إخلال أمام عيون الشباب، ويكون مستعدا للإجابة حول كافة الاستفسارات، ولو بالقياس على مباراة كرة فخسارة مباراة أفضل من خسارة المبدأ ليرسخ داخل هؤلاء القيم والأسس".